أبونا أنجيلوس جرجس يرد على من ينكر وجود الفن القبطي!
أبونا أنجيلوس جرجس ردًا على من ينكر وجود الفن القبطي:
أنا بأحذر كل الذين يريدوا أن يطمسوا الهوية القبطية.. هيهات!
حاولوا يهدوا كنايسنا مقدروش، حاولوا يغيروا هويتنا مقدروش!
هايجي بقى شوية جمعيات وشوية هيئات تغير الهوية بتاعتنا!!
+ الحلقة اللي فاتت كلمتكم عن محاولات مسح الهوية القبطية، وقولت لحضراتكم إننا بنرصد الفترة دى، أكثر من هيئة وأكثر من جهة، بتحاول إنها تقول: إن مافيش حاجة اسمها حضارة قبطية على كل المستويات، في المرة اللي فاتت كلمتكم في صورة الدكتورة اللي قالت إن مافيش كنائس أصلاً اتبنت في مصر، قبل القرن السابع اللي هو عند دخول العرب مصر!
اقرأ أيضًا: أبونا أنجيلوس جرجس يرد بقوة على مؤتمر التراث العربي المسيحي
+ النهاردة هاكلمكم عن الأخت التانية برضو اللي قالت: مافيش حاجة إسمها فن قبطي! الحقيقة أنا مش قادر أتخيل هل هم متخيلين إن لما يقولوا الكلام ده يقدروا ببساطة شديدة يمحوا هوية شعب وحضارة وكنيسة عريقة زي كنيستنا!! يعني لما يدخلوا كده ويلاقوا في الكنائس في فن قبطي وأيقونات قبطية، يقولوا أيه عليها؟ بجانب إن الفن عموما ده مدارس، وهاكلمكم عنه كمان شوية.
+ لكن أنا بس عاوز عشان نكون محددين النهاردة: يعنى إيه الفترة القبطية؟ اللي جمعت فيها كنيستنا ومجتمعنا وحضارتنا اللي أخذنها من إجدادنا، ثم كانت حلقة وصل اللي بيها قدر شامبليون لما إكتشف حجر رشيد، معرفش يفك الحروف والهجاية بتاعة الأجداد إلا لما إتعلم قبطي، اللي هو حضارتنا القبطية، الفترة القبطية عمومًا اللي فيها بقى فن قبطي ولغة قبطية، واللي فيها حضارة قبطية واللي فيها علماء أقباط.
+ إيه كلمة قبطي؟ طبعا قبطي إنتو عارفين إنها أصلا كان يطلق على مصر أقباط “إيجبت”، ودي متاخده من “هاكوبتاح” يعنى (أرض الإله بتاح)، والإغريق هم أول ناس قالوا علينا “إيجيبت” اللي منها “ايجيبت”، لكن التاريخ يبتدي يتكلم عن المرحلة القبطية من أول تاريخ البطالمة عندنا، إشمعنا بقى؟ ودي نقطة مهمة، كتبتها في مقالات وكتبتها في كتاب نزل قريب، الفراعنة: كلمة “فرعون” دي كلمة من جزئين (فر) و (عو) ومعناها البيت الكبير، بيت الحكم، زي البيت الأبيض في أمريكا مثلا كده.
+ فكلمة فراعنة إذن الذين كانوا يحكموا المصريين، مصريين ولكن البيت الكبير الفراعنة، عشان كده عيلة الفرعون هي العيلة اللي كانت بتحكم، الفرعون وولاده وأقاربه، لكن المصريين مصريين عاديين، لحد ما إنتهى حكم الفراعنة الهوية القبطية، ودخلت مصر في حكم الإسكندر الأكبر وبعدها البطالمة وبعدها الرومان ثم العرب.
+ من أول بقى نهاية حكم الفراعنة إبتدأ يتقال دي مرحلة الأقباط، اللي هو إيه بقى؟ شعب مصر أو الشعب القبطي إيجيبت شعب مصر اللي بقى بُيحكم عن طريق ملوك آخرين اللي هم بطالمة وبعد كدة رومان وبعد كدة العرب، بس العرب ليه ماتقلش عليهم، إتقال نهاية الحقبة القبطية، لأن العرب جم ومعاهم أجناس عربية إتوطنوا، فبقى في مصر نوعين من الأجناس: أقباط اللي هم إحنا، وعرب، حصل تزاوج وحصل ذوبان، لكن ظل المسيحي القبطي هو الذي يحمل الجينات المصرية النقية منذ القدم!
+ عشان كده بقى الحقبة اللي هي ٦٠٠ سنة دي اسمها حقبة الأقباط، اللي فيها إيه بقى؟ اللي فيها القرن الأول دخلت العائلة المقدسة، ودخل مارمرقس، وإتعملت مدرسة الاسكندرية القبطية اللاهوتية الأكاديمية العالية، اللي علمت العالم كله بقى واللي منها وقف أباءنا العظام الأقباط البطاركة قدام هرطقات زي أريوس وزي نسطور وزي مقدونيوس، وشوفنا اللي منكم متابع برنامج كنيستي، إن الكنيسة القبطية قدرت إنها تقدم المسيحية في مواجهة فكر فلسفي.
+ أنا قلت بس دي مقدمة عشان نفهم حاجة مهمة، إن مرحلة الأقباط لا يمكن أن تمحى، تاريخًا وفكرًا وهوية، لأنها هي التي بها نستطيع أن نستنشق ما سلمنا أباؤنا من حضارة استمرت عبر الأقباط، وإستمرت يعني إيه بقى؟ يعني طريقة الحياة ، حتى المسيحية لما دخلت عمدت الحضارة المصرية القديمة، الآباء بتوعنا القدام، اللي كان عندهم إيمان بالإله الواحد، وكان عندهم روحانية خاصة، شعروا إن في المسيحية وجدوا أعماق تانية، وأصبحت المسيحية القبطية لها عمق قوي نتيجة الحضارة المصرية القديمة اللي صارت مسيحية وصار الشعب القبطي ينقي الفكر من الشوائب الوثنية ومن الشوائب الرمزية ومن الشوائب اللي يمكن إنها تسيء إلى الإيمان، ويبقى الإيمان المسيحي هو القائم الأعلى!
+ نيجي بقى على الأخت اللي قالت مفيش فن إسمه فن قبطي يعنى، الفن عمومًا هو صورة تعبير عن حضارة وفكر ومشاعر معينة، بيلجأ لها الفنان للتعبير بالخطوط والألوان، الفن المصري القديم هو أول فن تعبيري للبشرية كله، زي ما ٤٢٠٠ سنة قبل الميلاد العالم العظيم توت وجد وإخترع الأبجدية عن طريق تصوير بعض الصور وحطها ودي بترمز لحروف أو بترمز لكلمات، كان موازي لها أيضا بترسم في المعابد وبترسم في البيوت وبترسم أيضًا في المقابر، صور على الجدران بتبين الإيمان، وده الفن المصري القديم، وكان بيستخدم أكاسير معينة، وكان بيتعمل بصورة محددة فيها الشموخ والعظمة، وكان يستخدم ألوان معينة.
+ ثم جه البطالمة ودخلوا، شعب آخر، يوناني بقى، بفلسفة هيللينية بفكر هيلليني، وابتدأ يمتزج الفن المصري القديم بالفن البطلمي، وهانشوف الكلام ده في وجوه الفيوم، اللي بيرجع تاريخها لسنة تسعين ميلادية أو مائة وشوية، وكان وقتها المسيحية أبتدأت تنتشر، فمبقاش في تحنيط للأجساد، لكن بقى لسه بيرسموا على التوابيت أشكال المتوفيين، مبقاش فيه تحنيط بقى خلاص، المسيحية دخلت واتشالت فكرة الخلود بالمومياوات.
+ ثم بعد كده دخل الرومان ومعاهم بعض أشكال من الفنون الأوربية اللي بيها بقى بعد كده إسمه الفن البيزنطي بعد كده، والفن البيزنطي إنتشر في القرن الرابع لما قسطنطين إبتدأ يعمل كنايس وعمل كنايس وجاب فنانين ترسم، فبقى فيه فن إسمه فن بيزنطي، يتميز إيه الفن البيزنطي ده؟ يتميز بالملامح الحادة ويحط على القديسين تيجان، تاج، ويتميز بصور عامة عادية، الفن فيما بعد بقى عصر النهضة القرن الـ١٣.
+ عندك بقى من القرن الرابع للقرن السابع الفن القبطي، اللي هو إيه بقى؟ اللي هو كانت الكنائس في القرن الأول والثاني كانت بتزين بالرموز المسيحية، الأقباط كانوا إتعودوا فكرة الرمز من أجدادنا، الشمس رمز، النيل رمز، فأخذوا رموز مسيحية وبقوا يعملوها زخرفة على الكنايس، عنقود العنب الكرم زي ما السيد المسيح ما قال، القمح، السمكة، الطاووس، الطائر اللي اسمه الفينيق اللي مابيموتش، كلها رموز كانت بتتحط في الكنايس في القرن الثاني، والثالث أبتدأ يترسم بعض الرسومات الموجودة؛ المسيح الراعي، طبعا والصليب كان موجود الأول.
+ من القرن الرابع بقت فيه أديرة، وإبتدأت الكنايس تبنى عن طريق الرومان في مصر، الملكة هيلانة جت بتبني وجت معاها الثقافة بتاعتها، بس جت الثقافة بتاعتها لكن مين اللي نفذ بقى الكلام ده؟ المصريين فأبتدأ المصريين يرسموا في الكنايس وفي الأديرة رسومات قديسين نقلا عن الطريقة اللي عملها قسطنطين في الكنايس بتاعته في القسطنطينية بقت بيزنطة بعد كده، وفي آسيا الصغرى.
+ فابتدأ من هنا في حاجة إسمها الفن القبطي، إيه هو الفن القبطي بقى؟ مزيج بين الفن المصري القديم، اللي هو فن أجدادنا، ودخلت فيه عناصر بطلمية، وعناصر بيزنطية، لكن ظل الفن القبطي له ما يميزه، اللي لما نشوفه نقول إنه فن قبطي، اللي هو إيه بقى: أولا: العين الواسعة علامة إن العيون ترى أمور روحية ، اليدين الكبيرة علامة إن الإيد دي مرفوعة للصلاة، الجزع أقل شوية، والرأس أكبر شوية.
+ ومن ضمن ما يميز الفن القبطي مطلقًا، إن القديسين بيتحط عليهم هالة مش تيجان، وعلى السيد المسيح يتحط هالة ويتكتب إيسوس بخرستوس، ربنا يسوع المسيح على الهالة، لكن موازي بقى لفن الكاتدرائيات والرسومات، كان فيه فن آخر في الأديرة، فن بسيط، اترسم بإيد رهبان، اللي هو انهارده بقى هو الكنز الكبير اللي به بنشوف الفن القبطي، ليه هانشوف كمان شوية، لكن فضل بقى في الأديرة رهبان بساط بيرسموا على الجدران، قصص من الكتاب المقدس، وصور قديسين وصور شهداء.
+ عندنا في القرن السادس صورة محطوطة في متحف اللوفر، اللي هو قديس آبا مينا والسيد المسيح، ومش مارمينا، آبا مينا ده كان اب الرهبنة في دير في سقارة، دير أنبا ارميا في سقارة، وبعض الأيقونات في دير باويط، وأيقونات كتيرة في السريان، وكتير في البراموس، وأيقونات كتيرة بقى على مدار كل الأديرة، احنا الكنيسة بتاعتنا كانت فيها آلاف الأديرة، من إسكندريه لأسوان، دي كلها كانت بتترسم، مين بيرسمها؟ رهبان، ده إسمه الفن القبطي الرهباني بقى، اللي هو إيه؟ مفيش زخرفة، الخطوط حادة.
+ لكن اللي يمييز الفن القبطي اللي في الكنايس واللي يمييز الفن القبطي في الأديرة أن الوجوه مشرقة، وإن الألوان أكاسيد وألوان متخدة من نفس ألوان أجدادنا الفراعنة، ده إسمه فن إيه بقى؟ قبطي، دخلت فيه عناصر بيزنطية؟ أيوه، زي كل الفنون تعالوا بقى نشوف مثلا الفن مثلا بتاع عصر النهضة، بتاع ١٣، ١٤، إتأثر بفنون قديمة لكن أضاف عنصر أصبح ده السمة بتاعته، اللي هو إيه؟ عنصر الحركة، بقى لما تلاقوا فنانين النهضة الصور بتاعتهم فيها حركة.
بعد منه جه عصر “الباروك”، باروك ده فن مليان بالتفاصيل والزخرفة العالية جدا والتعبيرات الحيوية، بعد منه فن “الركوكوه”، فن أصلا ركوكوه كلمة فرنساوية معناها (الصدفة أو القوقعة)، لانه إمتداد من فن الباروك وده ظهر في القرن ال ١٨، وكان بيهتم بتفاصيل دقيقة جدًا وزخارف عالية جدا، وإختفى بعد الثورة الفرنسية، وهو كان بيهتم أوي أنه يعمل متعة بصرية، خلي بالكم، مش معنى هذا إنه هدمالفن اللي فات، لكن كون إن فيه عنصر جديد أدخل لهذا الفن يتسمى به، عشان كده الفن القبطي آه واخد من فنون تانيه، لكن فيه عنصر يميزه اللي خلاه اسمه فن قبطي.
+ في بعد كده جه ١٩١٠، الفن التجريدي، ده الفن بقى اللي هو يعبر عن الأشياء عن الجوهر مش الشكل، اللي طلع منه بعد كده طلع التكعيبي وطلع السريالي وطلعت الفنون التانية.
+ إذن الفن القبطي بقى فن له ملامح، محدش يقولى آه بس إتأثر بكده، أقولكم كل الفنون بتتأثر ببعض، لكن إحنا عندنا بجانب الفن اللي هو الأيقونات، الفن بتاعنا القبطي مكنش أيقونات بس.
+ نحن نملك أعظم حضارة منسوجات، لحد انهارده إسمه (القبطي) نسبة للأقباط، المنسوجة بتاعتنا كانت هى نمرة واحد في العالم كله، ومش منسوجة معناها نسيج عادي، لا، ده فنون بتترسم بالنسيج، لدرجة إن لما العرب دخلوا مصر وانبهروا بفن القباطي ده بقت الكعبة بيفرضوا على الأقباط انهم يعملوا الكسوة بتاعة الكعبة وكانت بيروحوا يكسوا بيها الكعبة، وفضل لحد وقت قريب الأقباط كانوا بيعملوها على فكرة، ولما العثمانيين إحتلوا مصر، أخذوا فنانين أقباط في المنسوجات عشان يعلموهم، متاحف العالم كلهمليانة بالمنسوجات والفنون بتاعتنا.
+ مش بس كده، المباني بتاعتنا، احنا ورثنا حضارة المباني من أجدادنا، في مبانينا، لما بتروحوا كنايس ويقولوا لكم المرشدين زي مثلا أبو سرجة، زي المعلقة، يقولوا دي مبنية على الطراز البازيليكي، أقولك أيوه مظبوط، الطراز البازليكي ده أصلا طراز يوناني، وكان بيتبني به المعابد، وأماكن الحكم والقصور العالية، لكن تستغربوا بقى إنه إتنقل من مصر لليونان سنة ٢٥٦، أول مبنى إتبنى في اليونان على الطراز البازليكي إتاخد من مصر، في عصر بسمتيك الأول.
+ ده مش كلامى، ده كلام “سترابو” المؤرخ الشهير الإغريقي يقول إنه: الإغريق بنوا معابد لهيرا وأبوللو وافردويت على نفس الطراز الفرعوني وهو صفين أعمدة والمدخل علوي واليمين والشمال وطيين شويتين ثم قدس الأقداس، ده سترابو المؤرخ الإغريقي المشهور أوي.
+ إذن مش بس الفن ده ،الموسيقى كمان موسيقى قبطية، الموسيقى بتاعتنا الكنسية أغلبها متاخد من موسيقى من أجدادنا القدماء المصريين!
+ إذن الفن مش بس أيقونة، وإن كنت إتكلمت عن الأيقونة، لكن الفن هو كل الطرق اللي بيها عبرت بيها إجدادنا في الست قرون عن حضارة كانوا مستلمنها مو أجدادهم، سواء مباني، سواء موسيقى، سواء منسوجات، سواء الحاجات الفخارية بتاعتنا، إحنا كنا مميزين بالخزف، المصري القديم مميز بالخزف، والقبطي مميز بالخزف أيضا.
+ ده كله بقى مايجيش حد لا دارس ولا فاهم ولا كلف نفسه ان هو يقرأ شويتين عن حضارتنا القبطية، ويقول أصل مفيش حاجة إسمها فن قبطي، وهأعيد مرة تانية وأقول: أنا بأحذر كل الذين يريدوا أن يطمسوا الهوية القبطية .. هيهات، ليه بقى؟ ١٤ قرن كان فيها العرب يحكمونا، حاولوا يزيلوا اللغة القبطية مقدروش، حاولوا يهدوا كنايسنا مقدروش، حاولوا يغيروا هويتنا مقدروش، هايجي بقى شوية جمعيات وشوية هيئات تغير الهوية بتاعتنا!!
+ الهوية القبطية هوية عميقة، لأنها ليست فقط حضارة بشرية ولكنها حضارة إمتزجت بروحانية وإمتزجت أيضا بقوة كنسية!
أبونا أنجيلوس جرجس
برنامج “حوار مع أبي”
16 أكتوبر 2019م
