الإيمانالقمص أنجيلوس جرجسبدع حديثةموضوعات مسيحية

القمص أنجيلوس جرجس يرد على بدعة تأليه الإنسان

هرطقة تأليه الإنسان: الجزء الأول

انتشرت منذ سنوات فكرة تأليه الإنسان وتصدى لها قداسة البابا شنودة الثالث ثم عادت للظهور مرة أخرى هذه الأيام. ومع غرابة الفكرة إلا أنها تنطوي في داخلها على نتائج خطيرة، إذ أن هذه الفكرة كانت سبب السقوط الأول للإنسان، فالغواية بدأت بفكرة تصيران مثل اللـه، وبالطبع لم يكن هناك استطاعة بأن يكونا مثل اللـه بالطبيعة فيكون عرض الشيطان هو أخذ إمكانيات إلهية وهذا ما تنطوي عليه أيضاً هذه الهرطقة.

والغريب أيضاً أن نفس هذه الفكرة رددها بعض الفلاسفة الملحدين مثل فويرباخ الألماني الذي قال: “إن نقطة التحول في تاريخ البشرية ستكون عندما يدرك الإنسان أنه هو إله نفسه”. ونفس الفكرة رددها نيتشه. وكثير من هؤلاء الملحدين استندوا على بعض آيات سنرد على كل منها:

• “لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة” (2بط 1: 4):
وهذه الآية هي إدراك لقول السيد المسيح: “أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد” (يو17: 23) وهذا يعني أنه بتجسده المبارك أخذ طبيعتنا وصرنا بهذا شركاء بطبيعتنا في شخصه المبارك. إلا أننا لابد أن ندرك أن هناك اختلاف في حلول اللاهوت واتحاده بالناسوت وبين وجوده فينا، كما يقول البابا كيرلس الكبير في رده على نسطور وما يتضمنه الحرمانات الاثني عشر فيقول في الفقرة التاسعة: “نحن ندرك إنه إذ صار جسداَ فلا يقال عن حلوله أنه مثل حلول القديسين… ولكن الكلمة إذ اتحد حسب الطبيعة ولم يتغير إلى جسد فإنه حقق حلولاً مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان في جسدها الخاص”.

وشركاء الطبيعة هي التي تجعلني اتحد به أي في شخصه لكي يتم خلاصي الشخصي، فالاتحاد به سواء في المعمودية أو في الإفخارستيا له نتائج في تغير طبيعتي البشرية على مستوى القوة الروحية وليست على مستوى تغير الطبيعة لصورة وكيان أخر إلهي.
ورسالة القديس كيرلس لـ “فاريان” يقول: “تجسد الكلمة وصيرورته إنساناً لم ينتج عنها إلغاء الفارق بين الكلمة المتجسد والبشر المؤمنون به حتى القديسين منهم”. ونسبح في ثيؤطوكية الجمعة ونقول: “هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له” وهذا التسبيح لعمل الخلاص فما أعطاه لنا هو صنعه في طبيعتنا التي فيه، فقد صام عنا، وصلى عنا، واعتمد عنا، وصلب عنا، وقام لأجلنا، وهذا كله بطبيعتنا التي أخذها منا كي يتمم فيها ما هو محكوم به على طبيعتنا البشرية فصلب وقام وصعد وأدخلنا فيه إلى السماويات. وهذه هي الشركة التي يقصدها ماربطرس وهذه هي نتيجة تجسده المقدس وأخذه لطبيعتنا.

• ويسوقوا آية أخرى في سفر الخروج: “أنا جعلتك إلهاً لفرعون. وهارون أخوك يكون نبيك” (خر 7: 1):
كانت العقيدة المصرية القديمة هو كل من يحمل كلمة اللـه يأخذ صفاته، فعبادتهم كانت تأخذ صورة مادية للرمز الإلهي المعلن لهم، لذلك يكون موسى وحسب رؤية المصريين القدماء هو إلهاً لفرعون وليس إلهاً في المطلق أو إلهاً على مستوى الطبيعة. ولكنه إلهاً على مستوى رؤية المصريين.

يقول القديس إيرينئوس: “موسى إذ كان رجل اللـه فقد أعطى أن يكون إلهاً لفرعون ولكنه لم يدع رباً بمعنى الكلمة، ولا دعي إلهاً بواسطة الأنبياء”، ولذلك قال له إلهاً لفرعون فالإضافة هنا توضح المعنى فهو بالنسبة لفرعون وليس على مستوى الحقيقة بطبيعته.

• “أنا قلت إنكم إلهة وبنو العلي كلكم” (مز 82: 6):
وهذه الآية استشهد بها السيد المسيح في كلامه في “أجابهم يسوع: أليس مكتوباً في ناموسكم: أنا قلت إنكم آلهة” (يو10: 34). والكلام هنا يقوله لشعبه أنهم بني العلي وسط الشعوب، أي أن هذا ستكون رؤية العالم لهم أنهم يحملون قوة إلهية، لذلك “قلت إنكم آلهة” وليست تحملون طبيعة إلهية.

ونفهم هذا مثلما نفهم أن كل آلهة الأمم شياطين، هل معنى هذا اعتراف بآلهة الأمم؟ ولكنه يتكلم عن صورتهم وسط العالم، فأنا قلت يعني أنه سيجعلهم وسط الشعوب يحملون سلطاناً يري به العالم أنهم لهم قوة وبطريقتهم التي كانوا يدركوا أنها قوة الإله أن كل من يحمل قوة من اللـه يدعى إلهاً.

لذلك بداية المزمور يقول: “اللـه قائم في مجمع اللـه في وسط الآلهة يقضي” وهذا يعني أن الفكرة الأصلية للمزمور عن سلطانه الذي يعطيه لشعبه وسط الأرض.

وحين استشهد السيد المسيح بهذه الآية وضع المعنى أن قال آلهة لأولئك الذين صارت إلههم كلمة اللـه “فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له: إنك تجدف لأني قلت إني ابن اللـه؟” (يو10: 36)
وهذا يعني أن الآية قيلت لمن هم يحملون كلمة اللـه وسط العالم لكنه وضح أنهم ليسوا آلهة بالحقيقة لأن الذي أرسله الآب هو الإله الحقيقي الذي يكون لا يجدف إذ قال عن نفسه إنه ابن اللـه، وهذا يعني هناك فرق بالطبيعة. وعلى هذا تكون “أنا قلت إنكم آلهة” مرتبطة بحالة زمنية وإدراك بشري لعالم لم يكن يدرك من هو اللـه. 

الرد على هرطقة تأليه الإنسان: الجزء الثاني

في حديثنا عن هرطقة تأليه الإنسان وجدت البعض قد ذكر أن البابا أثناسيوس علم بهذا. والحقيقة أن النص الوحيد الذي ذكر فيه البابا أثناسيوس هذا الموضوع هو في نص تجسد الكلمة إذ قال: “لأن كلمة اللـه صار إنساناً لكي يؤلهنا نحن”. وهي الترجمة، الحقيقة لم يذكر لكي نصير آلهة كما يذكر البعض.

و”يؤلهنا” لابد أن تفهم في سياق الموضوع فقد كان يتكلم في فقرات سابقة عن نتائج التجسد والفداء فيقول: “والآن قد مات مخلص الجميع نيابة عنا، فإننا نحن الذين نؤمن بالمسيح لن نموت بحكم الموت الذي كان سابقاً حسب وعيد الناموس لأن هذا الحكم قد أبطل… وكما أنه معروف في الخليقة بواسطة أعماله فيجب أن يُعرف بعمله في الإنسان أيضاً وأن يظهر نفسه في كل مكان، وبذلك لا يترك أيا من المخلوقات مقفراً من ألوهيته ومعرفته”. 

نعيد الفقرة الهامة ونضعها مع الجملة الأخرى “وبذلك لا يترك أيا من المخلوقات مقفراً من ألوهيته ومعرفته… لأن كلمة اللـه صار إنساناً لكي يؤلهنا نحن”. وبذلك يكون المقصود ليس أن نصير آلهة ولكن أن ندخل في المعرفة الإلهية التي كانت محتجبة عنا وهي من نتائج الخطية.

وهذا يتوافق مع قول بولس الرسول في كورنثوس الثانية: “لكن حتى اليوم حين يُقرأ موسى البرقع موضوع على قلبهم ولكن حين يرجع إلى الرب يرفع البرقع” (2كو 3: 15، 16)، “ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح” (2كو 3: 18).

ويقول البابا أثناسيوس أيضاً: “وهكذا إذ يكون الإنسان محاصراً من كل ناحية بأعمال الخليقة، وإذ يرى الألوهية الكلمة معلنة في كل مكان في السماء وفي الهاوية وفي الناس على الأرض… يُعبد المسيح ويأتي مباشرة ليعرف الآب”.

ويقول أيضاً في نفس المخطوط: “وماذا كان يمكن أن يتم سوى تجديد الخليقة التي وجدت على صورة اللـه مرة أخرى، ولكي يستطيع البشر أن يعرفوه مرة أخرى، إلا بحضور نفس صورة اللـه لأن كان الأمر مستحيلاً أن يتم بواسطة البشر لأنهم هم خلقوا على مثال تلك الصورة وليس هم الصورة نفسها”.

إذن هو يتكلم عن المعرفة الإلهية حين وصف أننا نصير مؤلهين أي بتعبير أخر نصير لاهوتيين أي فينا معرفة الإله الذي كان محتجباً، لأنه وكما رأينا قال إننا على مثال الصورة، ولا يمكن أن نكون نحن الصورة أي السيد المسيح له المجد.

ويقول أنبا مقار: “المسيحون يحصلون على مجد النور داخل نفوسهم”. وأخيراً يقول البابا أثناسيوس: “إذ صار الكلمة جسداً فبأخذه الجسد أصلح الإنسان بكليته، قد أسلم اللـه الإنسان كما إلى طبيب ليشفيه من لدغة الحية فيهبه الحياة ويقيمه من الموت ويضئ عليه وينير الظلمة، إذ صار جسداً جدد الطبيعة العاقلة ورد كل شيء إلى الصلاح والكمال”. فإذا ما كانت فكرة ألوهية الإنسان في فكر البابا أثناسيوس كما قال “إذ صار جسداً جدد الطبيعة العاقلة” لكان يقول “جعله إلهاً” ولم نجد نهائياً في فكر البابا أُثناسيوس هذا الإيمان.

مقالين تم نشرهم بصفحة “مقالات القمص أنجيلوس جرجس” على فايس بوك بتاريخ الجمعة 9/ 11/ 2018

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى