الإيمانالتاريخ الكنسيالقديس حبيب جرجسالكنيسةلاهوت مقارنملفات إيمانيةموضوعات مسيحية

القديس حبيب جرجس يكتب عن تاريخ كنيسة روما في محاولة السيطرة على الكنيسة القبطية

“اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم. يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد. لا تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة” (عب3: 7-9)

+ يشهد التاريخ بأن الكنيسة المصرية قاست من أهوال الاضطهادات والحروب الدموية والأدبية ما يزعزع، وبخاصة الحروب التي أثارها إبليس على الكنيسة بواسطة الملوك الذين اضطهدوها وقتلوا رجالها وحرقوا كتبها وهدموا كنائسها، ولكن الكنيسة كانت تنمو وتزداد وتزدهر في وسط تلك الاضطهادات حتى ضرب المثل “بأن دم الشهداء زرع الكنيسة”.

ولقد انتصرت الكنيسة على الوثنية واخضعت جميع ممالك العالم لربنا ولمسيحه، وخضع الملوك وأحنوا رؤوسهم للمسيحية، وعاد الشيطان مجندلًا صريعًا، ولكنه حارب المسيحية بالفلاسفة والهراطقة والعلماء الذين ضلوا عن الإيمان. وفي هذه الحرب انتصرت الكنيسة على تلك البدع والأضاليل وهوذا بولس الرسول يوضح قليلا مما صادفته المسيحية بقوله: “لسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تلام الخدمة بل في كل شيء نطهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير في شدائد في ضيقات في ضربات في سجون في اضطرابات في أتعاب كمضلين ونحن صادقون كمجهولين ونحن معروفون، كمائتين ونحن نحيا، كمؤدبين غير مقتولين، كحزانى ونحن دائما فرحون، كفقراء ونحن نغني كثيرين، كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء” (2كو6: 7-10)، إلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونعرى ونلكم وليس لنا إقامة ونتعب عاملين بأيدينا، نشتم فنبارك نضطهد فنحتمل يفترى علينا فنعظ إلخ (1كو4: 11-13). ولقد وصف الرسول أبطال الإيمان بأنهم “تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضًا وحبس. رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلا بالسيف، طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مذلين وهم لم يكن العالم مستحقا لهم. تائهين في براري وجبال ومغائر وشقوق الأرض” (عب11: 36، 37) وما أكثر الدماء التي سفكت في سبيل الإيمان الذي وصل إلينا.

+ ولقد سلم الرسل والشهداء وديعة الإيمان سالمة فتسلمها آباؤنا وأجدادنا وحافظوا عليها سافكين دماءهم حرصا عليها راضين بالعذاب بل الموت حبا في إيصالها إلينا بلا شائبة بلا نقص ولا زيادة، وأستمر الإيمان وديعة طاهرة ثمينة. وكم قام هراطقة ومعلمون كذبة، ولم يخل جيل من الأجيال من قيام بعض العلماء الذين زاغوا عن الإيمان ليزيفوا حقائقه، واخترعوا تعاليم غريبة ومتنوعة، وقد تطلع بولس الرسول بروح النبوة وحرض المؤمنين بالتمسك بوديعة الإيمان دون أن ينقادوا إلى الغرباء بقوله “لا تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة” بل قال في رسالته إلى أهل غلاطية “أن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما” (غل 1 : 8).

+ ولقد اشتهرت الكنيسة القبطية بشدة محافظتها واستمساكها بقواعد إيمانها وتقاليدها التي تسلمتها من الرسل الأطهار، ولم تقبل زيادة كلمة عليها أو نقص شيء منها. وعرف القبط منذ القديم بقوة الإيمان حتى ضرب المثل بثباتهم في إيمانهم وقيل عنهم “أن زحزحة جبل المقطم من مكانه أسهل من أن تزحزح قبطيا عن إيمانه وعقيدته” وكم ترنموا بقول المخلص “أنا الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني. خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغرباء” (يو 10: 5، 14).

وأن نضال الكنيسة القبطية لأجل الإيمان واضح ومعروف في التاريخ لأنها كانت في القرون الأولى منارة العالم المسيحي بمدرستها الإكليريكية التي تعلم منها واقتبس من نورها أكبر علماء الكنيسة وتخرج فيها أعظم أساقفتها وبطاركتها. وعرفت بشدة محافظتها على الإيمان ووحدة الكنيسة مستمسكة بتعاليم الإنجيل وأقوال الرسل الأطهار. وكانت الكنيسة في عصورها الأولى تنعم بوحدة واحدة تابعة في ذلك صوت فاديها ورئيس إيمانها يسوع المسيح القائل في صلاته للآب “لست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بكلامهم. ليكون الجميع واحدًا كما أنك أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني” (يو 17: 20، 21).

+ ومن أجل هذا الإيمان والمحافظة على هذه الوديعة المقدسة وقفت وحدها متحملة آلام العذاب في كل هذه القرون، والانشقاقات التي حصلت في القرون الأولى كانت بسبب التعاليم الغريبة التي نشأت من الذين أحبوا الرئاسة وكان هؤلاء في اضطهادهم أشد من أعداء الإيمان.

قال القديس يوحنا ذهبي الفم: “أن الذي ينكر الإيمان يهلك نفسا واحدة فقط أعني نفسه، واما الذي يشق الكنيسة فيهلك نفوسا كثيرة ولهذا السبب خطيئته أعظم من خطيئة الكافر” وقال “لا شيء يستطيع أن يشق الكنيسة مثل حب الرئاسة ولا يغضب الله أكثر من انشقاق الكنيسة، وسبب ذلك حب الرياسة”.

+ ولقد كانت كنيستنا المصرية متنعمة بوحدتها وشعبها أجمعين متمسكين بإيمانهم الواحد، لا يختلف أحدهم عن الآخر في عقيدة ولا رأي ولا مبدأ، وكان هذا سبب قوة الكنيسة وحياتها. ولكن عدو الخير زارع الزوان لم يترك كنيستنا في طمأنينتها بل بعد ما استراحت من اضطهاداتها الخارجية دخلتها تعاليم غريبة شقت بعض أبنائها عنها. وكنيسة روما التي اخترعت تعاليم غريبة ومتنوعة وأحبت الرياسة والزعامة بذلت جهودا عدة في القرون المتوسطة لكي تخضع كنيستنا للاعتراف بزعامتها وتقبل تلك التعاليم التي أحدثتها فلم تقبل، ولم تستطع أن تكسب فردا واحدا لا بوعد ولا بوعيد. ولكن ويا للأسف في القرن الماضي بواسطة تداخل الفرنسيين وخدامهم أرادوا أن يتدخلوا لضم الكنيسة القبطية إلى كنيسة روما، فأفهمهم زعيم الأقباط وقتئذ وهو المرحوم المعلم غالي بأن ذلك أمر مستحيل، وأراد أن يفتدي كنيسته بأن قبل هو أسرته الانضمام إلى كنيسة روما بشرط تركهم أحرارا في عوائدهم وطقوسهم القبطية الأصلية كما هي، وذلك خشية حصول الفتن والدسائس ووقوع الضرر على القبط ومازالوا متحدين باكليروسنا ويعمدون أولادهم بكنيستنا ولم يكن اعتناقهم مذهب كنيسة روما إلا ظاهريا، وكان في الإمكان رجوعهم وعودتهم إلى أمهم الكنيسة القبطية كنيسة آبائهم وأجدادهم لو لم تحل المنية دون ذلك، ولكن للأسف أخذوا في هذه الأيام يتظاهرون بالعداء مع أنهم من دمنا ولحمنا وأدخل في عقولهم أنهم هم الكنيسة الأصلية يموهون على البسطاء أنهم يتبعون التعاليم الحقة وأن كنيستنا منشقة مع أنه لم يمض على خروجهم من كنيستهم نصف قرن، وتمكنت كنيسة روما من أن تحصل على بعض أفراد منهم واحتضنتهم وعلمتهم في روما، ومنهم أقامت أساقفة وكهنة قابلة الشرط الأصلي بأن تكون طقوسهم وعوائدهم مطابقة لكنيستهم الأصلية حبا في اجتذاب البقية من أخوتهم.

+ وفي سنة 1895 رسم بابا روما، القس جرجس مقار أحد رهبان القبط الكاثوليك هو وراهبين معه أساقفة لكنيستهم بمصر وبدأ أولهم الذي دعا نفسه كيرلس الثاني بأن نشر منشورا يدعو فيه بطريركنا وأساقفتنا وشعبنا إلى الانضمام إلى كنيسة روما وقبول رياستها وزعامتها، ومن زهو الشباب بدأ في منشوره يقول لنا ” أن الديانة المسيحية تستند على مبدأين هما الأساس: المسيح عمانوئيل والبابا نائبه” التعليم الغريب الذي لم يقله هرطوقي ولا مبتدع من هراطقة العصور الأولى، فمن هو هذا البابا الذي يجعله كيرلس مقار قاعدة إيمان مع المسيح عمانوئيل إلهنا ومخلصنا رأس الكنيسة الإلهي الوحيد؟! ولكنهم معذورون إذ استقوا تلك التعاليم من نبع غريب مع ما تلقنوه من التعاليم الغريبة المتنوعة.

+ أما أنتم أيها القبط الذين ثبتم على إيمانكم وتحملتم في سبيل المحافظة على الإيمان القويم فأثبتوا على ما أنتم وتمسكوا بإيمانكم ولا تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة، واسمحوا لي الآن أن أذكر لكم شيئا من سلسلة تعاليمهم الغريبة وبدعهم المخترعة حديثا التي تخالف روح الكتاب المقدس وتعاليم الرسل الأبرار، وأريد بذلك:

أولًا: أن تعرفوا صحة تعاليمكم وصدق إيمانكم وماهي التعاليم الغريبة التي يبتدعونها للاحتراس منها.

ثانيًا: للاستمساك بقويم عبادتكم وصحة إيمانكم الذي تسلمتموه من الرسل الأطهار، ولم تزد أو تنقص منه كلمة واحدة، ليظهر النور من الظلام وحينئذ يتبين الحق من الباطل ويتضح لكم إيمان الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية، كنيسة المسيح الذي كرز به الرسل كنيسة الآباء والشهداء.

عن كتاب “الصخرة الأرثوذكسية” للقديس حبيب جرجس

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى