الإيمانالبابا شنودة الثالثالحياة الروحيةالكنيسةتأملات روحيةموضوعات مسيحية

هل يعرف القديسين والمنتقلين حالتنا على الأرض؟!.. إجابة معزية للبابا شنودة الثالث

هل يعرف الملائكة والقديسون حالتنا على الأرض؟:

هناك سؤال هام كثيرًا ما يقدمه منكروا الشفاعة وهو:

هل يعرف الملائكة والقديسون حالتنا علي الأرض؟

ونجيب علي هذا السؤال بنعم. أما الأدلة فهي:

أ- لا شك أن معرفة السماء أكثر من معرفة الأرض.

لذلك من المذهل أن يسأل أحد: هل القديسون في السماء يعرفون أخبارنا وصلواتنا علي الأرض؟

هوذا بولس الرسول يجيب ويقول “فإننا ننظر في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهًا لوجه، الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عرفت” (1كو12:13).

إذن معرفتنا في العالم الآخر ستزيد، وستنكشف لنا أسرار كثيرة عندما نخلع هذا الجسد المادي الذي يقيد الروح، حينئذ، هناك ستتسع معرفة الروح، وستخرج من نطاق (بعض المعرفة) إلي مجال أوسع.

يضاف إلي هذه المعرفة، ما يعلنه الرب للأرواح، أي ما يدخل في نطاق الكشف الإلهي.

ب- معرفة الملائكة واضحة من قول الرب أنه “يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من 99 بارًا لا يحتاجون إلي توبة” (لو10:15).

ومعني هذا أن أخبار الأرض تصل إلي سكان السماء، سواء كانوا ملائكة أو أرواح قديسين. فيعرفون من يتوب، ومن لا يحتاجون إلي توبة، ويسرون لتوبة الخاطئ لأنهم إن كانوا لا يعرفون فكيف سيفرحون؟!

ج- الملائكة تعرف صلواتنا، لأنها تحمل صلواتنا إلي عرش الله.

والشهادات كثيرة علي هذا في سفر الرؤيا.

ورد في سفر الرؤيا (8: 3-5): “وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب، وأعطي بخورًا كثيرًا لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم علي مذبح الذهب الذي أمام العرش، فصعد البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله”.

وهنا تري صلوات القديسين تصعد أمام الله، من يد الملاك ومبخرته. فكيف لا يعرفها..؟

وكما يعرف الملائكة صلواتنا ويعرفونها، كذلك الحال أيضًا بالنسبة إلي الأربعة والعشرين قسيسًا:

ورد في (رؤ8:5) عن الأربعة والعشرين قسيسًا: (ولهم كل واحد قيثارات، وجامات من ذهب، مملوءة بخورًا هي صلوات القديسين، داخل مجامرهم يرفعونها إلي الله. وهذا دليل علي معرفتهم لهذه الصلوات التي يرفعونها إلي الله . ولا شك أنه مما يمكن أن يقال أيضًا ذكر “ملائكة الأطفال” حيث قال الرب: “أنظروا لا تحتقرا أحد هؤلاء الصغار، لأني أقول لكم أن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون إلي وجه أبي الذي في السموات” (مت10:18)

د- مثال آخر هو قصة إبراهيم والغني ولعازر (لو16).

قال أبونا إبراهيم للغني “اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا” (لو25:16). فمن أين عرف أبونا إبراهيم البلايا التي احتملها لعازر المسكين، ومن أين عرف تَنَعُّمات الرجل الغني؟ وكيف قال عن أهل الغني انه “عندهم موسى والأنبياء”، بينما أبونا إبراهيم انتقل من الأرض قبل موسى بمئات السنين، وقبل باقي الأنبياء، ولكنه عرف هذا كله؟ وكيف لا يعرف إبراهيم، وهو الذي قال عنه الرب “رأي يومي ففرح” (يو56:8).

هـ- شهادة من أنفس الذين استشهدوا:

يقول القديس يوحنا في سفر الرؤيا (6: 9-11).إنه لما فتح الختم الخامس، رأي نفوس الذين استشهدوا تحت المذبح، يصرخون بصوت عظيم قائلين “حتى متى أيها السيد القدوس والحق، لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين علي الأرض؟ فأُعْطِيَ كل واحد ثيابًا بيضًا، وقيل لهم أن يستريحوا زمانًا قليلًا حتى يَكمَل العبيد رفقاؤهم” سلسلة الشهداء..

إذن فهؤلاء قد عرفوا -بعد وفاتهم- أن الرب لم ينتقم لهم بعد. وهو يصرخون إلي الله: إلي متى يترك الشر ينتصر في الأرض؟ وإلي متى تترك الأقوياء بالجسد يحطمون أولادك؟ وإلي متى سيسفكون هذه الدماء؟

فمن أين لهؤلاء أن يعرفوا كل هذا؟

أنهم يعرفون. وعندما سيكمل العبيد رفقاؤهم، سيعرفون..

قصة عجيبة عن إيليا النبي (2أي21).

تروي القصة أن يهورام الملك قتل جميع أخوته، وسلك في الفساد في طريق آخاب الردية، وأقام مرتفعات للأصنام، وعمل الشر في عيني الرب..

وإذ بكتابة من إيليا النبي تصل إليه.. كان إيليا قد ترك الأرض، وصعد إلي السماء منذ سنوات خلت.

أتت إليه كتابة من إيليا النبي تقول: “هكذا قال الرب إله داود أبيك: من أجل أنك لم تسلك في طريق يهوشافاط أبيك وطرق آسا ملك يهوذا، بل سلكت في طرق ملوك إسرائيل.. وقتلت أيضًا أخوتك من بيت أبيك الذين هم أفضل منك، هوذا الرب يضرب شعبك وبنيك ونساءك وكل مالك ضربة عظيمة..” (2أي21: 12-14).

كيف حدث كل هذا، وكيف عرف إيليا كل هذه الأخبار بعد انتقاله من الأرض؟ وكيف أرسل كتابه إلي يهورام ينذر فيها بأن الرب سيضربه وأهله وشعبه ضربة عظيمة بسبب خطاياه..؟

هل بعد هذا نتكلم عن معرفة القديسين؟

اقرأ أيضًا: هل نعرف بعضنا بعضا في السماء؟!.. سؤال متكرر يجيب عنه القديس حبيب جرجس

أمور تشرح عظمة القديسين ومعرفتهم ورسالتهم:

أ‌- صموئيل النبي في حياته استشير في موضوع الأتن الضائعة (1صم9). وقيل: “هوذا رجل الله في هذه المدينة، والرجل مكرم. كل ما يقوله يصير. لنذهب الآن إلي هناك لعله يخبرنا عن طريقنا التي نسلك فيها” (1صم9-6).

فإن كان رجل الله -وهو علي الأرض- يكشف له الله الخفيات.. فكم بالأولي حينما يكون بالروح طليقة في السماء، مع الله؟!؟

ب‌- لقد عرف إليشع -وهو علي الأرض- بما فعله جيحزي في الخفاء، حين أخذ هدايا من نعمان السرياني (2مل5: 15-27).

ج- وقال عنه واحد من عبيد ملك آرام لسيده الملك “إليشع النبي الذي في إسرائيل، يخبر ملك إسرائيل بالأمور التي تتكلم بها في مخدع مضجعك” (2مل12:6).

د- وقد عرف أليشع في الخفاء أيضًا -في وقت المجاعة- أن ملك إسرائيل قد أرسل رسولًا يقتله (2مل32:6).

فإن كان إليشع -وهو في الجسد- له هذه الموهبة التي يعرف بها أشياء في الخفاء، فكم بالأولي تكون معرفته بعد خلع الجسد، وهو في السماء.

هـ- بنفس الوضع عرف القديس بطرس الرسول بما فعله حنانيا وسفيرا في الخفاء، وأعلن ذلك لهما وعاقبهما ( أع 5:3، 9).

و- كذلك عرف القديس بولس الرسول بأنه بعد ذهابه ستدخل بين أهل أفسس ذئاب خاطفه لا تشفق علي الرعية (أع29:20).

فإن كان الرسل يعرفون هذه المعرفة وهم على الأرض، فكم بالأولي سيكشف الله لهم في السماء؟!

إن هؤلاء القديسين لهم معرفة ولهم رسالة من أجل الناس. كما أن حياتهم التي كانت علي الأرض، لم تنته بذهابهم إلي السماء.

ونحن نطلب تدخلهم أكثر مما نطلب من الذين يجاهدون مثلنا علي الأرض ولم يصلوا بعد..

أمثلة أخري عن عظمة هؤلاء القديسين:

أ- إن كانت عظام إليشع النبي. قد استطاعت أن تعمل عملًا، وتكون بركة لقيام ميت، بمجرد الملامسة، بدون صلاة، وهي عظام لا روح فيها (2مل21:13). فكم بالأكثر إذن تكون روح إليشع، ولا شك أنها أقوي من عظامه قدرة، ومعرفة، وحياة، ودالة عند الله! وكم تكون إذن أرواح أمثال إليشع من القديسين.

ب-  إذا كانت المناديل والعصائب التي علي جسد بولس الرسول لها بركة لشفاء المرضي وإخراج الأرواح الشريرة (أع13:19) فكم بالأولي روح بولس الرسول وأرواح أمثاله من القديسين.

القديسون الذين انتقلوا، مازالوا أحياء:

وقد شرح الرب ذلك بقوله للصدوقيين “أما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب. وليس الله إله أموات بل إله أحياء” (مت22: 31، 32).

إذن هؤلاء القديسون لا يزالون أحياء. لماذا نعتبرهم موتي فلا نطلب صلواتهم؟!

لا ننسي أيضًا ظهور موسى وإيليا مع الرب علي جبل التجلي – موسى هذا الذي كان قد مات بالجسد منذ حوالي أربعة عشر قرنًا، هو ما يزال حيًا مع الرب تمامًا مثل إيليا الذي صعد إلي السماء. إن أرواحهم لم تمت بل هي في الفردوس وهي تري أكثر مما نري نحن.

نقلا عن موقع St-Takla.org
من كتاب “اللاهوت المقارن” للبابا شنودة الثالث

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى