من هم المتعصبون الحقيقيون؟ | الخلط الساذج بين الأصولية والفاشية!

بقلم: مينا المصري
المتعصبون ليسوا أبدًا هم الأصوليون المتمسكون بإيمانهم والمخلصون لثوابتهم القديمة، فهذا خلط شائع وساذج بين الأصولية والفاشية، لأننا قد نجد شخصًا أصوليًا محافظا متمسكًا بعقيدته ولكنه لا يفرض آرائه على أحد، يتعايش مع المختلفين معه رغم اعتراضه التام على أفكارهم، فقط يريد من المجتمع أن يتركه وشأنه ليعيش إيمانه كما يريد، ونجد في الوقت ذاته شخصًا متحررًا يحاول أن يفرض أفكاره الحديثة على المؤسسات التقليدية وعلى الأفراد بشكل سلطوي!
ولكن المتعصبون هم الذين يضعون “عصابة” على أعينهم كي لا يروا الحقائق المنطقية المجردة التي تخالف ما يدعونه، وهم فاشيين يرفضون أي نقاش موضوعي تحت مظلة مرجعية واضحة، لأنهم في أعماقهم يدركون جيدًا أن بتلك الطريقة سيخسرون قضيتهم لا محالة، وستنكشف هشاشة آرائهم وضعف منطقهم وقلة حجتهم أمام الجميع.
وسمة المتعصبون الأساسية هي أنهم لا يحتملون أبدًا التعايش في المجتمع مع جماعات تختلف عنهم في المعتقد، فهم يريدوا من الجميع أن يصيروا مثلهم، حتى لو لم يتدخل المجتمع في حريتهم الشخصية كأفراد، فهم في اعماقهم لا يقبلون فكرة أن يتعايش المختلفون سويًا رغم الاختلاف، مهما أظهروا عكس ذلك، بل يريدون إذابة كل الاختلافات لتصب في صالح معتقدهم هم في النهاية.
ولهذا فهم مخادعون من الطراز الأول، يستخدمون طرقًا ملتوية لفرض رؤيتهم على الجميع، حتى لو تطلب الأمر أن يتدخلوا لمنع حرية العقيدة سواء للمؤسسات أو للأفراد، بزعم كاذب أن آرائهم الخاصة النابعة من معتقداتهم هي ثوابت عامة على جميع المؤسسات والأفراد أن يلتزموا بها دون نقاش!
ولهذا فأسلحتهم التي يستخدموها مع خصومهم الفكريين تعتمد فقط على إرهابهم فكريًا بأسلحة غاية في الدناءة والخسة بهدف إخراس ألسنتهم، فإما أن يقبل هؤلاء الخصوم آرائهم ومعتقداتهم دون نقاش، وإلا سيتعرضوا للطعن العنيف بتلك الأسلحة التي ستفتك بهم دون رحمة.
وأول هذه الأسلحة وأرخصها هو السخرية الفجة والتسفيه من الخصوم بأشخاصهم وأطروحاتهم بدون أي منطق أو تقديم حجج موضوعية أو مناقشة فكرية جادة، لكي يضطروهم إلى الصمت حتى لا يتعرضوا للتنمر والنبذ في مجتمعهم!
وإذا فشل السلاح الأول يظهر سلاحهم الوضيع الثاني، وهو توجيه الاتهامات للخصوم بدون أي سند أو دليل إلا الكلام المرسل، ووصمهم بألقاب وصفات منفرة ليبتعد الناس عنهم، ولا مانع من سبهم بأحط الألفاظ وأكثرها بذاءة، ووضعهم في قوائم سوداء إذا لزم الأمر، فهذا يساعد جدًا على عدم توفر بيئة صالحة لإقامة نقاش صحي وعادل يفضح تدليسهم.
وإذا لم يفلح السلاح الثاني أيضًا، واستمر الخصوم بشجاعة في طرح دفاعهم أو نقدهم، هنا يبرز السلاح الثالث والناجز.. وهو الاستغلال الحقير لنتائج وتأثيرات السلاحين الأول والثاني على عقول وقلوب العامة، لتبرير السعي العلني لمنع الخصوم تمامًا عن إعلان آرائهم بأي شكل.. سواء بالتهديد المباشر أو بمنعهم قانونيًا أو سلطويًا تحت عنوان إنساني لطيف سيقبله جميع الناس مثل: مواجهة المتعصبون!