الإيمانالشجرة المغروسةبدع حديثةلاهوت مقارنموضوعات مسيحية

الرد على المزاعم الواهية بوجود مخطوطات تدعو لقبول معمودية الكاثوليك

بقلم: د.م ريمون اسحق ملك

تفنيد تعليم الانبا ابيفانيوس بخصوص قبول معمودية الكاثوليك
ردا علي محاضرة لنيافته تم نشرها علي نطاق واسع بعد نياحته

انعقد في الفترة من 22-24 فبراير 2018 مؤتمر أصدقاء التّراث العربيّ المسيحيّ الـ 26 والذي نظمه مركز دراسات مسيحية الشرق الأوسط، بكلية اللاهوت الإنجيلية المشيخية، ، وذلك في مقر الكلية، 8 شارع السكة البيضاء العباسية. وجدير بالذكر ان هذا المؤتمر سنوي وقد اقيم المؤتمر ال 25 في رحاب جمعية الاثار القبطية بالكنيسة البطرسية في فبراير 2017 وقد افتتح قداسة البابا تواضروس الثاني فاعلياته بقاعة ميريت باشا بالكنيسة البطرسية بالعباسية. ومن بين من قد شارك في المؤتمر الـ 26: القس عاطف مهني رئيس سنودس النيل الإنجيلي المشيخي، مدير كلية اللاهوت، والقس وجيه يوسف أمين عام المركز، والقس هاني يوسف العميد الأكاديمي بالكلية، والبروفسير الأب سمير خليل اليسوعي،والأخ وديع عوض الفرنسيسكاني، والدكتور جوزيف موريس فلتس، والقس عيد صلاح، والقس تواضروس القمص متياس والأنبا ابيفانيوس أسقف و رئيس دير الأنبا مقار الراحل والأنبا مارتيروس الأسقف العام اسقف شرق السكة الحديد…ألخ.

وفي خضم فاعليات المؤتمر- وفي الجلسة الثامنة تحديدا برئاسة نيافة الأنبا مارتيروس- قدم نيافة الأنبا ابيفانيوس ورقة بحثية بعنوان “طقس الانضمام للكنيسة القبطية بحسب مخطوطات العصور الوسطى العربية” وقد احتوت تلك المحاضرة افكار غريبة عما تسلمته وعاشته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على مر العصور بخصوص قبول معمودية الطوائف الاخرى وخاصة الكاثوليك مما دفعنا لمناقشة طرح الانبا ابيفانيوس من خلال تاريخ و تعاليم واقوال اباء الكنيسة القبطية في هذة الورقة البحثية.

ولقد كان من الضروري توضيح السياق الذي ألقيت فيه المحاضرة إذ يتضح لنا منه إن ما قدمه الراحل نيافة الأنبا أبيفانيوس في تلك المحاضرة لا يزيد عن عرض لورقة بحثية في مؤتمر علمي تحتمل الصواب والخطأ ولا يمثل كلامه رأي الكنيسة القبطية في هذا الشأن.

ومن هذا المنطلق فهذا الطرح قابل للتحليل والنقد والمراجعة كأي بحث علمي خاصة حينما نعلم يقيناً أن هذا الرأي مخالف لما استقرت علية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على مدار تاريخها فيما يختص بقبول معمودية الكاثوليك.. بل أن هذا الطرح الغريب به الكثير من المغالطات التاريخية والمنطقية والعقيدية كما يفتقد ايضاً إلى أصول الأستناد الصحيح والأستشهاد بالنصوص الأبائية من منظور علم الباترولوجي … وهذا ما سنعرضه ونناقشه بالتفصيل

آباء شمال افريقيا

في مستهل محاضرة الأنبا ابيفانيوس ذكر انه كان هناك رأيان:

رأي متشدد نادى به آباء القرون الأولى من شمال أفريقيا (ق. أغسطينوس, ق. كبريانوس, ق. فيكتوريانوس, العلامة ترتليانوس) يتبنى فكرة اعادة معمودية الهراطقة .

ورأي آخر معتدل تبنته كنيستي الإسكندرية وروما بعدم معمودية الهراطقة… ثم أستكمل المحاضرة بعرض ثلاثة مخطوطات لأباء من الكنيسة الأسكندرية من القرون 11 و 13 و 19 باللغة العربية لتوضيح ذلك.

ويعرف كل من ابتدأ بدراسة أو حتى مجرد الأهتمام بأقوال ونصوص الأباء مدى أهمية شرط القدم في الأستناد لأقوال الأباء … اذ أن الرجوع الى تعاليم الأباء الأوليين يكون دائماً بغرض الرجوع الى والأستناد على – بقدر الأمكان – مصدر التعليم المسيحي الصحيح… فكلما زاد قدم الأباء المستند الى كتاباتهم – بشرط نقاوة سيرتهم و صحة إيمانهم وإتفاق تعليمهم مع إجماع أراء الأباء المعتبرين في عصرهم ومع قوانين المجامع المسكونية- كلما زادت قيمة و أهمية أقوالهم ومصداقية ونقاوة تعاليمهم وبالتالي يتضح لنا المغالطة الأبائية الكبيرة التى وقع فيها نيافة الأسقف حينما قارن ووازن بين رأي استقر عليه آباء شمال افريقيا في القرون الأولى ورأى استقاه – بحسب تحليله وتفسيره الشخصي- من ثلاثة مخطوطات باللغة العربية تعود للقرون 11 و 13 و 19 وهذا من حيث المبدأ

أضف الى ذلك عدم تناول الباحث وجهتي النظر – بحسب إدعاءه – بطريقة متوازنة اذ انه لم يقم بعرض أي من أقوال آباء شمال أفريقيا من الأساس وفي المقابل أسهب في قراءة وعرض المخطوطات الثلاثة الأحدث – بعدة قرون- بشروحات لا تخلوا من ليّ للحقيقة ومن محاولات لتحوير النص وأجتزاءه من سياقه للوصول لأستنتاج (مغلوط) مفاده أن الكنيسة القبطية كانت تقبل معمودية الكاثوليك !!!؟ بل وصف الباحث رأي آباء شمال افريقيا بالمتشدد وأصحاب رأي قبول معمودية الكاثوليك بالمعتدل … وهذا حكم مسبق … واستنتاج دونما أي بحث أو استدلال موضوعي مما يشير إلى انحياز الباحث نحو رأي معين … فهو لا يبحث بحيادية وتجرد بغرض استجلاء الحقيقة… بل ينقب على نصوص غير كاملة ومجتزأة توافق هواه الشخصي لإقناعنا بوجهه نظره الخاصة.

كما وقع نيافته في إشكالية عدم وضوح العرض حيث أكتفى بذكر أن آباء شمال أفريقيا تبنوا فكرة “إعادة معمودية الهراطقة” دون توضيح السياق…. فهو لم يذكر انه دار نقاش في مجمع نيقية عام (325 م) وانتهى بقوانين تلزم بإعادة معمودية الذين تعمدوا على يد الهراطقه (قوانين نيقية أرقام 18 و 19و 33) وتم تأكيد ذلك في مجمع القسطنطينية (381 م). وكذلك لم يوضح أن مجمع نيقية حكم بعدم معمودية الهراطقة أنفسهم إذا تابوا. كيف يتجاهل أسقف بحاثة في الأبائيات توضيح قرارات المجامع المسكونية الثلاثة والتي تمثل أساسيات الأيمان والتي لا يجوز لأي مسيحي مستقيم الأيمان أن يعلم بما يخالفها أو يغير حتى ولو حرف منها!!! فلا يخفى على أي أحد حتى وأن كان مبتدأ في دراسة الأبائيات أن يغفل قيمة وأهمية أعمال المجامع المسكونية الثلاثة لما فيها من تحقيق لشروط إستقاء التعاليم الصحيحة من الأباء بشكل جليّ إذ تجتمع فيها شروط القدم والقرب من أصل التعليم الأيماني المسلم للكنيسة من السيد المسيح له المجد من خلال الرسل والأباء الرسوليين بالإضافة الى تحقق شرط إجماع الأباء سليمي الأيمان معلمو المسكونة العظام بما لاشك فيه. .بل يتضح فيها أيضاً بكل تفصيل السياق الذي تم فية صياغة الحقائق الأيمانية والأساسيات العقائدية … فكيف يمر الأسقف الباحث مرور الكرام على رأي آباء شمال أفريقيا دون تقديم ولو حتى نص واحد لهم وكيف لا يعرض رأي أباء الكنيسة القبطية (كنيسة الأسكندية) المعاصرون لأباء شمال أفريقيا حتى تكون المقارنة في نفس الأطار الزمني وفي نفس سياق الأحداث وفي نفس المرحلة الفكرية من الجدل العقيدي واللاهوتي !!؟

وكيف يتسنى لنا الأقتناع بفكرة قبول الكنيسة القبطية للكاثوليك دون اعادة معموديتهم بالرغم من تعارض تلك المزاعم الواضحة مع قوانين نيقية التي تلزم بإعادة معمودية الذين تعمدوا على يد الهراطقة (وهذا ينطبق على يد من أعتنق تعاليمهم أيضا بلا شك) … مع الأخذ في الأعتبار حرومات كنيسة الأسكندرية لكنيسة روما وللكنيسة الكاثوليكية من بعدها لانحرافها عن الإيمان المستقيم واتباعها تعاليم هرطوقية.

قوانين البابا خريستوذولس
(البطريرك ال 66 – من 1047 الى 1077م)

عرض نيافة الأنبا ابيفانيوس بالتفصيل أجزاء من مخطوط قوانين البابا خريستوذولس (القانون الثاني) فيما يختص بحكم زواج رجل قبطي من إمراءة ملكانية… وقد بدأ عرضه بتوضيح أن المقصود بالملكانيين هم الروم الأرثوذوكس أو الكاثوليك… وفي هذا مغالطة تاريخية لأن المقصود بالملكانيين هم من أتبعوا عقيدة ملوك روما الذين حاولوا فرض عقيدة مجمع خلقدونية على الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية منذ القرن الخامس الميلادي ولكن الكنيسة الكاثوليكية إنشقت عن باقي الكنائس الخلقيدونية في القرن الحادي عشر (1054م) فيما سمي الانشقاق الكبير وذلك بعد أن انحرفت أكثر وأكثر عن الإيمان القويم…. بالتالي تعميم تعريف الملكانيين ليشمل الكاثوليك غير جائز تاريخيا وغير منطقي اذا أن ذلك لم يقصدة البابا خريستوذولس وإلا لذكره صراحة خاصة وانه كان من المعاصرين لأحداث الإنشقاق الكبير.

أتى نصّ القانون الثاني من المخطوط في إطار إشكالية الزواج من الملكانيين وبالتالي فالحكم الوارد بالنص يخص موضوع الزواج …. ولم يتعرض لموضوع المعمودية … فلم يذكر القانون صراحة ما يشير الى “عدم إعادة معمودية الملكانيين … أو النص بقبولها ” بل على العكس نص صراحة بأن لا يعمدوا أولادهم إلا عندنا وفي هذا رفض صريح لمعمودية الملكانيين فإذا فرضنا جدلا أن البابا خريستوذولس كان يقبل معمودية الملكانيين (كما يدعي الباحث) فلماذا رفض صراحة معمودية الأولاد عندهم … هذا غير منطقي على الإطلاق.
وبالرغم من ذلك يقفز الباحث إلى إستنتاج خطير بدون أي دليل قائلا “… وواضح أن البابا خريستوذولس كان يعترف بمعمودية الملكانيين…”

أين هذا الوضوح !!! ومن أين جاء بهذا الحكم العام !!؟
ما هو واضح و جليّ أن المخطوط يعارض هذا الحكم العجيب المنحاز… فإذا كان البابا خريستوذولس يعترف بمعمودية الملكانيين فلماذا رفض تناول الزوجين عند الملكانيين !!؟ ولماذا رفض معمودية أولادهم إلا في كنيستنا !!؟

أضف إلى كل الأخطاء البحثية السابقة عدم اهتمام الباحث بالتدقيق في شرح ملابسات وخلفيات القانون … فلم يوضح لنا نيافته إن كانت تلك المراءة الملكانية منتمية أصلا للكنيسة القبطية وزاغت وانتميت لاحقا إلى الملكانيين ثم تابت ورجعت وأرادت الأرتباط من قبطي أم لا !!؟ هذا إحتمال وارد ولا يمكن استبعاده من حساباتنا … وتلك الخلفية غاية في الأهمية في استيضاح القانون …

لقد كان حرياً بالباحث أن يستوفي بحثه ويستوضح تلك النقطة المحورية بدلاً من التسرع في إطلاق استنتاجات عامة دون أي سند تاريخي أو أي تحليل منطقي للنص.. كيف تيقن نيافته من عدم معمودية الملكانية قبل زواجها في قانون البابا خريستوذولس !؟ … الأكثر منطقية أن إعادة المعمودية تفهم ضمناً من سياق النص (ما لم تكن المراءة متعمدة سابقاً في الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية) الذي حكم بوجوب أن يتزوجا في كنيستنا …. وإن لم يذكر النص ذلك صراحةً من منطلق أن السؤال كان في سياق إشكالية الزواج ليس أكثر.

مخطوط الطب الروحاني

ثم إنتقل الانبا ابيفانيوس للإستشهاد بالقانون رقم (13) من مخطوط الطب الروحاني و هو منسوب للأنبا ميخائيل أسقف مليج وأتريب (منتصف القرن الثالث عشر الميلادي) …والقانون بعنوان “فيمن يجب أن يعمد ثانياً ومن لا يجب تعميده من الهراطقة “.

يسرد القانون أولا قائمة بأسماء الهرطقات التي كانت موجودة إبان مجمع نيقية (في القرن الرابع الميلادي) ويوضح أنه لم يتبقى أحد من أصحاب تلك الهرطقات في وقت كتابة المخطوط (وأعتقد ان ذلك ينطبق على من هم داخل مصر محل إهتمام الأنبا ميخائيل وليس بالضرورة منطبق على كل المسكونة) … وحيث أن الملكانيين لم تشملهم قائمة أسماء الهراطقة الواردة بالمخطوط فمن ثم إستنتج الانبا ابيفانيوس بأن الكاثوليك (بعد إن إعتبرهم سابقاً من الملكانيين) لا ينطبق عليهم ما نصت عليه قوانين (18 و 19 و 33) لمجمع نيقية.

وفي ذلك مغالطة منطقية واضحة وخطأ كبير في مبدأ القياس فعدم وجود الملكانيين (الخلقدونيين) أيام مجمع نيقية لا يعني أنهم ليسوا هراطقة … وإلا فلماذا تكرم الكنيسة القبطية بطل الأيمان القديس البابا ديسقوروس وتؤكد ذلك في طقوسها بأنه “حارب عن الأيمان ضد الهراطقة” (من تسبحة باكر) وبالتأكيد الهراطقة المشار اليهم هنا هم من إتبعوا مجمع خلقدونية. بل والأكثر من ذلك غرابة أنه اذا اتبعنا هذا المبدأ الخاطئ في القياس وقسرنا الهراطقة على من جاء ذكرهم في تلك القائمة فقط فهذا يعني أن كل من ينادي بتعاليم جديدة مخالفه للإيمان الأرثوذوكسي القويم لن يعدوا هراطقة إذ لم يرد ذكرهم في تلك القائمة … وهذا خطأ لا يمكن قبوله جملةً وتفصيلاً.

ثم ينتقل الباحث الى الباب السادس من المخطوط مستشهداً بما جاء “.. أما من علم الروح القدس أن إيمانهم مستقيم أو قريب من الأستقامة وقد أفرقوا نفسهم منا (أي انشقوا عنا) …إما لجهلهم أولجرائتهم …. فلم يلزمنا الاباء بإعادة معموديتهم…” وهنا يستنتج الأسقف الباحث حكم بعدم إعادة معمودية الملكانيين.. ولم يكلف الباحث نفسه أي عناء لتوضيح من هم المقصوديين ب (أفرقوا نفسهم منا) وتلك الجملة تشير الى الذين كانوا معنا (أي أقباط أصلاً وبالتالي معمدين من كهنوت مشرطن صحيح) ثم أفرقوا نفسهم عنا (أي تركوا الكنيسة القبطية بعد أن إنخدعوا وإنجذبوا الى الملكانية) … وبذلك لا يصح أن تعاد معموديتهم لأنهم قد نالوا معمودية صحيحة على الإيمان الأرثوذوكسي القويم وبواسطة كهنوت مشرطن سليم حامل مفاعيل تسلسل وضع اليد الرسولي … وبالتالي فهم يعاملوا معاملة الخاطئ الذي تاب ورجع الى كنيسة ” … ويقبلوا كالذين جحدوا الأيمان بسبب الأضطهاد … فلا تعاد معموديتهم أو كهنوتهم أو ميرونهم” بحسب الباب السادس من المخطوط وهذا يتفق تماماً مع قوانين نيقية. وبذلك وبعد الفحص وتحليل وإستيضاح ما جاء في المخطوط يتضح لنا أن ماجاء في المخطوط يتفق مع قوانين مجمع نيقية والتي تلزم بإعادة معمودية الذين تعمدوا على يد الهراطقه وتحكم بعدم معمودية الهراطقة أنفسهم إذا تابوا ما داموا قد نالوا المعمودية على الإيمان السليم.

مخطوط قاوو

ولتعضيد أفكاره من الناحية الطقسية فقد استعرض الأسقف الراحل ما جاء في مخطوط موجود بكنيسة القديس هرمينا ببلدة قاوو بالشرقية وهو يعود الى عام 1854م ويحتوي المخطوط على ثلاثة نصوص متشابهه.

النصوص الثلاثة منسوبة إلى الأنبا يؤانس (البابا الرابع والتسعون 1484-1524م) ويتحدث النص عن مسألة كاهن ملكي (ملكاني) أراد الدخول إلى اليعقوبية (أي الكنيسة القبطية) … فهل يستمر في خدمة الكهنوت؟ … وماذا يفعل؟ وبحسب المخطوط فإن الإنتقال من الملكانية لليعقوبية مشروط بالآتي:-
(1) أن يصوم صوم الأربعين المقدسة.
(2) وأن يصلي الصلوات المستقرة في البيعة من قبل مجمع الخلاف (أي مجمع خلقدونية) من صلوات القرابين وصلوات الأوقات المحددة شرعاً (أي الأجبية).
(3) يعترف بالأمانة المقدسة الموضوعة عن الآباء ال 318 … ثم بعد ذلك يشترك مع المؤمنين في الصلاة والقربان …ألخ.

وقبل تحليل تفاصيل المخطوط كان من الواجب على الباحث التحقق من صحته إذ هناك العديد من الملاحظات التي تشير لإحتمال كونه مخطوط منحول ومنها:
– المخطوط كتب في فترة محاولة إختراق الفكر الكاثوليكي للمجتمع القبطي عن طريق الأرساليات … ومعروف تمكنهم من نحل العديد من المخطوطات في ذلك العصر وذلك بإعادة نسخها مع إضافة أو حذف بعض الجمل أو الفقرات خلال النص حتى يتغلغل الفكر الكاثوليكي من خلال المخطوط المنحول مشوهاً التعليم الصحيح الذي كان في المخطوط الأصلي..وكشف هذا التزوير الذي تم في ذلك الوقت عملية شاقة للغاية تقتضي تجميع عدد كبير من النسخ ومقارنتها ومراجعة لغتها ومصدرها وحتي نوع الورق والحبر .. وقد أشتهر العالم الناسك والراهب الزاهد المتنيح القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي الكبير بجهودة المضنية وجهاد القديسين وصبرهم في تنقيح العديد من المخطوطات في ذلك العصر.. وبالرغم من ذلك لم يقدم الانبا أبيفانيوس أي جهد بحثي للتحقق من أصلية المخطوط وسلامته.

– يوجد تكرار غير مبرر ..نجد أن المخطوط يحتوي على ثلاث نصوص متشابهة الى حد كبير ولم يوضح لنا الباحث سبب ذلك ومصدره!!! وما إذا كانت الفروق بين النصوص هي نتاج لأخطاء النسخ أم هي متعمدة لتحوير النص وتشويهه!!!

– النص الثاني يذكر (منفرداً) ” أجلسه قدام المذبح …ثم يصلى علية أوشية المرضى ويقرأ عليه التحاليل الثلاثة … ويرشم بالأنجيل وبوعاء الميرون بكمالها وهي مختومة بختمها …” هذه ممارسة طقسية لا مثيل لها في أي من طقوس الكنيسة القبطية بل هي أقرب للطقوس الكاثوليكية!!!

– المخطوط يوضح ان القادم من الملكانية يصلى علية صلاة المرضى … أي أن ايمانة مريض فكيف تقبل معموديته الملكانية التي هي على أساس إيماني مريض !!!

ثم يختم الأنبا أبيفانيوس قائلاً “… تجمع القوانين على عدم إعادة معمودية الملكانيين والنساطرة …”

ونتساءل نحن .. كيف تقبل كنيستنا أولئك الذين لا يؤمنوا بالتجسد؟ … ولا بمساواة الثالوث؟ … وفي هذا تناقض واضح مع قوانين المجامع المسكونية الثلاثة وتعاليم الرسل..

لم يفسر لنا الباحث تعارض طرحه الغريب مع قوانين الرُّسُل المأخوذة عن النسخ القبطيَّة (التي نشرها مؤخراً زميله الراهب أثناسيوس المقاري ضمن موسوعة مصادر طقوس الكنيسة) وقد تُرجمت هذه القوانين من اليونانيَّة إلى اللاتينيَّة نحو ﻧﻬاية القرن الرَّابع الميلادي، أو بعد ذلك بقليل. وقد حُفظ ما تبقَّى من هذه التَّرجمة اللاتينيَّة في رقوق قديمة في مكتبة فيرونا. وقد نشرها سنة ١٩٠٠ م العالم هولر(.M. E. Hauler) أمَّا نصُّ قوانين الرُّسُل في تقليد الكنيسة القبطيَّة في ترجمتها العربيَّة فقد ُ طبعت طبعة علميَّة، ونشرها كلٌّ من العاَلمين يوحنا بيريير سنة ١٩١١ م وأغسطينوس بيريير مع ترجمة فرنسيَّة لها في الجزء الثَّامن من “Patrologia Orientalis “ مجموعة ”الآباء الشَّرقييِّن. وفي هذه التَّرجمة، تمَّ تحقيق نص القوانين من ثمانية مخطوطات منتشرة في مكتبات باريس ولندن وروما. ثمَّ ُأعيدت هذه الطَّبعة للمرَّة الثَّانية ( ونُشرت في بلجيكا سنة ١٩٧١ م).

عزيزي القارئ أقرا بنفسك القوانين التالية من قوانين الرسل القبطية المحققة كما سبق ذكره لتتيقن كيف أن الكنيسة القبطية لم ولن تقبل أي معمودية أو حتى أي صلاة طقسية على أساس عقيدي غير سليم

القانون ٤٥ : “أسُقف أو قس أو شمَّاس يُصلِّي مع مشاققين فقط ، فليُفرز. وإن كان أمَرهم أن يفعلوا مثل كهنة، فليُحَط“.

القانون ٤٧ : “أسُقف أو قس لم يُعمِّد المعموديَّة التي على حق، غير المدنَّسة، التي من الكفرة، فليُحَط مثل هازئ للصَّليب الذي لموت الرَّب، غير فاحص الكهنوت (أنه) كهنوت زور“

القانون ٤٨ : ”أيُّ شعبي طلَّق امرأته وأخذ أُخرى من آخر ، مطلَّقة، فليُفرَز “.

القانون ٤٩ : ”أيُّ ُأسُقف أو قس لم يعمِّد على ترتيب الرَّب، الآب والابن والرُّوح الُقدُس، ليس ثلاثة آباء، ولا ثلاثة بنين، ولا ثلاثة معزين، (فليسقط)“

القانون ٥٠ : ”أيُّ ُأسُقف أو قس لم يعمِّد ثلاثة معموديَّات ( ”ثلثة غطسات“ ) دالة على واحدة، بل لمعموديَّة لموت الرَّب معطي فليُحَط. لأنَّ ربَّنا لم يُقل عمِّدوا الموتى، بل امضوا تلمذوا كلَّ الأمم، وعمِّدوهم باسم الآب والابن والرُّوح الُقدُس.

كلمة في الختام

لم يقدم لنا نيافتة أي وقائع تاريخية تثبت إدعائه بأن كنيستنا القبطية كانت تقبل معمودية الكاثوليك وتقبل كهنوت الكاثوليك …ألخ (كما يدعي).. وكيف يفسر لنا الأسقف الباحث (ومن يشاركه الرأي) تعارض ما يدعيه من عدم إعادة المعمودية ولا الكهنوت للكاثوليك إذا أرادو الأنضمام للكنيسة القبطية الأرثوذوكسية مع القصتين التاليتين من تاريخ كنيستنا المجيد

فقد قام البابا الكسندروس (البطريرك ال 43 من عام 704-729م) بإعادة معمودية مجموعة من القوم المخالفين (غايانيون وشمطيكيون) بعد أن أزال مقالتهم النجسة ورجعوا للأيمان المستقيم وعمدهم بأسم الآب والأبن والروح القدس فأضاء عليهم نور المعمودية وعمد أيضاً رهبان من الغايانيون والبرسنوفيون عند دحضهم الخلاف (تاريخ البطاركة).

أما البابا مرقص (البطريرك ال 49 من عام 799-819م) فقد إعاد سيامة ( أي وضع اليد) اثنان من البرسنوفيين الهراطقة (جرجة رئيس أساقفتهم وابنة إبراهيم وهو كان أسقف برسنوفي) بعد أن تابوا مستغفرين عن ذنوبهم بعد أن تيقن من قوة أمانتهما ورجوعهما إلى الأمانة الأرثوذكسية. وقد كان أوضح لهم عدم اعتراف الكنيسة برتبهم الكهنوتية السابقة قائلاً لهما:
“…وأنتما الآن فلا تظنا أنكما تقيمان هذا الطقس الذي أنتما فيه مما أخذتماه من هذة الملة المخالفة (يقصد البرسنوفية) بغير وسم حسب ما في القوانين ولم تحل عليكما روح القدس الهابطة على الآباء الأساقفة…. ” بل.وأعاد تدشين الحجارة (أي أعاد تدشين الكنيسة التى كانت للبرسنوفيين)

ألا تعد الكاثوليكية ملة مخالفة للمعتقد القبطي وللأمانة الأرثوذكسية!
إذا قبلنا (جدلاً) معمودية الكاثوليك لأنها بأسم الآب والأبن والروح القدس كما يظن البعض … فهل يتفقوا معنا تماماً عقائدياً فيما يختص بالثالوث!
وكيف ذلك وهم يعتقدون بإنبثاق الروح من الآب والأبن!؟ وكيف ذلك وهم يختلفون معنا في طبيعة المسيح (أقنوم الأبن) بعد الأتحاد! وكيف نقبل معمودية تمت على يد كاهن كاثوليكي حرمت كنيستنا أسلافة من الأكليروس فافتقد لتسلسل وضع الأيدي الرسولي السليم وبالتالي فهو فاقد لشرعيته من وجهة نظر كنيستنا (بحسب قوانين الرُّسُل في تقليد الكنيسة القبطيَّة).

وهل طرح نيافة الأسقف الراحل بقبول معمودية الكاثوليك دونما إتفاق إيماني يقود إلى الوحدة المنشودة !!؟ أشك في ذلك فإذا تم تطبيق ذلك سينتهي بنا الحال الى وقف المحاولات للتقارب الفكري وللأتفاق العقيدي وسوف تضيع كل الجهود السابقة والحوارات اللاهوتية هباءً .. بل والأكثر من ذلك سيفتقد الشعب لقيمة العقيدة والأيمان المسلم مرة للقديسين الذي سفك أباءنا دمائهم رخيصة من أجله … ومن ثم تهون العقائد وتصبح الطقوس والعبادة شكلية بلا روح… بل سيفتح ذلك الباب على مصراعيه للإتحادات متوالية مع باقي الطوائف حتى من هم خارج الكنائس التقليدية … وحتى المتطرف الشاذ من الطوائف …. فيصير الجميع لاطائفي … ومن ثم لاديني … ومن ثم ……..ومن ثم ….

عزيزي …. لم أقصد بهذه الدراسة مهاجمة أحد …. ولا التسفيه من رأي أحد …. ولا التحزب لأحد …. ولا إظهار عدم محبتنا للأخر … بل توضيح معتقد كنيستنا السليم … مستنداً على فكر آبائي واضح جداً وجلي لمن أراد أن يعرف الحق بأمانة … متجرداً من أي هوى.
ولإلهنا المجد دائماً.

عن مجلة اليقظة القبطية الأرثوذكسية

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى