ردًا على بدع حديثة.. الأنبا مكاريوس يشرح عقيدة الفداء والكفارة.. والموت النيابي.. ووراثة الخطيئة الأصلية

(عن عظة لنيافة الأنبا مكاريوس عن عقيدة الفداء في فبراير 2015)
لفظة “فداء” معناها تخليص شخص من الموت، أي شخص يموت بديل عن شخص آخر، يتحمل الشخص البديل الموت بدلًا من الآخر، أي يموت الفادي بدلًا من المفتدي، مثلما أفتدي اسحق بكبش وكان هذا مجرد رمز، أو فداء بكر الإنسان عن طريق نصف الشاقل، أو ذبائح الفداء للتكفير التي كانت تتم في العهد القديم، وجميع ذبائح العهد القديم كانت تشير إلى المسيح (الذبيحة الحقيقية)، ولذلك في ذبيحة الإفخارستيا تكتمل الخمس ذبائح الذين في العهد القديم.
من الممكن ان يموت إنسان شرير عن إنسان بار، وممكن أيضًا أن يموت إنسان شرير عن إنسان شرير مثله مثل تجار المخدرات مثلا، وممكن إنسان بار يموت عن بار، مثلما من الممكن أن تموت أم عن ابنها أو شخص يموت عن زوجته، أنما الله وهو كامل البر والقداسة مات عن الإنسان وهو خاطئ شرير
القصة بدأت من خلق أدم، والتحذير الذي يقول: يوم أن تأكل من هذه الشجرة موتا تموت، وهذا لم يكن تهديد بل تحذير، مثلما تقول الأم لابنها إذا ذهبت إلى هذا المكان ستتعرض للسقوط، هي هنا تحذره من الخطر ولا تهدده إذا ذهب للحفرة سيقع هناك، إذن الموت جاء نتيجة خطأ وليس عقوبة على خطأ.. أي أن الله لم يهدد أدم قائلًا: إذا فعلت ذلك سوف أقتلك!.. وكأنه ثأر شخصي.. لا.. بل أنا أحذرك أنه نتيجة ارتكابك لهذا الخطأ موتا تموت.. إذن الله نبه أدم ولم يهدده
حدثت الغواية.. وحدث التعدي.. فما هو الحل؟.. هل يُهلك الإنسان ويخلق غيره؟!.. أم يسامحه ويمرر الأمر؟!.. هل يخلق غيره ولا يخطئ.. فيكون لا داعي حينها للتجسد أو الفداء.. البعض ينادي بذلك ويقولون ما هذه الضجة التي تصنعونها في حديثكم عن عقيدة الفداء.. أدم أخطئ وقال لله سامحني فسامحه الله وانتهت القصة.. لماذا تضخمون الأمر؟
أكبر 4 أشياء يعتبروا من المعضلات بالنسبة لأي شخص غير مسيحي هي التجسد والفداء والإفخارستيا والثالوث.. أكبر 4 أشياء يحتاجوا لجهد لكي يصلوا لأي شخص غير مسيحي.. الله يصبح إنسان لا يتقبلوها.. الله يموت لا يتقبلوها بالأكثر.. الله يكون ثلاثة وواحد صعبة جدا.. الله نأكل جسده على المذبح أيضا صعبة..
لهذا عندما نتكلم عن عقيدة الفداء يقولون لماذا تضخمون هذا الأمر، الأمر فقط أن أدم أخطأ وطلب من الله أن يسامحه فسامحه الله.. وبالطبع هذا الكلام غير صحيح لهذه الأسباب:
– هذه تكون إهانة لله أن لا يقوم بتنفيذ التحذير الذي حدث أدم عنه..
– يكون الشيطان قد انتصر، ويكون الله قد أنصف الظالم وليس الإنسان، فالإنسان وقع في التعدي بغواية إبليس، مثلما نقول هذا في صلاة الصلح في القداس كل يوم، ومثلما ورد في سفر الحكمة “لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم”، ولو الشيطان انتصر والله أهلك أدم وخلق غيره، فالشيطان سينتصر عليه مرة أخرى، والناس يتعلمون الشر ويعبدون الشيطان، فعبدة الشيطان الآن لماذا هم يعبدونه؟ لأنهم قالوا أن الشيطان ذكي وحكيم وشرير ويُسقط الناس والجميع يحذر منه ومنتشر ويفعل الكثير من الأشياء الرديئة، إذن فهو الأقوى.. وبالطبع هذه فكرة خاطئة، ولكن الأمر أن الله سمح للشيطان بموجب قانون تكافئ الفرص، أنه يحارب الناس.. لأن حرب الشيطان مع الناس تذكيهم أكثر وتمحصهم أكثر|، ولو خلق الله أحد غير أدم فالشيطان سيغويه ويسقطه أيضًا، القديس أثناسيوس الرسولي عندما ناقش هذا الأمر قال: “كان خيرًا للإنسان لو لم يخلق من ان يخلق لكى يهلك”.. الأمر يحتاج ليس إلى المسامحة وإنما إلى الفداء، وإلى تجديد الطبيعة التي تلوثت وفسدت بالسقوط..
وتجديد الطبيعة مثل طفل شرب شيء يحتوى على سم، لا يصلح حينها أن أقول له أنا أسامحك وينتهى الأمر بل يجب ان أعالجه، أو شاب أخذ كمية كبيرة من المخدرات ثم ذهب لوالده قائلًا: أنا أنفقت كل الأموال التي أعطيتني على المخدرات وأنا توبت عن ذلك واقبلني إليك، سيقبله بالطبع ولكن يجب أيضًا أن يُخرج من جسده المخدر الذي انتشر بداخله.. وهذا هو تجديد الطبيعة البشرية.
– أيضًا لابد أن يتخذ العدل الإلهي مجراه.. يوم أن تأكل من هذه الشجرة موتا تموت..
إذن لماذا نسل أدم يعاقب هو أيضًا إذا كان الجد فقط هو من أخطأ؟ لماذا نعاقب جميعنا؟.. الذين ولدوا من أدم ولدوا أمواتا لأن أجرة الخطيئة موت حسب (رومية 6: 32)، والقديس بولس الرسول في (كورنثوس الأولى 15: 22) قال “كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع”، وأيضًا من ملك عبدا فقد ملك أولاده، فالمولود في البيت لعبد هو ملك لسيده أو عبد لسيده، والسيدة إذا دخلت السجن وهي حامل وولدت الولد في السجن يأتي مسجون، صحيح ليس له ذنب في الجرم الذي ارتكبته أمه لكنه مولود معه في السجن ومولود منها، لهذا نحن ورثنا الطبيعة الفاسدة وإلا فمن أين أتانا الطمع والكذب والغضب، تصوروا لو أخذنا بيضة من ثعبان لمكان آخر بعيد عن الثعبان، فهل عندما يكبر هذا التعبان هل سيلدغ أم لا؟ بالطبع سيفعل لأنه وارث هذه الطبيعة، وارث قدرته على انتاج سم، وبالطبيعة يميل أن يؤذى الأخرين أو حتى في سبيل دفاعه عن نفسه أن يقوم بتسميمهم.
حرمان نسل أدم من جنة عدن دليل على اشتراكنا مع أدم لأننا طردنا معه، ولم يفتح الفردوس مرة أخرى إلا بعد الفداء، ويقول القديس بولس الرسول: “بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة” (رو5: 18)، و”لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاه” (رو 5: 19)، و”كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع” (رو 12:5)، “الجميع زاغوا وفسدوا معا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد” (رو 3: 12)، أي كل نسل أدم.. هذا رد على من أنكروا الخطيئة الأصلية ووراثتها، لدينا خطيئة أسمها الخطيئة الأصلية أو الخطية الجدية أو خطيئة أدم، ولدينا أيضًا خطايا أسمها الخطايا الإرادية أو الشخصية أو اليومية، وخطيئة أدم تغفر في المعمودية، أما الخطايا الإرادية والشخصية تغفر بالتوبة والاعتراف.
كان يوجد قس بريطاني يدعى بلاجيوس، وهذا ناقشوه في مجمع القسطنطينية وكان ينادى بأن خطية أدم قاصرة عليه فقط دون الجنس البشري، وإن كل إنسان من ولادته يكون كأدم قبل سقوطه! وقال بأن الإنسان بقوته الطبيعية يستطيع أن يصل إلى أسمى درجات القداسة بدون حتى انتظار من مساندة النعمة، بالطبع كانت تعاليم فاسدة والآباء قاموا بالرد عليه، وقالوا له أن العقيدة التي تنادي بها تهدم سر الفداء وتضعف من قيمة دم المسيح.
وأيضًا قال داود النبي عن الخطيئة الجدية “بالأثام حبل بي وبالخطايا ولدتني أمي”.. الخطيئة الأولى هذه مات عنها المسيح، أما الخطيئة التي نرتكبها نتيجة فساد الطبيعة والميل الفاسد فيوجد رصيد غفران في الكنيسة لكل من يقدم توبة ويعلن اعترافه بها أمام الأب الكاهن.
أما عن نتائج السقوط فهي موت، لأن أجرة الخطيئة موت، الجميع يموت من الطفل الذي يموت في الحضانة إلى موتشالح الذي رغم طول عمره في النهاية قد مات.. “وبحسد إبليس دخل الموت إلى العالم”.. هذا أيضًا من نتائج السقوط، وهذا موجود في سفر الحكمة الاصحاح الثاني، واقتبسناه في القداس الباسيلي في صلاة الصلح، والقديس أغسطينوس يقول “إذا لم يمت الإنسان لا يكون الله صادقا” فقد قال الله موتا تموت
ومن نتائج السقوط أيضا موت أدبي، الإنسان فقط صورة الله التي خلق عليها، وصورة الله التي خلقنا عليها هي الصورة الداخلية وليس الخارجية، لا يوجد أحد يشبهه الأخر في الصورة الخارجية، أما صورة الله التي خلقنا الله عليها فهي من الداخل، في القداسة والبر والنقاوة، فقدنا هذه الصورة بالسقوط، وقال عن ذلك المزمور 82 “لا يعلمون ولا يفهمون في الظلمة يمشون تتزعزع كل أسس الأرض”، وفسدت الطبيعة البشرية وتمردت الوحوش على الناس، حتى الأرض نفسها عصت على الناس “شوكا وحسكا تنبت لك”، حتى أن القديس بولس الرسول في (رومية 8) يقول “إذ أخضعت الخليقة للبطل ليس طوعا، بل من أجل الذي أخضعها”، فأدم هو السبب وبسببه كل شيء تغير الوحوش ثارت على الإنسان، بل والتربة نفسها ثارت على الإنسان، الشياطين قامت على الناس، المرض دخل البشرية، الموت دخل البشرية، الميول الفاسدة دخلت الناس، فالطباع الفاسدة والسيئة من أين جاءت؟.. جاءت بالوراثة، فالطبيعة فسدت وأصبح يوجد التعب والألم وشقاء ومرض وخوف ، حتى خوف من صوت الله.. أدم قال “سمعت صوتك فخشيت” حتى صوت الله أصبح مرعب بالنسبة له..
وأيضًا من نتائج السقوط الموت الروحي.. “الانفصال عن الله مثل انفصال التيار عن المصباح”، هكذا يشرحون الموت الروحي، إذن أصبح هناك حتمية لعمل المسيح الفدائي.. لماذا؟ أولاً لان الله مُحب والله المحب لا يمكن أن يترك أولاده للهلاك فيبحث لهم عن حل، مثل أم تجد ابنها مديون بالكثير ولا تستطيع ان تسلمه للسجن، وذلك رغم أنه مخطئ ويستحق السجن، ويمكن أن ينصلح حاله بالسجن عندما يأخذ عقوبته ويصبح إنسان مختلف، لكنها لا ترضى أيضًا، وقد تقوم بالتسول وبالخدمة في البيوت وتحرم نفسها من الطعام والشراب حتى تجد له حلا، وهذا على الرغم من أنها حذرته كثيرًا ولم يستمع إليها لكنها مُحبة ، ويصل بها الحب من أجل ابنها أنها قد تموت من أجله، وبهذا يتلاقى العدل مع الرحمة، الرحمة والعدل تلاثما، فتأخذ الرحمة مجراها ويأخذ العدل مجراه.. لأنه قال له موتًا تموت.
المسامحة وحدها لا تكفي لأنه يحتاج إلى تجديد،وعودة الإنسان إلى حالة القداسة التي كان عليها تحتاج إلى فداء وتجديد، الاثنين مع بعض، أما افناء الإنسان ففيه إهانة لعمل الله وعظمته، فهل من الممكن أن الله يعمل شيء ويأتي أحد ليفسدها، بالطبع لا يمكن، القديس أثناسيوس الرسولي وهو يشرح التجسد والفداء قال: لو واحد كان لديه أيقونة مرسومه لابنه، وكان ابنه في سفر، وفي كل يوم كان يشاهد الأيقونة ويقبلها، ومع مرور الوقت بليت الايقونة وتشوهت الصورة، فأتى بالفنان الذي رسمها وطلب منه تجديدها، فقال له الفنان: أنا لا أصلح القديم لكن من الممكن أن أصنع لك واحدة جديدة أفضل منها ، فقال له الأب: “كلا بل أريد هذه بالذات فهي غالية علي جدًا”، والتجديد والترميم أصعب من البناء من جديد.
أيضًا من ضمن أسباب حتمية الفداء، أنه لا يصح أن ينجح الشيطان ويحمل الله على افناء الإنسان، وسيكررها الشيطان مع الانسان الجديد الذي سيتم خلقه فيغويه ويسقطه، وحاشًا سيسخر من الله فيقول له أخلق من الناس كما تريد وسأهلكهم أيضًا.
لا يوجد شك ان الانسان اتخذ عدة تدابير لمواجهة الشر والجريمة، مثل انشاء مؤسسات كالقضاة والشرطة والسجون والمستشفيات، ولكن الجريمة تزداد يومًا بعد يوم، والأمراض تزداد يومًا بعد يوم، والسجون ممتلئة، ويقول البعض “عمر السجن ما غير فكرة”، وقد يدخل أحدهم بجريمة صغيرة ليخرج مجرم كبير، وصار الإنسان مثل شخص ينزف ويحتاج إلى عملية نقل دم كبرى، ولكن من نفس الفصيلة، مثل: زرع الكلى والكبد والقرنية، فما هي المواصفات المطلوبة في الفادي؟..
نحتاج لإنسان فيه الصفات الإنسانية لينوب عن أدم الذي أخطأ، بالطبع إنسان وليس حيوان، ليس من مملكة الحيوان ولا الطيور ولا الحشرات، بل من نفس الطبيعة البشرية، لا يصلح الحيوان ولا الطير إلا لعملية تمهيد الذهن البشري لقبول الفداء وفهمه.. فقط.. كل الذبائح كانت تشير إلى الذبيحة الحقيقية لمغفرة الخطايا أي للمسيح الذبيح الحقيقي والحمل الحقيقي.
شرط آخر في من سيموت عن أدم وهو أن يكون قابل للموت، لأن الحكم هو موتًا تموت، وليس مجرد أن يدفع دية من المال لينتهي الأمر، فأجرة الخطيئة موت، وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة.
أيضًا مطلوب أن يكون بلا خطيئة بل معصوم من الخطأ، لأن أدم خلق بدون خطيئة ومع ذلك أخطأ لأنه لم يكن معصوم من الخطأ، حتى الملائكة لم يخلقوا معصومين من الخطية بدليل أن سطانائيل عصى على الله وسقط، صحيح لم يكن لديه جسد ولكن كانت له إرادة وعقل ولديه حرية، والدليل أننا نحتاج لشخص معصوم من الخطأ أن أدم خلق بدون خطية ومع ذلك أخطأ.
الشرط الرابع هو أن يكون غير محدود، لأن الخطيئة غير محدودة وموجهه إلى الله غير المحدود، أيضًا هو سيقدم غفران إلى كل البشر من أدم حتى إلى يوم الدينونة، وهذا يشرح لنا كيف أتحد اللاهوت بالناسوت على الصليب لكي يعطي للفداء قيمة غير محدودة، الذي مات على الصليب ليس جسد المسيح فقط وليس الطبيعة البشرية فقط، إنما الطبيعة البشرية متحدة بالطبيعة الإلهية، فأعطت للفداء قيمة وفعالية غير محدودة.
أيضا من الشروط أن يكون خالق.. لماذا؟.. لأن فساد الطبيعة يحتاج إلى تجديد الخلق مرة أخرى، ومن الذي يجدد هذه الخلقة سوى خالق، لا يصلح الإنسان أن يجدد طبيعة إنسان آخر ويخلقه من جديد، والمخلوق عبد ونفس هذا العبد المخلوق ليست ملكا له بل ملك لله ولا ينفع أن يقدمها عن آخرين ولا حتى عن نفسه بالتالي.
أيضًا مطلوب من ضمن صفات الفادي أن تكون له محبة عظمى، حتى يقبل أن يبذل نفسه عن كل البشر “ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يبذل نفسه فدية عن آخرين”.
هل كان يصلح نوح البار في جيله أو متوشالح الاطول عمرًا أو ابراهيم خليل الله أو داود الذي كان حسب قلب الله.. كل هؤلاء مخلوقين وخطاه ومحكوم عليهم بالموت ويحملون طبيعة فاسدة وطبيعة محدودة ولا يملكون حتى انفسهم، والحيوانات لا تصلح لأنها لا تملك روح، والملائكة لا تصلح لأنها لا تملك جسد.
سؤال آخر.. لماذا لم يتجسد أقنوم الأب ومات على الصليب؟ أو لماذا ليس أقنوم الروح القدس؟.. لأن أقنوم الابن هو اقنوم الحكمة أي عقل الله الناطق فيكون وسيلتنا لدى الاب وثانيا لأن الابن هو الخالق “كل شيء به كان” وبالتالي هو من يجدد الخليقة التي فسدت.
أما عن نتائج الفداء وبركات الفداء.. مقابل الموت الروحي بسبب السقوط تم صلح وسلام، مقابل الموت الأبدي وهبت حياة أبدية، مقابل الموت الأدبي الذي هو الخطية أصبح يوجد غفران وتقديس وتطهير “دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية” (1 يو 1: 7).
وحدث التبرير.. ويوجد فرق بين لفظ التبرير ولفظة التبرئة، فالذي فعله المسيح في الفداء أنه بررنا ولم يبرئنا، فبرئنا معناها أنه أتضح اننا لم نكن مخطئين والرب أعتذر لنا!، أما التبرير فيعني أننا مخطئين لكن الله سيحمل عنا وزر الخطية وهو سيدفع الثمن “لكن اغتسلتم، بل تقدستم، بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا” (1 كو 6: 11).. إذن ما فعله السيد المسيح هو التبرير، نحن متبررين بدمه وصليبه، ولكن التبرير ليس بالإيمان وحده ولا بالنعمة وحدها بل أيضًا بالمعمودية والأعمال الصالحة والتوبة.
ويوجد جانب بشري مهم.. التبرير ليس مرة واحدة بل نحتاج إليه طول العمر من خلال الوسائط والأسرار والجهاد، وغفران الخطايا لا يتوقف بعد المعمودية، فخطية أدم تغفر في المعمودية، وبعد المعمودية نحن قابلين للخطية ولكن يوجد لها دواء، والقديس بولس الرسول قال ذلك “لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية” (عب 12: 4)، وحينها كان يتحدث مع أناس مسيحيين متعمدين، ويتكلم أيضًا عن أناس كانوا معه وتركوه وتركوا المسيح، وفي عبرانيين 6 ذكر أن البعض بعدما استنار وذاق الموهبة السمائية قد سقط.
التقديس والتوبة والتناول وسكنى الروح القدس بالميرون مهم جدًا من أجل خلاص الانسان حتى بعد المعمودية، أخوتنا البروتستانت ينكرون ذلك ويقولوا يكفي أن يصبح الشخص مسيحيًا، وحتى المعمودية لديهم شيء روحي رمزي، فلديهم الشخص يقبل المسيح بدون جهاد وتوبة، ونام واستريح وستذهب إلى الملكوت.
يسأل البعض أيضًا هل مات المسيح عنا؟، مات المسيح لأجلنا؟، أم مات المسيح بنا؟، فالبعض يحاول أن يشكك الناس ويقولون أن المسيح مات بنا وصلب بنا وصام بنا وصلى بنا وتجسد بنا، رغم أن ربنا يقول في (إشعياء 63) “قد دست المعصرة وحدي، ومن الشعوب لم يكن معي أحد”.. وجسد البشر خاطئ فيكيف يفدي كما سبق وقولنا، واذا مات البشر عن البشر يكون الامر استحقاق وليس فدائا، فإذا شخص مات عن شخصه فتكون عقوبته هكذا، وإذا مات عن شخص آخر فيكون استحقاق نتيجة خطأ لكنه ليس فداء، فالفداء هو شخص بار يموت عن شخص خاطئ.
نحن مدفونين معه بالمعمودية.. فيقول أحدهم أن القديس بولس قال “مع المسيح صلبت”، إذن لماذا تحتاج للتعميد إذا كنت صلبت؟ واشتركت مع المسيح في الفداء! .. مع المسيح صلبت تعني انني اشتركت في آلام المسيح أي تألمت من اجل المسيح والصلب يعني فيما يعنيه انكار الذات وتقديم الذات عن الاخرين، وهو المقصود أيضا ب”شركة الامه” أي أتألم مع الفقراء وأشعر بهم كآلام مع المسيح، أضبط نفسي هو شكل من اشكال التألم مع المسيح، التألم في الجهاد ضد الشهوات، وأيضًا يقول “قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” هذا موضوع بعيد تماما عن الفداء، هذا حديث عن أناس في جهادهم.
أيضًا المسيح لم يصعد بجسد كل الخطاة لأن كل الخطاة لم يتوبوا بعد، لأنه لو كنا كلنا صلبنا مع المسيح فنكون كلنا معه فوق لماذا نحن هنا حتى الآن؟ المسيح لم يصعد إلا بجسده فقط الذي اخذه وافتدانا به، “الذي يؤمن بالابن له حياة ابدية” والبعض لم يؤمن حتى الآن، والذي يبرر هذا باننا نموت في المسيح بالمعمودية.. يوجد فرق بين الصليب والمعمودية.
كان يوجد شخص في القرون الوسطى يدعى أنسلم كان رئيس أساقفة كانتربري، فكره ليس بخطأ ولكنه ناقص، وهو أن موت المسيح كان لإيفاء العدل الالهي فقط ويقدم هذا الفداء على انه فادي وفدية وبشر يستخلصون من يد الشيطان، وقدمها بطريقة أحيانا تثير الاستخفاف أو الضيق، وكأن ربنا دفع فدية للشيطان واستخلص أولاده من الشيطان، فيكون فيها إهانة لله.
اللاهوت الشرقي يعلم بأن السيد المسيح بتجسده وفدائه جدد الخليقة وارتبط بها لنصبح نحن شركاء الطبيعة الإلهية،.. ويوجد فرق بين شركاء الطبيعة الإلهية وشركاء في الطبيعة الإلهية، فنحن لسنا شركاء في الطبيعة الإلهية، نحن لم نصر آلهة، إنما شركاء الطبيعة الإلهية بالمصاحبة، أخذنا بعض من صفات الله كالقداسة والبر، لكن لم نصبح آلهة.
فيقول البعض أن الكتاب يقول “أنا قلت انكم آلهة وبني العلي تدعون” حسنًا وربنا أيضًا قال لموسى :”أنا جعلتك إلها لفرعون”، إله هنا بمعني سيد، “الله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضي” هنا الآلهة بمعنى القضاة الذين يحكمون بأوامر الله، فهو الحاكم الفعلي وهم الصورة المنظورة أمام البشر.
فكرة أنسلم هذه لا تجعل هناك اهمية للقيامة، وتجعل القيامة هامشية وهذا ما يجعل كثير من أخوتنا الغربيين لا يهتموا كثيرًا بالقيامة بل يهتموا بالتجسد، رغم أن القيامة هي أعظم فعل خلاصي، وأعظم حدث قدمه السيد المسيح، وهو العمود الفقري للمسيحية، والعمود الفقري للكرازة بالمسيح، لأنه إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل ايضًا إيماننا، فهل سنكرز بإله مات لا يستطيع ان يقيم نفسه.
والقديس أثناسيوس الرسولي يقول “لأن الكلمة سر أن يولد ميلادًا انسانيًا، لكي يعيد خلق الإنسان من جديد في ذاته صائرًا صورة ومثالًا للتجديد، لكي تشترك فيه صنعة يديه التي فسدت بالشر والفساد والموت، فأزال من على الأرض حكم الخطية، وعلى خشبة الصليب ازال اللعنة، وفي القبر افتدى الفاسد، وفي الجحيم أباد الموت، وهكذا افتقد كل مكان وكل حالة لكي يؤسس خلاص الانسان كله، ويعلن بذلك صورة جديدة لطبيعتنا، ما الحاجة التي دعت ابن الله أن يولد من امرأة وينموا خالق كل الدهور شبهه البشر قليلا قليلا، ويحسب عمره كالسموات أو يختبر الصليب والقبر والجحيم ولكن لأننا نحن البشر الذين خضعنا لكل هذا فاجتاز هو أيضًا كل هذا لأنه يطلب أن يخلصنا فأعطانا الحياة الجديدة في صورته الكاملة لكي نتشبه به”
نحن في كل يوم، وفي كل صلاة، نقدم تمجيد لله لأنه مات عنا، ونحن مديونين بحياتنا لربنا، وكل دقيقة من حياتنا هي ملك لله، وذلك مثل أب حُكم على ابنه بالموت، فقبل ان يموت عن ابنه، وفي الطريق كان الابن يشيع اباه لمكان الموت فاحتضنه ابيه وقبله، وقال له: أنا سعيد اني سأموت عنك ولكن لي وصية واحدة.. كل دقيقة ستعيشها ليست ملكك بل هي ملكي، فعيشها كما أردت ان أعيش.. عيشها في بر وقداسة.