الإيمانالبابا شنودة الثالثلاهوت مقارنموضوعات مسيحية

البابا شنودة الثالث يشرح مفهوم «وساطة الكنيسة» بين الله والناس

وساطة الكنيسة في رأي البروتستانت:

قال القديس بولس عن عمل السيد المسيح الكفاري في الفداء: (يوجد وسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية من أجل الجميع) (1تي5:2). وواضح هنا أن الكلام عن الفداء.

وبنفس المعني قال القديس يوحنا الرسول: (إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الله الآب: يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا العالم كله) (1يو2: 1، 2). وواضح أن الكلام عن الكفارة والشفاعة الكفارية.

إذن الوساطة التي تحدث عنها بولس الرسول خاصة بالفداء.

والشفاعة التي تحدث عنها الرسول خاصة بالكفارة

ولكن أخوتنا البروتستانت يستخدمون هاتين الآيتين استخدامًا واسعًا يخرجهما عن موضوع الكفارة والفداء، إلى إنكار كل ما يعتقدونه وساطة بين الله والناس.

فيعتقدون بعلاقة مباشرة بين الله والناس..

تجعلهم في غير حاجة إلى الكهنوت ووساطة الكنيسة!

هم يعتبرون الكهنوت وساطة، فلا يؤمنون به!!

وكذلك شفاعة القديسين وساطة. فلا يعتقدون بها!

وأيضًا الاعتراف، والتحليل هما من عمل الكهنوت، فلا حاجة لهم بهما، إنها في علاقة مباشرة يعترفون علي الله، ويأخذون المغفرة منه مباشرة..

وحتى بعد الوفاة، لا أهمية في نظرهم للصلاة على الموتى، لأنها شفاعة من الكنيسة فيهم..‍! ولون من الوساطة!

ولنضرب مثلًا آخر بالمعمودية.

الولادة الجديدة التي ننالها في المعمودية (يو3: 5، تي 3، 5)، وكذلك التبرير وغفران الخطايا بالمعمودية (أع 2: 38، 22: 16). يعتقد الإنسان البروتستانتي أنه ينال كل هذا بمجرد إيمانه. ويدخل الأمر إذن في علاقته المباشرة مع الله، ولا حاجة إلى الكهنوت والكنيسة..

كأن المعمودية لا قيمة لها، ولا علاقة لها بموضوع الخلاص!! وكأن السيد المسيح لم يقل (من آمن واعتمد خلص) (مر16:16). مع باقي الآيات التي تربط بين المعمودية والخلاص، مثل (1بط3: 20، 21). (تي5:3).

وهكذا يصل إلى الخلاص اللحظي، أو الخلاص في لحظة!

ولأن المعمودية تتم عن طريق الكهنوت والكنيسة، إذن لا دخل لها في موضوع خلاصه الذي يتوقف في اعتقاده علي مجرد العلاقة المباشرة بينه وبين الله، دون وساطة الكنيسة! أي بإيمانه الشخصي..

الإيمان ووساطة الكنيسة:

وهنا أحب أن أسأل سؤالًا بخصوص هذا الإيمان.

الإيمان الذي يري المسيحي البروتستانتي، أنه ينال به التبرير والتجديد والتبني ومغفرة الخطايا، والخلاص عمومًا‍‍‍‍‍‍‍‍‍…

حتى يقول البعض (كله بالإيمان).

كيف ينال الإنسان الإيمان؟ أليس عن طريق الكنيسة؟

يقول القديس بولس الرسول في شرح عبارة (كل من يدعو باسم الرب يخلص) (رو13:10). (فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟ وكيف يكرزون إن لم يرسلوا؟ (رو10: 14، 15)، إذن لابد من كارز يكون واسطة للإيمان. وهذا الكارز لابد أن ترسله الكنيسة.. إذن الكنيسة هي الوسيط الذي يوصل الإيمان إلى الناس، والإيمان بالله. هوذا بولس الرسول يقول لأهل كورنثوس عن وساطته هو وزميله أبلوس:

(فمن هو بولس؟ ومن هو أبلوس؟ بل خادمان آمنتم بواسطتهما) (كو3: 5).

إذن كان بولس وأبلوس وسيطين، عن طريقهما وصل الإيمان إلى أهل كورنثوس. ونفس الوضع قيل في الإنجيل عن يوحنا المعمدان الكاهن (هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، لكي يؤمن الكل بواسطته) (يو7:1). هذه إذن هي أول وساطة بين الله والناس: توصيل الناس إلي الإيمان بالله..

وإن لم يكن هناك وسطاء بين الله والناس، فماذا كانت إذن وظيفة الأنبياء والرسل والمعلمين؟‍‍‍‍!

هوذا الكتاب يقول عن الرب (وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلًا، والبعض أنبياء والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين) (أف11:4). لماذا؟ ما هو عمل كل هؤلاء، إلا أن يكونوا وسطاء بين الله والناس. ولذلك قال عن عملهم (لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح) (اف12:4). إنهم ينقلون الإيمان إلي الناس..

فهل إن آمنوا يتركونهم؟‍! كلا، بل يعمدونهم؟

وهكذا قال السيد المسيح لرسله القديسين (اذهبوا إلى العالم أجمع. وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص) (مر16: 15، 16). وقال لهم أيضًا (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم. وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم جميع ما أوصيتكم به) (مت28: 19، 20).

المعمودية ووساطة الكنيسة:

وبعمل الكنيسة في الكرازة والتعليم، انتشر الإيمان.

وكانت الكنيسة تعمد كل من يؤمن..

الذين آمنوا في يوم الخمسين من اليهود، عمدهم الرسل وكانوا نحو ثلاثة آلاف (أع2: 37-41). وعمدوا أهل السامرة لما آمنوا) (أع8: 12، 16). والخصي الحبشي لما آمن اعتمد (أع8: 37، 38).. وسجان فيلبي الذي قال له بولس الرسول (آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك) (أع31:16). هذا (اعتمد في الحال، هو والذي له أجمعون) (أع33:16). وكذلك اعتمدت ليديا بائعة الأرجوان هي وأهل بيتها (أع15:16).

إذن كانت الكنيسة واسطة في نشر الإيمان، وفي تعميد المؤمنين وأهلهم..

هل يجرؤ أحد إذن أن يقول -في غير موضوع الكفارة والفداء- لا وسيط بين الله والناس؟ الكنيسة إذن كان من عملها الكرازة ونشر الإيمان. وكان يقومون أيضا بتعميد المؤمنين. والكتاب كان يسميهم أحيانا (سفراء) (2كو20:5). أو (وكلاء الله) (تي7:1). أو (وكلاء سرائر الله) (1كو1:4) وماذا أيضًا؟

عهد الرب إليهم أيضًا بالتعليم، الذي لم يعهد به لكل أحد.

التعليم ووساطة الكنيسة:

بعد أن عهد الرب لتلاميذه بالكرازة والتعميد، قال لهم:

(وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به) (مت20:8).

وهكذا عكف الرسل على (خدمة الكلمة) (أع4:6). الكلمة التي قال عنها القديس يعقوب الرسول (شاء فولدنا بكلمة الحق) (1يع18:1).. الكلمة توصل إلي الإيمان، والإيمان يوصل إلي المعمودية، والمعمودية بها الميلاد الثاني. والأصل هو كلمة التعليم.

وكما قال القديس بولس الرسول عن علاقة المسيح بالكنيسة (لكي يقدسها مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة) (أف26:5). فالكلمة توصل الإيمان، والإيمان يوصل إلي المعمودية وغسل الماء. وهذا الغسل من الخطايا يؤدي إلى التطهير والتقديس.

وكما أن المعمودية والإيمان لهما علاقة بالخلاص (مر6:16). كذلك كلمة التعليم..

هي التي توصل إلي الإيمان والمعمودية، ومن ثم إلي الخلاص. أو توصل إلى التوبة فالخلاص. هكذا قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف (لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك. لأنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا) (1تي16:4).

الولادة من الله:

إذن الكنيسة تلد الناس بالإيمان والمعمودية.

تلدهم بالروح القدس (من الماء والروح) (يو5:3).

تلدهم لله، فيصرون أبناء الله..

وفي هذا المعني يقول القديس بولس الرسول في رسالته إلي فليمون (أطلب إليك من أجل ابني أنسيموس، الذي ولدته في قيودي) (فل10).

وبولس الرسول كان بتولًا وهو هنا يقصد الولادة الروحية لأنسيموس.

وبالمثل يقول لأهل كورنثوس:

(وإن كان لكم ربوات من المرشدين، لكن ليس آباء كثيرون. لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل) (1كو15:4).

للكنيسة عمل آخر غير ولادة أبناء الله، وهو:

منح الروح القدس:

الكنيسة هي الوسيط في منح الروح القدس للمؤمنين المعمدين.

هل يستطيع أحد أن يحيا حياة روحية بدون عمل الروح القدس فيه؟ وإن كان هذا أمرًا حيويا لكل مؤمن، فكيف ينال الروح القدس؟

يقول الكتاب إنه لما علم الرسل أن أهل السامرة قبلوا الإيمان، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا لإعطائهم الروح القدس (حينئذ وضعا الأيادي عليهم، فقبلوا الروح القدس) (أع17:8). وبالمثل حدث لأهل أفسس بعد عمادهم (لما وضع بولس يديه عليهم، حل الروح القدس عليهم) (أع6:19) .

ثم صار منح الروح القدس بالمسحة المقدسة (1يو2: 20، 27).

وكيف ينال المؤمن هذه المسحة؟ بواسطة الكنيسة طبعًا، لأنه لا يمسح نفسه.. هل نقول إذن: لا وسيط؟! لقد نلت الروح القدس عن طريق هذا الوسيط..

والمسحة لها تاريخ طويل في العهد القديم، منذ أن أمر الرب موسى بعملها (دهنًا مقدسًا للمسحة) (خر52:30). ليمسح بها خيمة الاجتماع والمذابح والأواني (ويقدسها فتكون قدس أقداس)، ويمسح بها هرون وبنيه كهنة (خر 30: 25-30، 40: 9-16). وبالمسحة المقدسة مسح صموئيل الملوك فحل عليهم الروح القدس (1 صم 10: 10؛ 16: 13).

وهنا يذكرنا بوساطة أخري للكنيسة، وهي إقامة خدام للرب.

إقامة خدّام الرب:

لا يمكن أن يبني ملكوت الله بدون خدام للرب. والله عهد بهذا الأمر إلى الكنيسة. خذوا مثلًا لذلك في إقامة برنابا وشاول للخدمة. يقول الكتاب (وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس: أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه) (أع2:13).

على الرغم من هذه الدعوة الإلهية إلا أن ذلك كان لا بُد أن يمر من خلال القنوات الشرعية، أعني الكنيسة ووضع اليد..

يقول الكتاب (فصاموا حينئذ وصلوا، ووضعوا عليهما الأيادي وأطلقوهما فهذان إذ أرسلا من الروح القدس انحدرا إلي سلوكية) (أع4:13). فلم يعتبروا مرسلين من الروح القدس، فلا بعد أن نالا وضع اليد من الكنيسة.

نفس الوضع تقريبا نراه بالنسبة إلى تيموثاوس الأسقف.

يقول له القديس بولس الرسول (أذكرك أن تضرم أيضا موهبة الله التي فيك بوضع يدي) (2تي6:1). إنها موهبة من الله. ولكنها تنال بواسطة، وهي وضع اليد من سلطة كهنوتية في الكنيسة.

الرعاية والتوبة في الكنيسة:

ومع أن البروتستانت يؤمنون بوضع اليد في إقامة الخدام -والقياس مع الفارق- إلا أنهم لا يتكلمون عن الكنيسة كوسيط بين الله والناس (مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ) (إنجيل متى 11: 15؛ متى 13: 9، 43؛ إنجيل مرقس 4: 9، 23؛ مرقس 7: 16؛ إنجيل لوقا 8: 8؛ لوقا 14: 35).

هل ترك الله خرافه بدون رعاة؟! كلا.

يقول الرسول: واحترزوا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه) (أع 28:20).

أقامهم الله للاهتمام بأولاده، فهم وكلاؤه.

ولعل من أهم الأمور مصالحتهم مع الله بقيادتهم إلى التوبة. وفي هذا يقول القديس بولس الرسول (وأعطانا خدمة المصالحة.. إذن نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله) (2 كو 5: 18، 20).

أليست هذه وساطة؟! في عمل صلح بين الله والناس.

ليتنا إذن نقرأ هذا المقال من أوله.. ونري عناصر الوساطة التي تقوم بها الكنيسة.

وكلها وساطة خاصة بالخلاص.

وهكذا يقول الرسول في قيادة الناس إلى التوبة (من رد خاطئًا عن ضلال طريقة يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا) (يع20:5).

وأيضًا (وخلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار) (يه23).

كما أن قيادة الناس للإيمان والمعمودية هي للخلاص أيضًا (مر16:16).

والتعليم أيضا هدفه الخلاص كذلك (1تي16:4)
وكذلك باقي الأمور التي تقوم بها الكنيسة.

. . . . . . . . . . . . . . . .

نقلًا عن موقع St-Takla.org 
من مقدمة كتاب “اللاهوت المقارن” للبابا شنودة الثالث

 

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى