الإيمانالشجرة المغروسةبدع حديثةموضوعات مسيحية

ردود البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص على البدع الحديثة

 

قام الكثير من الآباء السريان الأرثوذكس من القدامى والمحدثين بالرد على كثير من البدع الحديثة التي بدأت تنتشر في عصرنا الحاضر، وهذه البدع رغم حداثتها ظاهريًا إلا أن معظمها في الواقع مجرد بدع قديمة ترتدي ثوب حديث، ونقوم في موقع الشجرة المغروسة بعرض ردود هؤلاء الآباء على هذه البدع، وفي هذه القائمة نعرض آراء لقداسة البطريرك المتنيح مار إغناطيوس زكا الأول عيواص في مواجهة بعض هذه البدع، وسوف نقوم بتحديث هذه القائمة باستمرار.. لذا فهي قائمة متجددة.

الرد على بدعة عدم وراثة الخطيئة الاصلية

سقوط الإنسان في الخطية:
ووضع اللّه الإنسان في جنة عدن ليعملها (تك 2: 15) وإذ خلقه تعالى ذا إرادة حرّة، أمره، تمريناً له على طاعته، ألاّ يأكل من ثمرة شجرة معرفة الخير والشر وحدها في الوقت الذي أطلق له الحرية التامة بالأكل من جميع أشجار الجنة. ووعده بالحياة إن أطاعه، وتوعّده بالموت إن هو عصاه. وخالف الإنسان أمر اللّه (تك 2: 17) وذلك بغواية إبليس، فطرد من الجنة (تك 3: 23) وهوى ساقطاً من حال البر والقداسة إلى درك المعصية، وفقد الشركة مع اللّه، وخسر حياة النعمة.

وبهذا الصدد يقول بعض آباء الكنيسة: لو لم يخطئ الإنسان لرفعه اللّه هو ونسله من الفردوس إلى ملكوته السماوي، ليحلّوا محل الملائكة الساقطين، ويرثوا رتبتهم أي ملكهم، ولكن إذ أخطأ الإنسان رزح تحت نير إبليس وصار أسيراً للخطية، محكوماً عليه بالموت، وشاب طبيعته الفساد. وصار ميالاً إلى الشر (إف 2: 1 ـ 3 وتي 3: 3) وابتُلي بآلام الجسد من جوع وعطش ومرض، وبأتعاب النفس من تعذيب الضمير والخوف وتشويش الفكر والقلق والاضطراب. هكذا شوّهت الخطية صورة اللّه تعالى في الإنسان. وحكم اللّه على الرجل بأن يأكل خبزه بعرق جبينه، وعلى المرأة بأن تلد الأولاد بالأوجاع والآلام (تك 3: 16) ولكن اللّه الرحيم، أبقى للإنسان حرية الاختيار أي حرية الإرادة، حتى بعد سقوطه بالخطية، ولم يسمح لإبليس أي يتسلّط عليه قسراً، وألاّ يُقدم على تجربته، بدون سماح من اللّه تعالى، ذلك لأن الإنسان قد أخطأ مخدوعاً بغواية إبليس الذي حسده على برّه وطهره وقداسته، وحياة النعمة التي نالها من اللّه، والشركة معه تعالى. فأوقعه إبليس في الخطية ليسقط من المرتبة السامية التي كان عليها وليثير غضب اللّه عليه فيتجرّد من النعمة الإلهية.

وعمّت خطية آدم جميع نسله، لأنّهم ولدوا من بعد سقوطه بالخطية، ولذلك سميت بالخطية الجدية. وبهذا الصدد يقول الرسول بولس: «بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع»(رو 5: 12) ذلك أن آدم عندما جُرِّب في الفردوس كان ينوب عن ذريته التي كانت في صلبه، وكان في معرض الربح كما كان في معرض الخسارة، فلمّا سقط في الخطية وحكم عليه بالموت، شملت خطيته الجنس البشري كافة، وسميت بالخطية الجدية. كما دعيت بالخطية الأصلية، لأنها الخطية الأولى التي اقترفها الإنسان، بل هي أصل كل الخطايا وعنها تفرّعت سائر الخطايا التي يرتكبها بنو البشر بإرادتهم الحرة (رو 5: 12 ـ 19). وبهذا المعنى قال الرسول بولس: «الجميع زاغوا وفسدوا معاً ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد» (رو 3: 12). وقال صاحب المزامير: «قال الجاهل في قلبه ليس إله فسدوا ورجسوا بأفعالهم ليس من يعمل صلاحاً، الرب من السماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب اللّه، الكل قد زاغوا وفسدوا ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد» (مز 14: 1 ـ 3).

اقرأ أيضًا: القمص أنجيلوس جرجس يرد على هرطقة رفض وراثة الخطية الجدية

الرد على بدعة إنكار الموت النيابي والبدلية العقابية

حيث أن الخطية الجدية غير متناهية لتوجيهها مباشرة إلى اللّه غير المتناهي، لذلك اقتضى للكفارة عنها فدية غير متناهية، تكون معادلة للّه غير المتناهي، ومساوية للإنسان الخاطئ، في الوقت نفسه، وألاّ يكون محكوماً عليها بالموت مثله، بل أن تكون بلا خطية، أي معصومة من الخطية. وأن تكون نائبة عن البشر وقادرة على بعث الحياة الروحية فيهم. لذلك لم يكن بالإمكان إتمام هذه الشروط إلاّ بأن يتّخذ اللّه طبيعة الإنسان ليكون بديلاً عن الإنسان، فيفدي الإنسان بالجسد. ولكي يوفّق بين عدل اللّه ورحمته: ذلك أن اللّه تعالى عادل، وعدله يقتضي عقاب الإنسان الخاطئ لتعدّيه على شريعة اللّه، وفي الوقت ذاته، إن اللّه رحيم ومحب للبشر، ورحمته تقتضي أن يسامح الإنسان، ولكي لا يناقض اللّه ذاته، ولا يخالف إحدى صفاته الإلهية، اقتضى أن يتجسّد ابنه الوحيد، رحمة منه بالبشر، ليفي العدل الإلهي حقه.

وكان من غير الممكن أن يكون الفادي مجرّد إنسان أو ملاك أو خليقة أخرى لأن الإنسان قد أخطأ وليس بإمكانه ن يتشفّع بالخطاة طالما هو مثلهم تحت طائلة العقاب، ولأن الملاك لا يمثّل الإنسان، كما أنه والإنسان وأيّة خليقة أخرى غير معادلين للّه، فلا يصلحون إذن للقيام بعمل الكفارة أبداً.

أما الرب يسوع فهو اللّه الابن، المولود من الآب قبل كل الدهور، وهو في الوقت نفسه قد ولد من العذراء مريم في ملء الزمان. وهو معصوم من الخطية، خالٍ منها «الذي لم يعرف خطية» (2 كو 5: 21) «مجَرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية» (عب 4: 15) ولم يرتكب خطية واحدة في حياته بالجسد، وقد تحدّى مرة أعداءه وأعلن لأتباعه قائلاً: «من منكم يبكّتني على خطية»(يو 8: 46) ولم يعترض عليه أحدٌ لقوله هذا. وكان كاملاً في صفاته. لقد كانت فضائله في تكافؤ. فهو الإله المتجسّد الذي شاء أن يكون بديلاً عن الإنسان الخاطئ، فمات كفّارة عنه، ويقول الرسول بولس بهذا الصدد: «المسيح الذي مات… الذي هو أيضاً عن يمين اللّه، والذي أيضاً يشفع فينا» (رو 8: 34) ويقول أيضاً: «يوجد إله واحد، ووسيط واحد بين اللّه والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع» (1 تي 2: 5-6)

وقال يوحنا الرسول: «إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً»(1 يو 2: 2). فلو لم يمت المسيح فدية عن البشر لما صار فادياً لنا وشفيعاً. ولو لم يكن معصوماً من الخطأ لما صار لنا مخلّصاً. لأن الخاطئ لا يستطيع أن يفدي خاطئاً آخر وإن عصمة الرب يسوع مبنيّة على أنّه ليس من زرع بشر بل قد حبلت به العذراء مريم أمه بقوة الروح القدس فهو حقاً «اللّه ظهر في الجسد» (1 تي 3: 16) «وليس بأحد غيره الخلاص لأنه ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص» (أع 2: 12).

اقرأ أيضًا: رد المتنيح نيافة الأنبا بيشوي على من ينكرون عقيدة الموت النيابي!

الرد على بدعة إنكار الوحي الإلهي

إن الكتاب المقدس، الذي بين أيدينا، هو كلام اللّه الحي، الذي أنزله تعالى على ألسنة أناس قديسين، اختارهم ليكونوا وسطاء بينه وبين البشر، فتلقّنوا الوحي منه، وبلّغوه البشر. كما أمرهم أيضاً بأن يدوّنوه في كتاب، ليكون مناراً للهدى، ليس لجيلهم فقط، بل أيضاً لسائر الأجيال والدهور. وفي هذا الصدد كتب الرسول بولس إلى تلميذه تيموثاوس قائلاً: «وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة… كل الكتاب هو موحى به من اللّه ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البّر»(2تي3: 15-16).

ومن المسلَّم به أن أول مَنْ أمره اللّه بتدوين الوحي الإلهي هو النبي موسى الذي عاش قبل الميلاد بنحو ألف وخمسمائة سنة، وكلّمه اللّه فماً لفمٍ (خر19: 14ــ19). وعلى أثر المعجزات الباهرة التي عملها اللّه لخلاص شعب النظام القديم، إذ أطعمهم خبز الملائكة، المنّ النازل من السماء، وأرواهم من ماء فجّره من صخرة، كان تعالى قد أمر موسى قائلاً: «اكتب هذا تذكاراً في الكتاب» (خر17: 14). وجاء في سفر التثنية ما يأتي: «فعندما كمّل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها، أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلاً: خذوا كتاب التوراة هذه ودعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهداً عليكم» (تث21: 24-26).

اشترك بكتابة أسفار الكتاب المقدس، أكثر من أربعين شخصًا، يمثلون نواحي شتى في الحياة، فقد عاشوا في أماكن مختلفة، وفترات زمنية متباينة، فالفترة الزمنية الممتدة ما بين كتابة السفر الأول والسفر الأخير من الكتاب، تقارب الألف وخمسمائة سنة. كما قد تفاوتت درجات ثقافة الكتّاب، ورتبهم الاجتماعية والدينية. وانعكس كل ذلك على أساليب كتاباتهم، ولكنهم خضعوا جميعاً للوحي الإلهي الذي مصدره اللّه تعالى، ولذلك لما جمعت أسفار الكتاب المقدس، بإرشاد الروح القدس، جاءت متكاملة متسلسلة، على الرغم من تعدّدها وتنوع مواضيعها، وكوّنت كتاباً واحداً مقدّساً، بوحدة عجيبة فريدة، وغاية واحدة، هي إعلان اللّه ذاته الإلهية للبشر، وتحديد علاقته بهم ووعده إياهم بإرسال المخلص، وإتمام الوعد الإلهي بتجسد الإله الكلمة الرب يسوع المسيح الذي فدى البشرية بإهراق دمه الثمين، وهو محور الكتاب المقدس من ألفه إلى يائه، ومركز الدائرة فيه، الأمر الذي جعل الرسول يوحنا أن يختم إنجيله بقوله: «وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه»(يو20: 31).

اقرأ أيضًا: أقوى عظة لنيافة الأنبا رافائيل ضد البدع الحديثة!

الرد على بدعة كهنوت المرأة

الكهنوت المسيحي يبتدئ بالسيد المسيح الذي صار اول رئيس كهنة، وقدم نفسه ذبيحة على الصليب. وقد جاء كاهنا على رتبة ملكيصادق وصعد الى السماء الى قدس الاقداس الداخلي وكرئيس كهنة (لم يدخل الى اقداس صنعتها الايدي رموزا للحقيقة بل الى السماء عينها) يظهر الان امام وجه الله لاجلنا (عب9 : 24). فاصبح كاهنا الى الابد كقول الرسول بولس، واما راس الكلام فهو انا لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات (عب8 : 1) وكاهن عظيم على بيت الله (عب10 : 21). وقد منح الله تعالى هذا الكهنوت لتلاميذه الاثني عشر لاقامة كنيسة ارضية.

الكهنوت اسمى من الملك والنبوة واعلى منها شرفا وقدرا، والكتاب المقدس يثبت ذلك:
1- انه اثنى على ملكي صادق اكثر مما اثنى على نمرود واشاد بصموئيل اكثر من شاول.
2- ان الملك والنبوة اعطيا حتى لبعض النساء. فقد اعطى القضاء لدبورة والملك لعثليا والنبوة لمريم ولاربع بنات فيلبس المبشر. اما الكهنوت فلم تحظ به امرأة قط.
إنَّ الرب يسوع المسيح رفع مقام المرأة في شخص العذراء مريم، فقد اختارها لتكون أماً له لعفتها وقداستها فاستحقّت أن يحلّ عليها الروح القدس ويطهّرها وينقيها من الخطيئة ويقدسها. حينذاك حلّ في أحشائها نار اللاهوت ليولد الابن الإلهي منها إلهاً متجسداً، ونحن ندعوها (يلدة ءلؤا) ثيوتوكوس أي والدة الله التي ولدت الإله المتجسّد، فهذه المرأة العذراء أعادت إلى المرأة حواء مقامها الأول الذي فقدته من جرّاء سقوطها في الخطيئة، ومع هذا لم تنل العذراء مريم موهبة الكهنوت المقدس ولئن سمت على الأنبياء والكهنة والشهداء والمعترفين والرسل والمبشرين فهي التي أنبأت الرسل بما جرى لها ومعها بدءاً من بشارة الملاك جبرائيل لها بالحبل الإلهي.

من جملة العادات التي تسلّمناها من آبائنا هي عدم السماح للمرأة من دخول قدس الأقداس، وقد منعت من ذلك حتى الطفلة البريئة التي بعد أن تنال نعمة سر العماد المقدس، لا يسمح أن تزيّح داخل قدس الأقداس كالطفل الذكر.

ويبرر مار يعقوب السروجي (421+) ملفان الكنيسة القديس عادة عدم السماح للمرأة من دخول قدس الأقداس، بأحد ميامره الذي يقول فيه على لسان آدم وهو يعلم أولاده ما معناه «لا أرسل بيد حواء حنطة منقاة تقدمة للرب بلئلا تقدمها إلى مشاورها (الشيطان) ولا أقدّم ذبيحة للرب لأنني لست طاهراً إذ لا يحق للكاهن المطرود أن يقوم بذلك. إن الرِجْل التي سعت ماشيةً إلى شجرة الحياة لا يحق لها أن تطأ الموضع المخصص للأحبار (والكهنة) وإن اليد التي قطفت الثمرة (المحرمة) في فردوس عدن لا يحق لها أن ترفرف فوق القربان الإلهي».

اقرأ أيضًا: لماذا ترفض الكنيسة كهنوت المرأة؟.. مقال رائع للبابا شنودة الثالث

المصادر:
1-بحوث تاريخية دينية ادبية/ لقداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الاول عيواص
2-بحوث لاهوتية تاريخية روحية/ لقداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الاول عيواص
3-الأسرار السبعة / المطران سيويريوس زكا عيواص (البطريرك إغناطيوس كا الاول عيواص) والأب الربان اسحق ساكا (المطران اسحق ساكا)

إعداد: فادي الأسود

 

 

هذه القائمة سيتم تحديثها باستمرار

 

تابع محتوى مختلف ومتنوع في حساب الشجرة المغروسة على إنستجرام

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى