الإيمانالتاريخ الكنسيالقديس حبيب جرجسالكنيسةلاهوت مقارنموضوعات مسيحية

القديس حبيب جرجس يكتب ضد بدعة رئاسة بابا روما وعصمته من الخطأ

1- دحض رئاسة بطرس

+ أن الكتاب المقدس يعلمنا بأن السيد المسيح له المجد انتدب أثني عشر تلميذا من عامة الناس، واعطاهم جميعا قوة متساوية للكرازة باسمه، ودرعهم بعمل المعجزات لشفاء المرضى وإقامة الموتى وتطهير البرص وإخراج الشياطين (مت 10 : 1-15) وقد تنازل مخلصنا لشدة تواضعه ودعاهم أخوته وأحبائه وأصدقائه (يو 15: 14) ولكن كنيسة رومية وجميع أتباع البابا يفترون ويتطاولون على شخص القديس بطرس الرسول، مدعين بأنه أقيم من السيد المسيح نائبا عنه وخليفة له على الأرض ورئيسا للرسل الأطهار، وأنه مصدر الحقوق التي يستعيرها باقي الرسل كمن ينبوع واحد وأن السيد له المجد بنى كنيسته على بطرس الرسول.

على أن هذا التعليم غريب ومخالف لروح تعليم كتاب الله المقدس الذي يرشدنا بأن المخلص له المجد خول لتلاميذه الحقوق متساوية، ولم يميز بينه وبينهم، فلم نر قط أن الرسل الأطهار عاملوا شريكهم بطرس بصفة رئيس عليهم، ولا بطرس نفسه ادعي بهذه الدعوى التي يفترى بها عليه حضرات البابويين الآن، بل أننا نشاهده غير ذلك وديعا متواضعا يدعو الكهنة والشيوخ رفقاءه وليس مرؤوسيه قائلا ” اطلب إلى (الكهنة) الشيوخ الذين بينكم أن الشيخ (الكاهن) رفيقهم” (1 بط 5: 1) فما هذا التعليم إلا بدعة أحدثوها وأدخلوها على تعليم الله.

بطلان هذه الدعوى:

ويظهر بطلان هذه الدعوى مما يأتي:

  • أن الإنجيل المقدس لم يوجد فيه أدنى تلميح بأن بطرس الرسول حاز الرئاسة على أخوته.
  • نرى في الإنجيل أنه حين تقدمت أم ابني زبدي إلى المخلص طالبة عن ولديها أن يجلس أحدهم عن يمينه والآخر عن شماله، أبعد مخلصنا عنهما وعن باقي تلاميذه حب الرئاسة قائلًا “أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يكون عظيما فليكن لكم خادما ومن أراد أن يكون أولًا فليكن عبدًا (مت 20: 20-28) فأين إذن رئاسة بطرس الرسول التي يفترون بها عليه؟
  • حينما تحاجوا في الطريق بعضهم مع بعض في من هو أعظم ناداهم يسوع وقال لهم “إذا أراد أحد أن يكون أولا فيكون آخر الكل وخادما للكل. فأخذ ولدا وقامه في وسطهم ثم احتضنه وقال لهم أن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السماوات” (مت 1: 1-4، مر9: 33-37) فأين هنا رئاسة بطرس إذ نرى المخلص لم ينكرها عليهم فقط بل هددهم بالحرمان من ملكوت السموات إن لم يزيلوا هذه الأفكار من قلوبهم.
  • نقرأ في سفر الأعمال أن الرسل لما سمعوا أن السامرة قد قبلت كلمة الله فأرسلوا إليهم بطرس ويوحنا اللذين لما نزلا صليا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس (أع 8: 14) فلو كان بطرس الرسول رئيسا لما جاز لمرؤوسيه أن يرسلوه لأداء هذه المأمورية.
  • لما أنعقد مجمع الرسل في أورشليم بخصوص الذين أزعجوا الأخوة من جهة حفظ الختان نرى بطرس الرسول في هذا المجمع يتكلم ويعامل بصفة فرد من الرسل لا بصفة رئيس، والذي بت في الحكم في هذه القضية هو القديس يعقوب الرسول (راجع أع 5).
  • أننا نرى بولس الرسول قاوم شريكه بطرس الرسول مواجهة ووبخه وعنفه حيث يقول “لكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملوما، لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفا من الذين هم من الختان.. إلى أن قال لبطرس أمام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميا لا يهوديا فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا إلخ… إلخ…” (غل 3: 1-15) ألا فأحكموا يا أولى الانصاف وأرباب العقول السليمة، هل يجوز لبولس الرسول أن يوبخ ويعنف بطرس الرسول ويقاومه مواجهة إذا كان على زعم البابويين رئيس الرسل والمعطي له وحده كل سلطان؟! فياليتهم يتنازلون عن كبريائهم وتشامخهم وينصتون إلى قول بولس الرسول لأهل كورنثوس “أنكم بعد جسديون فأنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق الستم جسديين وتسلكون بحسب البشر، لأنه متى قال واحد: أنا لبولس وآخر: أنا لأبلوس أفلستم جسديين. فمن هو بولس ومن هو أبلوس بل خادمان آمنتم بواسطتهما وكما أعطى الرب لكل واحد، أنا غرست وأبلوس سقى لكن الله الذي ينمى” (1كو3: 1- إلخ) وقوله “كل واحد منكم يقول أنا لبولس وأنا لأبلوس وأنا لصفا وأنا للمسيح، هل أنقسم المسيح ألعل بولس صلب لأجلكم أم باسم بولس اعتمدتم” (1كو1: 10-15) وهذا الشيء القليل كاف لدحض هذه البدعة وتقويض أركانها فاحذروا من أن تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة.

احتجاجات الباباويين لإثبات الرئاسة البطرسية

+ أن الأدلة المتقدمة تبين بوضوح أن السيد له المجد لم يمنح للقديس بطرس النيابة عنه، أو الرئاسة على الرسل أو السلطة على الكنيسة دون أخوته، ولكن الباباويين يحتجون لإثبات مزاعمهم ببعض نصوص وردت في الإنجيل لمعان مختلفة خارجة عن موضوع ادعائهم فاتخذوها لإثبات دعواهم. وأهم هذه الاحتجاجات ما يأتي:

  • الاحتجاج الأول: يقولون أن الإنجيلين لما ذكروا أسماء الرسل ذكروا أسم بطرس (الأول) في الأسماء (متى10: 2-4) زاعمين أن تسمية بطرس بالأول دليل تقدمه في الرئاسة والسلطة.
  • الرد: أن لفظة الأول الألفاظ المشتركة، لا الخاصة، التي تدل على أكثر من معنى لا على معنى واحد خصوصي –فقد تستعمل بمعنى المتقدم في الزمان كقولنا (أول أمس)- وقد تستعمل بمعنى المبدأ في العدد كقوله تعالى “في السنة الواحدة والست مائة في الشهر الأول في أول الشهر أن المياه نشفت عن الأرض” (تك 8: 13).

وقوله “سبعة أيام تأكلون فطيرًا اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم” (خر12: 14) (راجع مت 26: 27، مر 14: 12) فيفهم من هذا أن لفظة الأول لا تفيد الباباويين في موضوع الرئاسة شيئا، فالمسيح له المجد حين دعي تلاميذه أختارهم جميعا برتبة واحدة وقام أثنى عشر ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا (مر 3: 13) والرسل أنفسهم في رسائلهم لا يدعون بطرس إلا بأسمائه المعروفة (صفا – بطرس – سمعان) ولم ينعته أحد برئاسة أو برتبة آخري.

+ أضف إلى ذلك أن المسيحيين يعترفون بأن الآب هو الأقنوم الأول، والابن هو الأقنوم الثاني، والروح القدس هو الأقنوم الثالث طبقا لما تسلمناه من المخلص – فإذ يذكر التثليث على هذا الترتيب لم نر كنيسة ما من الكنائس – برغم ما بينها من اختلافات في الآراء – لم نرى أحدا منها يدعي أن للآب الرئاسة والسلطان على أقنومي الابن والروح القدس، بل تعترف الكنائس جميعا أن الأقانيم متساوية في الجوهر، وأن التقدم في الذكر لا يدل على تقدم في الرتبة، ولذا قال السيد المسيح “أنا والآب واحد” (يو10: 3) وبولس الرسول يقول في البركة الرسولية “نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس مع جميعكم” (2كو13: 14) ونرى أيضًا أن الرسول في موضع من المواضيع يقدم أسم يعقوب على بطرس (صفا) فيقول “فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة اعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأما هم فللختان” (غل 2: 9) فهل تقديم أسم يعقوب هنا عن بطرس ويوحنا يعطيه أيضًا رئاسة؟ أم ماذا؟

  • الاحتجاج الثاني: يقولون أنه لما كان الرب يسوع في قيصرية فيلبس وسأل تلاميذه عن أفكار الناس عنه واعترف بطرس بأنه المسيح ابن الله الحي، طوبه السيد له المجد قائلًا “طوبى لك يا سمعان بن يونا. أن لحما ودما لم يعلن لك هذا لكن أبى الذي في السموات وأنا أقول لك أيضًا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى مربوطا في السماء وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماء” (مت 16: 13-19) فباعتراف بطرس بلاهوت السيد المسيح نرى:
  1. تطويب السيد له على اعترافه.
  2. تسميته بأنه يبنى بيعته على الصخرة أي على هذا الإيمان.
  3. وعده له بإعطائه مفاتيح ملكوت السموات.
  • أما الأول وهو تطويب بطرس فاستحقه باعترافه وإيمانه، ولم ينحصر هذا التطويب في شخص بطرس فقط. بل استحقه جميع التلاميذ لما خاطبهم السيد بقوله “لكن طوبى لأعينكم لأنها تبصر ولأذانكم لأنها تسمع” (مت 13: 16) وأسمع ما قاله السيد لتوما “لأنك رأيتني يا توما آمنت طوبى للذين آمنوا ولم يروا” (يو 20: 26) وأما الهامة بالاعتراف العظيم فقد خص به السيد جميع تلاميذه الباقيين أيضًا بقوله “لكم قد أعطيت أسرار ملكوت السموات أما لأولئك فلم يعط” (مت 13: 10).
  • أما الثاني وهو تسمية بطرس بصخرة فالبديهي أن رب المجد لم يقصد بالصخرة التي بنى عليها بيعته شخص بطرس –والترجمة اليونانية لهذه الآية هي “وأما أنا فأقول لك أنت يا بطرس على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها” فالصخرة التي بنيت عليها الكنيسة هي صخرة الإيمان الذي نطق به بطرس لا شخص بطرس بالذات. فحاشا لله أن يبني كنيسته على إنسان عرضة للخطأ وقابل للسقوط.

ألا ترى بعد أن نطق بطرس باعترافه أظهر بعد قليل خطأ مشينا مما جعل السيد ينتهره بقوله “أذهب عني يا شيطان” فهل كان بطرس شيطانًا حرفيا أم مجازا، لا شك أن السيد لا يقصد شخص بطرس بأنه الشيطان بل أن القول الذي نطق به بطرس “حاشاك يا رب أن تصلب” هو الفكر الشيطاني.

ناهيك عما قاله داود النبي “الرب صخرتي وحصني ومنقذي. إلهي صخرتي به أحتمي. ترسي وقرن خلاصي” (2صم 22: 2) (أنظر مر 12: 2، مز 117: 22، اش 48: 16) وقال بطرس الرسول نفسه “هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون صار رأس الزاوية” (أع 4: 11، 1بط 2: 6) وقال بولس الرسول “ها أنا أضع في صهيون حجر صدمة وصخرة عثرة وكل من يؤمن به لا يخزي” (رو 9: 33) فالأساس الأول والصخرة الحقيقية وحجر الزاوية هو السيد المسيح نفسه والرسل بنوا على هذا الأساس، ولذا قال الرسول بولس “ولكن فلينظر كل واحد كيف يبني عليه. فأنه لا يستطيع أحد أن يبني أساسا غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح” (1كو 3: 11) وقد أجمع آباء الكنيسة على أن القصد بالصخرة هو السيد المسيح.

  • أما النقطة الثالثة وهي وعد الرب بطرس بإعطائه مفاتيح ملكوت السموات وسلطان الحل والربط، فقد منح المخلص له المجد هذا السلطان عينه لبقية التلاميذ على السواء كما قال لهم “الحق الحق أقول لكم ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء” (مت 18: 18).
  • الاحتجاج الثالث: قول السيد لبطرس قبل آلامه: سمعان سمعان هو ذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة ولكن طلبت من أجلك لكي لا يفني إيمانك وأنت متى رجعت ثبت أخوتك” (لو 22: 31) إذ يزعمون أن المخلص ميز بطرس بهذا الخطاب، وأن ذلك يدل على رئاسة بطرس للكنيسة وأنه مركز الإيمان والنائب الوحيد للسيد المسيح.
  • الرد: أن هذا الخطاب ما هو إلا انذار من المسيح لبطرس لا إشارة فيه إلى اثبات رئاسة أو ميزة خاصة إذ يقول له “سمعان سمعان” وفي ذلك إشارة إلى أن بطرس الذي فكر في نفسه أنه أشجع قلبا وأكثر حبا فأنه قد أظهر ضعفه بإنكاره شخص السيد له المجد.

وقوله “طلبت من أجلك” ليس فيه دليل على أن السيد خصه ببركة خاصة بل لعلمه السابق أن بطرس سينكره ويجحده، ففي هذه الحالة رأى بطرس لضعفه وزعزعة إيمانه أحوج ما يكون إلى أن يطلب من أجله قوة وثباتا لئلا يرتد نهائيا عن الإيمان كيهوذا مثلا.

وقوله “لئلا يفنى إيمانك” لم يكن فيه إشارة إلى العصمة التي يدعيها البابويين لبطرس والبابا، وإنما المراد بها ألا يعدم بطرس إيمانه ولو لم يكن المخلص رافق بطرس بنظرة منه لهلك.

وقوله “متى رجعت ثبت أخوتك” معناه أن بطرس بسقوطه وقيامه صار مثلا للتوبة والأمل للخطاة فلا يعود ييأس أحد من رحمة الله، وبطرس لم ينكر جحودا وخيانة كيهوذا بل عن ضعف بشري، ويثبت ذلك دعوى بطرس أنه مستعد أن يمضي معه إلى السجن وغلى الموت. وبالإجمال نرى أن في هذا القول لبطرس عبرة وعظة.

  • الاحتجاج الرابع: قول الملاك للنسوة حاملات الطيب “أذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس أنه سيسبقكم إلى الجليل هناك ترونه كما قال لكم (مر 16: 7) فزعموا أنه في ذكره منفردا عن التلاميذ إشارة إلى اختصاصه بالرئاسة.
  • الرد: أن هذا النص على العكس تماما مما يزعمون، إذ فيه إشارة إلى سابقة سقوط بطرس وإنكاره للسيد المسيح، ومن يتأمل في هذا النص يرى فيه أنه قد تقدم أسم التلاميذ على أسم بطرس كأنما أراد الوحي ألا يخلع شرف التلمذة على شخص بطرس المنكر الجحود فجرده من ثياب التلمذة وأخرجه خارج حظيرتهم فدعا الباقين تلاميذ الرب أما بطرس فلأنه أنكره وجحده دعاه باسمه مجردا عن رتبة التلمذة الرفيعة المقام.
  • الاحتجاج الخامس: قول المخلص لسمعان “يا سمعان بن يونا أتحبني أرع خرافي” (يو 31: 15-17) مكررا له ذلك ثلاث مرات.
  • الرد: أنه تكرار قول السيد لبطرس (أرع غنمي) ثلاث مرات تذكيرا له بما كان قد ادعاه من قبل أنه “لو اضطر أن يموت معه لا ينكره” وكيف أنه لم يثبت في قوله بل أنكره ثلاث مرات قبل صياح الديك، والقديس بطرس لم يفهم من هذا التكرار أنه نيشان بالرئاسة أو الزعامة بل على العكس رأى فيه توبيخا بديل تأثره وحزنه وبكائه.

ولو كان السيد له المجد يقصد اعطاءه الرئاسة وقتئذ لصرح له بذلك ولأظهر لطرس دلائل المسرة والفرح لا علامات الغم والاكتئاب. وأما قوله له المجد “أرع غنمي” فليس فيه ما يشتم منه درجة الرئاسة ولكن الرعوية التي منحت لبطرس كما لباقي التلاميذ بالضبط.

ولا يمكن تفسير “أرع غنمي” بمعنى رئاسة وإلا اضطررنا إلى أن نفسر قول بولس الرسول لرعاة الكنيسة في أفسس بهذا المعنى أيضًا، قال لهم “احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه” (أع 20: 28) وقول بطرس الرسول “أرعوا رعية الله التي بينكم نظارا” (ابط 5: 2).

ونختم هذا الرد بقول القديس كيرلس الكبير “أنه باعتراف بطرس المثلث محيت خطية الجحود الثلاثية، وبأقوال السيد لبطرس أرع غنمي ثلاث مرات قد عينه جديدا في رتبته الرسولية التي قد أضاعها بجحوده ونكرانه، وهذا أيضًا رأي القديسين اغريغوريوس الثاؤلوغس وأمبروسيوس وذهب الفم وأغسطينوس.

2- دحض رئاسة بابا روما

  • أنهم لزعمهم الباطل بأن القديس بطرس الرسول أقيم رأسا للرسل والكنيسة –مع أن ذلك باطل كما تقدم- فلذلك تراهم يتطاولون ويمدون أيديهم على سلطان السيد المسيح لكي يختلسوا سلطانه الأبدي ويعطونه للبابا الذي يعتبرونه على زعمهم رأس الكنيسة. غير عالمين أن الله غيور على مجده وهو القائل على لسان إشعياء النبي “أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر” “إش 42: 8) “وكرامتي لا أعطيها لآخر” (إش 47: 11).
  • وكأني بهم ينسون أو يتناسون أقوال الكتاب التي تعلم أن الكنيسة ليس لها إلا رأس واحد فقط هو يسوع المسيح الذي له كل سلطان في السماء وعلى الأرض. فما قولهم في كلام بولس الرسول القائل “المسيح رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد” (أف :3) وكيف يفسرون قوله “إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السمويات فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضًا وأخضع كل شيء تحت قدميه وأياه جعل رأسا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل” (أف 1: 20- 22).

وكيف يؤولون قوله “أنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسا غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح” (1كو 3: 11) وأين يفرون من قوله الصريح “فلستم إذا بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الذي فيه كل البناء مركب معا ينموا هيكلا مقدسا في الرب الذي فيه أنتم أيضًا مبنيون معا مسكنا لله في الروح” (أف 2: 19) فليس إذن بطرس الرسول ولا البابا رأس الكنيسة وأساسها بل الرسل والأنبياء ورأسها يسوع المسيح هو لها بمنزلة حجر الزاوية الذي عليه يبني كل البناء مركبا. ومن غريب فلسفتهم أنهم يقولون أن السيد المسيح رأس الكنيسة غير المنظورة، وأما البابا فهو رأس الكنيسة المنظورة ولم يدروا أنهم بفلسفتهم الباطلة يثبتون العجز والضعف للسيد له المجد، كأنما هو لا يقدر أن يسوس الكنيستين فلذلك لا يعترفون له بالسلطان والرئاسة عليهما فيكتفون بأن يجعلوا واحدة فقط تحت رئاسته ويسلبون منه الأخرى ويعطونها للبابا، هذا إذا أمكن انقسام الكنيستين وفصلهما عن بعضهمها مع أنه لا يتأتى فصل كنيسة الله المنظورة عن كنيسته غير المنظورة، وأننا نسلم لهم بوجود رأسين مختلفين عند وجود كنيستين منفصلتين ومتباينتين الواحدة عند الأخرى. والحال أن الكنيسة واحدة فقط وما ذلك التقسيم إلا بحسب الظاهر. لأن جماعة الأبرار والقديسين الظافرين المالكين بالمجد في السماء. الذين نسميهم الكنيسة غير المنظورة، لا يتكونون إلا من جماعة المجاهدين الذين يحاربون أعداء خلاصهم محاربة متصلة وهم الذين نسميهم الكنيسة المنظورة. فإذا كان الأمر كذلك، فلا يوجد إلا كنيسة واحدة، ولا يتأتى أن يكون لها إلا رأس واحد فمن هو، هل يسوع المسيح الذي قدسها واشتراها بدمه؟ أم البابا الذي لم تعرفه ولا سمعت صوته. فأنه لعمري لو اجتمع جميع البابوات وسفكوا دماءهم لما قدروا أن يشتروا ويفدوا عضوا واحدا من كنيسة المسيح.

خطورة هذا الاعتقاد:

+ على أن الاعتقاد بهده الرئاسة الموهومة تجر على أصحابها ضلالات لا يتأتى لهم أن يفروا منها:

(أولًا) أن المخلص له المجد قبل التجسد كان له السلطان والرئاسة على كل ما في السماء وما على الأرض، ولما تجسد فقد سلطانه الذي له على الأرض إذ سلبه منه البابا، ولم يبق معه سوى سلطانه ورئاسته على السماء فقط، ونحن لا نرضى بهذا الكفر لحضرات الباباويين.

(ثانيًا) أن المخلص له المجد حين كان على الأرض كان له سلطان عليها ولما صعد عدم ذلك السلطان وترك رئاستها ولم تعد له علاقة بينها وبينه. وهذا أيضًا ضلال فظيع أظنهم لا يرتضون به.

(ثالثًا) البلاء الجسيم والخسارة العظمى التي تداهم الكنيسة برئاسة البابا عليها، لأنها به تعدم رئاسة الحي القادر على كل شيء والعالم بكل شيء، الذي يلاحظها على الدوام ويسوسها بعنايته العالية، حين يحكم عليها بأن يكون لها رأس قابل الموت والفناء، واقع تحت الخطأ والعوارض البشرية إلا وهو البابا.

(رابعًا) أن رأس الكنيسة يلزم أن يكون حيا ومحييا على الدوام، على أن البابا الذي يزعمون بأنه رأس الكنيسة ليس كذلك، بل من حيث هو إنسان فهو مائت وبذلك تبقى الكنيسة مائته معه، لأنها في هذه الحالة تصبح مفقودة الرأس الذي يحيي باقي أعضائها.

(خامسًا) ليفتنا حضرات الباباويين وليوضحوا لنا رأيهم حين يصدر حكم الديان بموت البابا، فمن إذن يرأس الكنيسة في الفترة التي تدوم من موته إلى قيام بابا آخر غيره، هل تستمر -ويا للأسف- مائتة مفقودة الرأس؟!

+ ويا ليتهم يقفون عند هذا الحد، بل أنهم يتمادون ويتطاولون إلى أكثر من ذلك، وينادون بأن عدم الإيمان بالبابا هو كعدم الإيمان بالمسيح وعندهم أن من لا يؤمن خاضعا للبابا هو شر من غير المؤمن، حتى أتهم يتجاسرون بأن يقولوا “أن الديانة المسيحية تستند إلى قاعدتين هما الأساس: المسيح عمانوئيل والبابا نائبه” (وجه 4 رسالة كيرلس مقار الأولى) فما العن هذه الكرازة الجديدة وما أشد كفرها، بل ما أكثر ضررها على كنيسة الله التي تشرك البابا في مجد المسيح، فهل باسم البابا اعتمدوا، وهل مات البابا لأجل خلاصهم؟ أنه لا توجد جسارة وافتراء على المسيح أشد من هذه الجسارة وأقبح من هذا الافتراء. يوحنا المعمدان الذي شهد له السيد المسيح بأنه لم يقم من مواليد النساء أعظم منه، كان يكرز ويقول عن المخلص له المجد “يأتي بعدي من هو أقوى مني. الذي لست أهلا أن أنحني وأحل سيور حذائه، أنا عمدتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس” (مر 1: 7) وهؤلاء الفلاسفة ينادون بالمساواة بين البابا والسيد المسيح، ويجعلون ذلك الإنسان الفاني قاعدة ثابتة نؤمن بها (راجع البوق الإنجيلي ص 129).

أما أنتم أيها الأرثوذكسيون فما أحسن إيمانكم إذ لا تعرفون لكم رأسا ومخلصا إلا يسوع الإله الحي، الذي يساعدكم ويؤازركم في كل أموركم فلا تلتفتوا إلى رأس غيره، ولا تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة.

ويا ليت غبطة البابا يتنازل عن هذه التعاليم التي لا تنتج إلا من الكبرياء والعجرفة، لأنه يعلم أنها رذيلة تحرم النفس خيرها وتفسد القلب وتبعده عن الله تعالى وتسقطه من المرتبة العليا إلى أسفل الدركات. ليته يذكر قول أحد علمائهم العلامة برنردوس “أنما الاستعلاء شقاوة مموهة وسم دفين وطاعون خفي مهندس الغدر ووالد الحسد والنفاق وعثة الطهارة وعمى القلب يعيد الدواء داء والعلاج سقما”.

ادحاض دعوى رئاسة بابا روما

+ أن دعوى الكنيسة البابوية بأن لأسقف روما الرئاسة العامة على الكنيسة المنظورة، دعوى باطلة ويظهر بطلانها مما يأتي:

(أولًا) مما تقدم يتبين أنه لم توجد في الكنيسة رتبة خاصة تسمى الرئاسة، فأن هذه الروح مضادة لتعاليم الكتاب المقدس -وقد أوضحنا أن جميع الرسل متساوون في الحقوق وأنه لا يوجد بينهم رئيس ولا مرؤوس. بل كلهم أخوة وأثبتنا دحض الزعم بالرئاسة البطرسية، التي منها يستمد البابا زعمه بالرئاسة على الكنيسة العامة مدعيا بأنه خليفة بطرس.

(ثانيًا) أن صاحب كرسي روما مهما لقب نفسه بطريركا أو رئيس كهنة أو بابا أو حبرا أعظم، لم يخرج عن كونه أسقفا كباقي الأساقفة، لا حق له في امتياز من امتيازات الرسل كبطرس أو بولس أو يعقوب، أو بقية التلاميذ الذين لهم وحدهم رتبة رسولية، أم صاحب كرسي روما فهو راعي خصوصي لا يتجاوز حدود ولايته وأبروشيته، ومع فرض أنه أول أسقف روماني أقامه بطرس. فلا تنسب له الخلافة الرسولية إلا من جهة وضع اليد فقط، بطرس الرسول لم يقمه راعيا بل خاصا أي في روما فقط لأن إقامة الرسل من حقوق المخلص وحده الذي قال لتلاميذه “كما أرسلني الآب أرسلكم أنا”.

(ثالثًا) ان بطرس الرسول لم ينحصر تبشيره في روما فقط بل في انطاكيا أيًا. فلماذا تنحصر تلك الخلافة في شخص أسقف روما دون شخص أسقف أنطاكيا؟ بل أن القديس مرقس كما يحدثنا الوحي كان ابنا خاصا له (1بط 4: 13) فإذا سلمنا جدلا بوجود رئاسة بطرس وأن هذه الرئاسة لخلفائه من بعده فأولى أن تكون هذه الرئاسة لمارمرقس لأنه أستحق أن يكون من الإنجيلين الأربعة أو أن تكون لأسقف أنطاكيا مثلا.

(رابعًا) أما الرسول المشهود له أنه بشر في روما وله عمل رعوي فيها كما في غيرها، إنما هو بولس الرسول كما شهد بذلك سفر الأعمال قائلًا “وفي الليلة التالية وقف الرب وقال ثق يا بولس لأنك كما شهد بما لي في أورشليم هكذا ينبغي أن تشهد في رومية” (أع 23: 11).

وفي أثناء سفر بولس في البحر قال للمسافرين معه “لأنه وقف بي في هذه الليلة ملاك الإله الذي أنا له والذي أنا أعبده قائلًا لا تخف يا بولس ينبغي لك أن تقف أمام قيصر وهوذا الله قد وهبك جميع المسافرين معك” (أع 27: 23) فإذا قررنا أن بطرس الرسول جاء إلى رومية فلماذا تنسب رئاسة كنيستها إليه فقط ولا تنسب إلى بولس الذي أرسله الله الحي إليها؟

أما الأدلة التي تشير إلى أن بطرس ليس هو المؤسس لكنيسة رومية فهي:

  • قول لوقا البشير في سفر الأعمال “أن بطرس كان في أورشليم سنة المجمع” أع 15: 4-7).
  • أن بطرس كان بأنطاكيا سنة 55 تقريبا واجتمع ببولس هناك كما جاء في الرسالة إلى غلاطية “ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكيا قاومته مواجهة لأنه كان ملوما” (غل 2: 11).
  • وكان في بابل مصر حيث كتب رسالته الأولى كما يظهر في الإصحاح الخامس وذلك سنة 60 ميلادية.
  • أن شعار بولس الذي أتخذه لنفسه طيلة حياته هو قوله “ولكن كنت محترسا أن أبشر هكذا ليس حيث سمي المسيح لئلا أبني على أساس لآخر” (رو 15: 20) ومعنى هذا أنه لو كان بطرس قد سبق بولس في الذهاب لروما. لما أرتضى بولس أن يذهب إليها تنفيذا لهذا الشعار. أما وأنه قد سافر إلى روما كما بينا آنفا فمن هذا يتبين أنه لابد أن يكون هو السابق إليها.
  • وقد كتب بولس رسالته إلى رومية حوالي سنة 58م وسلم فيها على 28 شخصا بين ذكور وأناث ولكنه لم يذكر اسم بطرس بينهم، فيكيف يهمل الرسول بولس اسم بطرس؟ أليس هذا دليلا على عدم وجود بطرس هناك في ذلك الوقت؟
  • يذكر كاتب سفر الأعمال قائلًا “وهكذا أتينا إلى رومية ومن هناك لما سمع الأخوة بخبرنا خرجوا لاستقبالنا إلى فون أبيوس والثلاثة الحوانيت فلما رآهم بولس شكر الله وتشجع” (أع 28: 15) وفي هذا القول لم يشر الكاتب إلى أن بطرس كان من بين هؤلاء المستقبلين. وأما أن قيل أنه رئيس لا يليق خروجه للاستقبال كباقي الرعية، قلنا أن هذه الروح لم تكن روح تلاميذ السيد المسيح. بل أننا نرى العكس فبطرس نفسه نراه يلقب بولس “بالأخ الحبيب” (2 بط3: 15) فهل يعقل أن بطرس لا يخرج لاستقبال أخيه الحبيب وهو قادم إلى روما مقيدا بالحديد كأسير؟ ألم يكن من الواجب أو من اللائق أن يبعث إليه على الأقل برسالة مع المستقبلين، بل أما كان من واجب بولس أن يذهب إلى بطرس لتقديم فروض الولاء والطاعة له كرئيس للكنيسة المنظورة كما يدعي المدعون؟
  • كتب القديس بولس وهو في رومية رسالته إلى أهل كولوسي جاء فيها “يسلم عليكم أرسترخس المأسور معي، ومرقس ابن أخت برنابا الذي أخذتم لأجله وصايا، أن أتى إليكم فأقبلوه، ويسوع المدعو يسطس الذي هو من الختان، هؤلاء هم وحدهم العاملون معي لملكوت السموات، الذين صاروا لي تسلية” (كو 4: 10، 11) فلو كان بطرس هناك في ذلك الوقت لتقدم في الذكر على هؤلاء العاملين.
  • عند وصول بولس الرسول لأول مرة إلى روما ظهر أن يهود هذه المدينة لم يكونوا على معرفة شيء من هذا الدين سوى أنهم يقاومونه في كل مكان، فكيف يكون هذا إذ كان بطرس الرسول أسس حقا كنيسة رومية قبل بطرس؟!! أما بعد زيارة بولس لها فكثر المؤمنون بها إلى حد كبير، حتى أن الرسول كتب إليهم مفاخرا بإيمانهم قائلًا لهم “أن إيمانكم ينادى به في كل العالم” (رو 1: 8) ألا نستدل بها على أن بولس هو صاحب اليد الطولي في تأسيس كنيسة روما؟

(خامسًا) أن الادعاء بتقدم كنيسة روما عن غيرها من الكنائس لسبب استشهاد القديس بطرس بها، ادعاء باطل أو إذ لو كان الاستشهاد في تلك المدينة يجعلها أعظم من غيرها، فالأولى أن تكون أورشليم هي العظمى لأنها مدينة القبر المقدس ومهبط الوحي والمدينة التي بدأت منها الكرازة للمسيح وفيها أهرق دم يسوع، وأيضًا كان بالأولى أن يدعى هذه الرئاسة صاحب كرسي مصر لأنها البلاد التي تشرفت وتقدست بحلول رب المجد فيها وباركها قائلًا “مبارك شعبي مصر” و “من مصر دعوت ابني” (مت 2: 15) ومع ذلك كله فلم نر يعقوب صاحب الكرسي الأورشليمي، ولا مرقس صاحب كرسي مصر، ولا خلفاؤهما، لم نرهم يدعون الرئاسة، ولا نسبوا لأنفسهم أفعلا تميزهم عن غيرهم، أو تميز كنائسهم عن غيرها.

(سادسًا) أن التاريخ يشهد بنفى هذه الرئاسة المزعومة فقد قال القديس كبريانوس في هذا الصدد في حق استفانوس البابا الروماني في رسائله “ما هذا العناد وماهي هذه الجسارة أن يقدم التسليم البشري على الأمر الإلهي ولا يرى كيف أن الله يزجر ويغضب على كل من ينقض الوصايا الإلهية بالتعاليم البشرية”. (فصل 30 من القسم الأول من الرسالة ص 223) وقال “فلنترك ما جرى من استفانوس لئلا نتذكر وقاحته وحماقته ونزداد توجعا من أعماله السيئة” (فصل 3 الرسالة 7 من القسم الأول ص 220).

(سابعًا) أن السيد المسيح هو رأس الكنيسة ورئيسها، وهو مخلصها وهو غيور على مجده “ومجده لا يعطيه لآخر” (إش 42: 8) ولكن الباباويين يقولون بأن عد الإيمان بالبابا، عدم إيمان بالسيد المسيح نفسه. وعندهم أن من لا يؤمن بالبابا هو شر من غير المؤمن، أن هذا بالحقيقة ضلال بين إذ يشركون البابا في مجد سيدنا يسوع المسيح، فمن هو البابا حتى يكون قاعدة ثانية للإيمان؟

(ثامنًا) بطلان فلسفتهم – إذ يزعمون أن الرب يسوع رأس الكنيسة غير المنظورة، والبابا رأس الكنيسة المنظورة، ترى هل ضعف سيدنا له المجد عن أن يكون رأس الكنيستين؟ أن فلسفتهم تسجل العجز والضعف على المسيح. والحق أن الكنيسة واحدة ويلزم أن يكون رئيسها واحدا، ومن هذا الرئيس إلا ربنا ومخلصنا يسوع المسيح؟!!

(تاسعًا) أن هذا التعليم يجر على أصحابه ضلالات كثيرة منها:

  • أن المخلص قبل التجسد كانت له الرئاسة على كل ما في السماء والأرض. ولما تجسد وخلص البشر وصعد إلى السماء سلبها منه البابا، ولم يبق معه سوى السلطان على السماء، هذه ضلالات لا يرضاها الذين يدافعون عن رئاسة البابا الموهومة ولا نرضاها نحن لهم.
  • خسارة الكنيسة العظيمة برئاسة البابا، إذ أن الإله القادر على كل شيء الذي يلاحظها على الدوام ويسوسها بعناية تعالى، يترك أمر رئاستها وقيادتها لرأس قابل للموت والضعف والمرض والشيخوخة والفناء إلا وهو البابا.
  • أن رأس الكنيسة يجب أن يكون حيا محييا على الدوام. على أن البابا الذي يزعمون أنه رأس الكنيسة ليس هو كذلك، فمن حيث أنه إنسان لابد أن يموت، وفي هذه الحالة تبقى الكنيسة المسكينة مفقودة الرأس.
  • في الفترة التي تقع بين موت البابا وقيام غيره، وإذا رجعت إلى جدول باباوات روما وجدت أنه كان يمضي وقت طويل بين موت البابا وقيام آخر – فمن يا ترى كان يرأس الكنيسة في هذه الفترة؟

وبالإجمال أن تعليم رئاسة البابا العامة على الكنائس تعليم تنقصه النصوص الإلهية، وينكره التاريخ، ويرفضه العقل والمنطق.

3- فساد التعليم بعصمة البابا

أن الكتاب المقدس يعلمنا أنه ليس بار ليس ولا واحد، بل الجميع واقعون تحت الخطأ وليس أحد معصوما من الغلط سواء في العقل أو في القول أو في الفكر. بل الكل عرضة لمخاطر إبليس وفخاخه. وأن الذي يجب على الإنسان هو أن يجاهد ويضبط نفسه بمساعدة نعمة الله كي لا يسقط في الخطأ، ولكن حضرات الباباويين ينادون جهارا بعصمة باباواتهم من الخطأ والزلل، وأن كل ما يقولونه أو يحكمون به هو الحق ذاته بنوع معصوم من الغلط، على أن هذا التعليم المخالف لروح الكتاب، بل المضاد لنواميس العقل لا يحتاج إلى إيراد برهان على فساده وبطلانه، فلا داعي أن أتعبكم في سماع الأدلة التي تبين فساده. ولكن اسمحوا لي بايراد بعض آيات الكتاب المقدس ينبوع تعاليمنا التي تبين صريحا أن ليس أحد معصوما من الزلل وأنه ليس إنسان لا يخطىء (مل 8: 46) قال داود النبي “فسدوا ورجسوا بأفعالهم. ليس من يعمل صلاحا. الرب من السماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله. الكل زاغوا معا فسدوا ورجسوا بأفعالهم. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد” (مز 14: 1-3) وقال أيوب الصديق “كيف يتبرر الإنسان عند الله أن شاء أن يحاجه لا يجيب عن واحد من ألف” (أي 9: 2-3) وقال أيضًا “من هو الإنسان حتى يزكو أو مولود المرأة حتى يتبرر. هو ذا قديسوه لا يأتمنهم والسموات غير طاهرة بعينيه. فبالحري مكروه وفاسد الإنسان الشارب الإثم كالماء” (أي 15: 14-16) وقال سليمان الحكيم “من يقول أني زكيت قلبي تطهرت من خطيتي” (أم 20: 9) وقال في سفر الجامعة “لأنه لا إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحا ولا يخطئ” (جا 7: 20) وقال يعقوب الرسول “لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعا” (يع 2: 1-2) وقال يوحنا الرسول “أن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو آمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم. أن قلنا أننا لم نخطئ نجعله كاذبا وكلمته ليست فينا” (1يو 1: 8-10) فكيف إذن ينادون بالعصمة تلقاء هذه الآيات الكتابية الصريحة. فإذا شاءوا أن ينسبوا العصمة لباباواتهم ويدرجونهم في مصاف الملائكة، ويخولوا لهم الحق في الألوهية ، فليتركوا كتاب الله وليبحثوا عن مثولوجيات اليونان الخرافية حتى يدخلوهم ضمن أسماء آلهة اليونان والرومان القديمة الكاذبة.

عن كتاب “الصخرة الأرثوذكسية” للقديس حبيب جرجس

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى