كنيسة تقليدية.. دقة قديمة!
بقلم: ماري ملاك صادق
+ يظن البعض أنه عندما تلقب كنيستنا بألقاب مثل تقليدية أنها قد فاتها قطار التطور..
أو أن ما بها من إيمانيات وممارسات لا يصلح أن يكون في هذا الجيل المتطور صانع الثورات..
فما المانع أنه كما قاموا بثورة إصلاحية سياسية أن يقوموا أيضا بثورة دينية لهدم الجدران
إما لأنهم محبوسون داخلها أو إننا حبسنا الله داخلها؟!
+ فنجد أنه بين الحين والآخر أصبح يهب علينا مقالًا من هنا أو هناك..
أو فيلما من هنا أو هناك يحاول أن يهدم في مسلمات عاشتها أجيال وأجيال..
وائتمن الله من ائتمنه علي الحفاظ علي هذه المسلمات..
بل وحذر الله من لا يتمسك بما عنده ويتهاون فيه بان يأخذ اكليله منه!
+ في كل ما نعيشه ونحياه في كنيستنا شقين أساسيين يحويان كل شيء..
جزء إيماني:
لا يقوي علي تغييره مخلوق أيا كان من هو.. لا يتغير ولا يتحدث ولا يتطور مع مر الزمن..
+ فإيماننا مثلًا ثابت بأن ما هو علي المذبح جسد حقيقي ودم حقيقي.. امتداد لذبيحة الصليب وليس تكرارا لها..
+ إيماننا أن مياه المعمودية ليست مياها عادية يغتسل الإنسان فيها من وسخ الجسد..
أو هي فقط لعلامة الانضمام لشعب الله فلا يفرق في هذه الحالة أن يرش الإنسان أو يغطس.. فهي علامة..
ولكنها مياه يحل عليها الروح القدس بالصلاة والميرون الذي يسكب داخلها..
فتصير ماء حيا يغسل ويغفر ويجدد الإنسان عند دفنه فيها ثلاث مرات علي مثال الثالوث..
وعلي مثال الثلاثة أيام في القبر.. وهكذا..
أما الجزء التعبيري:
+ هو طريقة التعبير وطريقة ممارسة هذا الإيمان. فإيماننا بالخبز والخمر وتحولهما لجسد ودم..
يلزمهما جزء ايماني في الصلوات يحدث معه حلول الروح القدس لتقديس المادة وتحويله..
ولكن ما يسبقها من صلوات وما يليها هو الجزء التعبيري عن هذا الإيمان..
وهذا نجده متغيرا داخل الكنيسة الواحدة ومتغيرا في الكنائس الأخرى والتي لها نفس الإيمان..
بمعني:
+ في الكنيسة الواحدة ككنيستنا القبطية الأرثوذكسية نجد ثلاث قداسات الباسيلي والإغريغوري والكيرلسي..
بينما قد نجد قداسا آخر في كنيسة كالكنيسة السريانية كتبه أحد القديسين لديهم..
كما أن القداس كان من الممكن أن يكون أقصر كالقداس الكيرلسي الذي هو الأساس..
إذ كتبة مارمرقس الرسول ثم دونه البابا أثناسيوس البابا العشرون ثم زاد عليه القديس كيرلس الكبير عامود الدين..
+ نحن وهم نؤمن بالأصوام الجماعية التي تنظمها الكنيسة..
ولكنها تختلف في مدتها وسببها لدينا ولديهم في سوريا..
فالجزء الإيماني أن الصوم هو وصية هامه ولازمة في الحياة الروحية..
أما التعبيري عنها فيختلف في السبب والمدة.. وهكذا..
وهذا الجزء قابل للتطوير والتعديل والإضافة والحذف ان لزم الأمر..
+ الفن المعماري مثلا لبناء الكنيسة..
كسفينه رمز أن الخلاص داخلها..
أو دائرة رمز لله الذي لا بداية له ولا نهاية..
أو صليب رمز الخلاص..
+ وفن الايقونة التي سلمت وشرحت الإيمان لمن لا يعرف المصطلحات ولا قراءة الكلام المكتوب..
إذ الايقونة الطقسية يكون بها شرح وافي للإيمان.. بعكس الصورة العادية التأملية..
+ حتي مكان المذبح المتجه للشرق داخلها..
إذ الشرق علامة الحياة الجديدة.. بينما الغرب يشير للنهاية..
ولذلك كانت خيمة الاجتماع المذبح بها متجه للغرب..
ولأننا ننظر لشمس كل بر الذي اشرق علينا واضاء لنا الحياه..
الذي رأي المجوس نجمه في المشرق..
والذي ننتظر مجيئة من الشرق كما صعد من علي جبل الزيتون..
ونتطلع للسماء التي كانت جنة عدن ايضا في الشرق قبل طرد ادم وحواء منها..
+ وهذا جعل مكان المعمودية يضعه آباؤنا ناحية الباب الجنوبي الغربي من الكنيسة..
علامة ان الأنسان بالطبيعة القديمة المائتة يدخل علي المعمودية ويخرج منها..
متجها ناحية الشرق بعد نواله الخليقة الجديدة في المسيح يسوع..
+ وهكذا الألحان والتسبحة والثيؤطوكيات التي تسلمناها وحفظت لنا الايمان في كلماتها..
القوية الامينة وبألحانها المعبرة بالنغم علي الحدث إن كان حزايني أم فرايحي أم شعانيني أام سنوي..
+ ولكن ألم يكن الكتاب المقدس كافيًا لتعليمنا؟
هل التقليد هو له مقام الوحي والعصمة من الخطأ؟
ومن يضمن لنا سلامته من التزوير وخلوه من الاهواء الشخصية لواضعية؟
+ التقليد في كنيستنا هو ما يتسلمه الإنسان من إيمان من جيل الي جيل والذي يمكن تتبعه..
وتتبع مصادره للوصول لأصوله في أغلب الأحوال..
كما أنه طريقة الحياة في هذا الإيمان وطريقة العبادة.. وهذه يمكن تطورها من جيل الي جيل..
وكيف فهموا الكتاب المقدس نفسه وكيف عاشوا الوصية..بل لنا أن نعرف أن الكتاب المقدس نفسه تسلمناه بالتقليد المسلم لنا من الجيل الأول..
ولكنه صار بالهيئة التي معنا بعد تجميعه واقرار قانونية أسفاره في القرن الرابع الميلادي..
+ فمن يرفض التقليد هو بالتالي يرفض الكتاب المقدس الذي هو جزءًا من هذا التقليد المسلم..
وأن كان لا يثق في الكنيسة فعليه أن يبدأ بنفسه في البحث عن الاسفار ومدي صحتها وقدسيتها وخلافه..
وإن كان يقبله من الكنيسة التي سلمتنا اياه.. فلماذا يقبل منها شيئا ويرفض شيئا اخرا؟؟
+ هناك لدينا التقليد الرسولي (الدسقولية) او تعليم الآباء الرسل..
التقليد هو ايضا تراكم قوانين المجامع منذ عصر الرسل الي عصرنا هذا..
كلما نمت الكنيسة احتاجت لمزيد من التنظيم والقوانين واللوائح التي تحدد الامور بطريقة..
واضحه وبمرور الوقت يصبح جزءا من تقليدها..
+ لا نقدر أن نسميه أنه بدرجة الوحي..
ولكننا نؤمن بقيادة الروح القدس للكنيسة
ولا نهمل العنصر البشري ايضا في المجامع هذه أيضًا ولذلك فهي يجب ان تتوافق
مع كلام الكتاب المقدس أيضًا ولا تخالفه حتي قبل أن يجمع
+ لم يكن الكتاب المقدس ناقصا
ولكنه تكلم عن قصة السقوط والخلاص المقدم للبشرية
أي تكلم عن الامور الايمانية التي نحتاجها لخلاصنا
وبعض الرسائل التي اوضحت كيفية الحياة مع المسيح كخلقة جديدة لها الطبيعة الجديدة
من خلال معموديتها وذلك من خلال الكنائس التي بشر بها الرسل
+ هل تواجدت فكرة التقليد المسلم في الكتاب المقدس؟
بالطبع.. عندما كتبت أسفار العهد الجديد كان الايمان بالفعل قد انتشر بين البلدان المختلفة
في القارات المختلفة فكيف آمنوا الا بالتعليم والتقليد المسلم؟؟!
+ ولنبدأ برب المجد نفسه:
عندما تلمذ ربنا له المجد التلاميذ.. لم يسلم لهم كتابًا مكتوبًا ليتتبعوا ما فيه او ما يعلمهم
كان يعلم الشعب في كل مكان دون كتاب يتركه معهم قبل انصرافهم ليذكرهم بما قاله
وقال لهم “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم”.. دون كتاب معهم معتمدًا على ما تسلموه من تعاليم
وذلك لأنه قال لهم الكلام الذي اكلمكم به هو روح وحياة
فلم يسلمهم فقط تعاليم ولكن كيف يحيوا بهذه التعاليم
+ عندما كلم الشعب في الجليل قال لهم:
قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل” (يو١: ١٥٥) الم نسال انفسنا هل كان الانجيل مكتوبا وقتها؟؟
بالطبع لا .. لان الانجيل هو البشارة المفرحة.. بشارة الخلاص.. والتعاليم المؤدية للفرح بالخلاص
+ ألم نقرأ حديثه مع تلميذي عمواس:
“فقال لهما أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء
أما كان ينبغي إن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء
يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب” (لو24: 27)
+ ألم نقرأ أنه “كان يعلم في مجامع اليهود ويكرز ببشارة الملكوت”.. فأين هذه التعاليم وأين هو كلام الكرازة؟
ألم نقرأ انه بعد القيامة “كان يظهر لهم اربعين يوما ويتكلم عن الامور المختصة بملكوت الله”
فما هي هذه الامور؟؟
+ إلي كل الارض خرج صوتهم.. لم يكن معهم كتابًا مكتوبًا للعهد الجديد
فكيف بشروا وبماذا آمن الناس؟ وكم واحد منهم كتب انجيلا او رسالة؟
ها هو معلمنا يهوذا في رسالته يقول “الايمان المسلم مره للقديسين”.. (يه ١: 33)
+ هل من الممكن ان يكونوا كتبوا كل ما يريدون من تعاليم؟؟
تجاوبنا أسفارهم:
“اذ كان لي كثير لأكتب اليكم لم أرد ان يكون بورق وحبر لأني أرجو أن آتي إليكم وأتكلم فما لفم لكي يكون فرحنا كاملاً” (٢يو١ : 12)
“وكان لي كثير لأكتبه لكنني لست اريد أن اكتب اليك بحبر وقلم ولكنني أرجو أن أراك عن قريب فنتكلم فما لفم” (٣يو١: 13)
“وأما الأمور الباقية فعندما أجيئ أرتبها” (١كو 11)
“ثم نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذي أخذه منا” (٢تس 3: 6)
فأين هو التعليم الذي أخذه منا؟؟ لم نعرف إلا ما كتب لنا فقط..
+ ولنقرأ ما قاله معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاؤس:
“ما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسًا أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضًا” (2تي2:2)
في هذه الآية وحدها تسليم خمسة أجيال
(معلمنا بولس – تيموثاؤس – شهود كثيرين – أناس أمناء – آخرين)
بل ان العهد القديم وليس الجديد فقط مملوء بفكرة التقليد المسلم
كما ان هناك المزيد مازلنا نحتاج لأن نذكره في العهد الجديد
+ وأيضًا كيف نضمن سلامة القرار.. وتدخل الأهواء الشخصية؟!
وماذا عن بعض الآيات المذكورة في الكتاب تهاجم فكرة التقليد؟
وها نحن هنا نذكر هنا ان التسليم الإيماني موجود منذ العهد القديم أيضًا
+ قبل أن يكتب العهد القديم والشرائع:
كيف تعلم هابيل ما الذبائح التي يقدمها فقبلها الله ولم يقبل ذبيحة قايين؟
كيف عرف إبراهيم فكره بناء المذبح وبني مذبح في المكان الذي ظهر له الرب فيه؟
كيف عرف نوح فكرة تقديم الذبائح الطاهرة وغير الطاهرة “وبنى نوح مذبحا للرب واخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة واصعد محرقات على المذبح فتنسم الرب رائحة الرضا”
كيف عرف أبينا يعقوب فكرة تقديس الأماكن المقدسة التي للرب ودهنها بالزيت” (تك 28: 18)”
وبكر يعقوب في الصباح واخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عمودًا وصب زيتا على رأسه
ودعا اسم ذلك المكان بيت ايل”
وكيف عرف يوسف بان الزنا هو شر أمام الرب حتى ولو علي حساب سجنه بسبب بتوليته (تك39: 99) “فكيف اصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله”؟
+ لم يذكر العهد القديم الحرب التي دارت بين ميخائيل رئيس الملائكة وبين إبليس
ولكنها ظلت بآلاف السنين تسلم للأجيال حتى ذكرها القديس يهوذا الرسول:
“وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجًا عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب” (يه11)
+ ولم يذكر العهد القديم قصه تقييد الشيطان بهذا الوضوح:
“والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام”
“لأنه أن كان الله لم يشفق على ملائكة قد اخطئوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء” (٢بط2: 4)
+ هناك آية نحفظها جميعنا.. مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ.. (أع 20)
لو دققنا سنجد أنها يسبقها كلمة” كقول الرب”
ولو دققنا أكثر وبحثنا في كل الكتاب عن متي قال الرب هذا لن نجد.. لا في العهد القديم ولا الجديد
والكثير والكثير من الأمثلة التي ممكن أن نتكلم بها عما قبل الناموس او العهد القديم
والآن..
ما الذي يضمن لنا سلامة التسليم المسلم لنا من الأهواء الشخصية؟؟
+ تتميز كنيستنا المقدسة بانها كنيسة مجمعية..
لا يؤخذ بها براي فرد بمفرده بل بإجماع الآراء للمجمع المقدس المقاد بالروح القدس والصلوات..
فلو كنا نؤمن بعصمة الاشخاص او أن فردًا واحدًا يملك الايمان لكنا تشككنا..
وكل قرار يجب ألا يخرج او يخالف تعليم الكتاب المقدس.. بل يتوافق معه..
إن ثبت خطأ ما في أحد هذه التقليدات.. لا مانع من تغييره او الغاؤه ما دام ليس إيمانيا..
ماذا إذا عن بعض الآيات التي يبدو فيها أن ربنا له كل المجد يهاجم فكرة التقليد؟؟
+ سأل الفريسيين الرب يسوع:
“لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ فأنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزًا. فأجاب وقال لهم وأنتم أيضًا لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم.. فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم” (متى 15: 3- 6)
“لأن الفريسيين وكل اليهود أن لم يغسلوا أيديهم باعتناء لا يأكلون متمسكين بتقليد الشيوخ” (مرقس 7: 3)
هنا نري رب المجد وهو يهاجم التقليدات التي من صنع البشر وتبطل وصية الله
أو هي تقليد الشيوخ وليست وصايا الله.. ويكتفون بها ظنا انهم بهذا اتقياء!!
+ بل أن الرسل أنفسهم رفضوا التقليدات الباطلة:
وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي” (غلاطية 1: 14)
أنظروا أن لا يكون احد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح” (رسالة كولوسي 2: 8)”
+ بالنسبة للترجمات علينا ان نراعي:
أنه في الترجمة للأسف لأن القائمين عليها لا يؤمنون بالتقليد المسلم للقديسين
استخدموا وقتما يوبخ الرب علي التقاليد يكتبونها تقاليد
وحين تأتي بمعني جيد وايجابي يستخدمونها تعليم
مثال:
(فأثبتوا أيها الأخوة وتمسكوا (بالتعاليم = بالتقليد = بالتسليم Paradocic باليونانية
التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا” (2تسي 2: 15)
وهنا تجدونها تعاليم لأنها تمدح
+ نحن لسنا أول المسيحية ولن نكون آخرها..
علينا أن نكون أمناء في أن نسلم ما استلمناه دون إضافة أو حذف بحسب ميولنا الشخصية..
فالوديعة ليست ملكا لنا.. هي مجرد وديعة مسئوليتنا الحفاظ عليها..
وكلما ملك الإنسان من الاتضاع كلما شعر بأنه خاضعا تحت ما تسلمه..
وكلما ملك من الكبرياء كلما شعر بأن ما تسلمه هو ملكًا له يخضعه لنفسه بما يناسب أهوائه..
الرب قادر أن يعطينا أن نحفظ وديعته الغالية الي النفس الأخير..