آمال فتحى مسعدالكنيسةتأملات روحيةمختاراتمقالات رأيملفات كنسيةموضوعات مسيحية

العقل الفارغ يقودنا إلى القبر الفارغ

بقلم: آمال فتحى مسعد

أثناء تجوالي في الكتاب المقدس توصلت لقراءة الإصحاح الرابع من الإنجيل بحسب ما كتبه معلمنا يوحنا الإنجيلي البشير، ورغم أنني قرأته مرات لا عدد لها، ورغم قراءاتي تأملات عن المرأة السامرية.. والتي بالتأكيد جميعنا مر بها واستقى منها الكثير من العظات الروحية، إلا إنني اليوم تفكرت في بعض الآيات التي قادتني للتفكير فيما نمر به من ظروف واقعية في حياتنا..

لندخل الى الإنجيل ثم نحاول معا التوصل لفهم معانيه التي ربما غابت عني وغاب عني المعني الروحي وراءها. 

قال لها يسوع: “يا امرأة، صدقيني أنه تأتي ساعة، لا في هذا الجبل، ولا في أورشليم تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم. لأن الخلاص هو من اليهود، ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له” (يوحنا ٤: ٢١ -٢٣)

كانت هناك عداوة بين السامريين واليهود فكان اليهود يتعالون على السامريين والسامريون يكرهون اليهود، ويرجع ذلك إلى أنه في السبي الأشوري للسامريين والذي فيه اختلط السامريين بالأمم بالتزاوج منهم، وهو ما ينجس اليهودي لأنه ضد الشريعة التي أمرتهم بعدم التزاوج بالأمم، وفي حركة الإصلاح التي قام بها عزرا الكاهن ونحميا لتنقية الدم اليهودي، تم طرد كل من تزوج من السامرة على اعتبار أنه قد تم اختلاط دم السامريين بالأمم، ورفضوا اشتراك السامريين معهم في بناء الهيكل.

ورغم أن السامريين لا يعرفون سوى أسفار موسى الخمسة إلا أن اليهود عاملوهم كهراطقة، الأمر الذى جعل السامريين يتعبدون في جبل جرزيم رغم أن اليهود يتعبدون على جبل عيبال، وقام السامريون بتغيير موضع العبادة في كتبهم المقدسة ليجعلونه جبل جرزيم بدلا من جبل عيبال.. واتفق أن رئيس كهنة اليهود في هذا الوقت وكان يدعى “يادوا”، لم يسمح لأخيه “منسى” أن يظل متزوجا ببنت سنبلط السامري، وطرده فذهب الاخير وأقام نفسه رئيس كهنة في جرزيم، وهكذا صارت العبادة في جرزيم صورة طبق الاصل من العبادة في هيكل أورشليم.

هذا عن العبادة.. أما عن اليهود فكانوا يحسبون كل سامري هو نجس، بل كان إذا أرادوا ان يشتموا أحدًا قالوا أنه سامري، وكانوا لا يتعاملون مع السامريين قط، بل كانوا لا يمرون بالسامرة في أسفارهم لأن المرور بالسامرة هو أمر محفوف بالمخاطر، ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا ركز السيد المسيح في أمثاله وتعاليمه على السامرة… (السامري الصالح، العشرة البرص الذى عاد واحد منهم ليشكره وهو سامري، بل طلب من تلاميذه الذهاب للتبشير في السامرة بعد اليهودية) كما يفسر لنا هذا لماذا كان المسيحيون المضطهدون يجدون مأوى لهم في السامرة.

وقعت المرأة الزانية في حيرة، إذ عاملها الرب بحنان محدثا اياها عن الماء الحى ممجدًا الصفة الوحيدة التي ارتآها جميلة فيها وهى الصدق، وبعدما قال لها عن خطيئتها التي ربما استحت أن تعلنها له، فقادها الرب الى التوبة بترفقه وحنانه اللامتناهي، فتحولت من زانية إلى مصلية طلبت منه أن تعرف أين ينبغي السجود، إذ انفتحت عيناها لتعرف الآن في الخطوة قبل الاخيرة أنه “نبي”، ولنلاحظ أن السامريين لم يكن لديهم أنبياء. 

فقال لها السيد الرب عباراته القوية حينها.. أولها “أنكم تسجدون لما لستم تعلمون”.. وهنا قال “لما” ولم يقل “لمن” والمقصود هو العقائد والشرائع والنواميس، شكلية العبادة ومظهريتها، فهو لا يتكلم عن شخص الله.

بعدما حدثها السيد المسيح بكونه يهودي عن الحق المعلن لليهود بالأنبياء، دون انحراف بالعقائد في غير مجاملة ولا مواربة، ابتدأ يرفع تفكيرها من السجود “لما” إلى السجود “لمن”، حدثها عن السجود بالروح لأن الله روح.

بالروح = بعيدًا عن الحرف القاتل الذى تمسك به اليهود، بالروح يعني ضد ما هو جسدي ومادي وحرفي.
وبالحق = حتى يستلهم الساجد فكر الله دون انحراف إلى ما هو وهمي، فيطلب الله ذاته.. الحق.

وهكذا أرست قواعد العبادة في المسيحية، أو فـ لنرى أنها تقدست وتنقت مما يشوبها من لغط، فلا هي عبادة شكلية مظهرية، ولا هي ترتبط بمكان أو زمان ولا أجناس، بل الكل لهم أب واحد، يسجدون للآب إذ آمنوا بابنه المسيح.

ومن كل ما تقدم لعلك ترى معي الآتي:

إنه في المسيحية لا يوجد -كالديانات التي يعتقد كونها سماوية- لا يوجد حج، في اليهودية لا تجوز العبادة إلا في أورشليم حيث المذبح والهيكل، وعليه يتوجب للعابد اليهودي الحج على الاقل مرة سنويًا، الأمر الذى تنفيه كلمات السيد المسيح عن السجود الحقيقي التي أعلمنا إياها مار يوحنا بالروح في إنجيله، فالحقيقة أنه بصلب المسيح لم يعد هناك داع للذبائح وبالتالي وجب إلغاء الهيكل اليهودي، ولا يوجد حج كالمعتقد السائد في الإسلام كمغفرة للذنوب، فالغفران الحقيقي لا يكون بممارسات شكلية خالية من الروح، ففي المسيحية نؤمن أن الله يريد رحمة لا ذبيحة.

أما أن يطالب المسيحيون بحج ما تسمى بالأراضي المقدسة التي مر بها السيد الرب، وتألم فيها، وشهدت ربما قطرات من دمه الطاهر الذى يقدس، فهذا ايضًا ربما كان بدعة لأن الملاك أمام القبر أعلنها صريحة “ليس هو ههنا، لكنه قام كما قال”، فالقبر فارغ ليس المسيح في قبرًا فارغًا، لماذا تبحثون عن الحى بين الاموات؟!.. لماذا تبحثون عن شكليات عبادة قد رفعنا الله فوقها، ولم يطالبنا بها يوما؟؟.. فالقبر فارغ والمسيح موجود في كل قلب يتمنى قبوله، ذبيح على المذبح المقدس في سر الإفخارستيا، وذبيح في حياتنا وقلوبنا.

هل المقصود بشركة آلامه هو المرور بطريق الالام؟.. وهل طريق الآلام هو رحلة صخرية وسط الحجارة والطرقات؟! هل هذه هي الشركة؟؟.. وهل يكون التقديس بلمس حجر سبق ولمسه المسيح له المجد؟.. أبشر.. فالله لمسك حينما وضع فيك نفحة الحياة، فابحث عن الحياة داخلك لتجد الله متجليًا!

أخشى ما أخشاه أن يقودنا موضوع زيارة القدس والأراضي المقدسة إلى اقتناء البدع والهرطقات، فقد رأيت احداهن تنعت البابا شنودة الثالث بأقذر الاوصاف مدعية أنه طالبنا أن نطيعه أكثر من الله الذى طالبنا بشركة آلامه، في حين أن البابا المتنيح استخدم سلطانه الكهنوتي في ربط كل من حاول الذهاب للاشتراك في شركة الآم المسيح!.. لقد أصبح البعض يرى أن زيارة القدس هي أمر روحي وفرض ديني!

مع ملاحظة أن قرار منع الأقباط من الذهاب للقدس لم يكن قرار للبابا شنودة فقط، بل هو في الأصل قرار للمجمع المقدس للكنيسة القبطية منذ عهد البابا كيرلس السادس!، ولم يكن قرار سياسى، بل قرار يهدف للحفاظ على أمان الأقباط وسلامهم قدر الإمكان.

أتمنى أن نتعقل كمسيحيين، فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى التي تشهد لي. (يو 5: 39)

فحسبما أرى وربما لا تتفقون معي أن موضوع زيارة القدس هو موضوع لا يمت لعبادتنا بصلة، حتى إني تعجبت أشد العجب حينما أعلمتني إحدى قريباتي أنهم يفصلون ملابس خاصة تشبه ملابس الكهنة وهذه الملابس للتقديس، ولا أعرف لها سند كتابي، هل الحج للقدس سر كسر المعمودية مثلًا يراعى أن يكون بطقوس وملابس خاصة؟ 

خضوعنا كمسيحيين للآباء البطاركة هو خضوع للرؤساء فكما كتب أحدهم أننا نخضع لمشورة ابائنا حتى لا يتهم المسيحيين فيما بعد بالتطبيع مع إسرائيل ويتم إفراز المسيحي عن غيره من شركاء الوطن، وإن كان هناك مسيحيون يزورون القدس فهذا لا يعنى ان تقف الكنيسة موقف غير وطني، فهي في هذا لا تخالف أيا من الشرائع ولا تحرم المسيحيين من أي بركة أو قداسة.

15/ 4/ 2014

 

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى