التاريخ الكنسيالحياةثقافة وفنونمختاراتمقالات رأيموضوعات مسيحيةمينا المصري

فيلم قبطي رائع عن قديس سرياني عظيم

 

بقلم: مينا المصري

هو أنضج فيلم قبطي رأيته حتى الآن.. لأول مرة أشاهد فيلم مسيحي يهتم بقضية إيمانية هامة في مرحلة تاريخية خطيرة ومضطربة من تاريخ الكنيسة.. ويعرضها بمثل هذا العمق.. فهو ليس مجرد فيلم بسيط يحكى عن فضائل ومعجزات أحد القديسين وأنتهي الأمر.. حتى المعجزات والرؤى يعرضها الفيلم بصورة منطقية بعيدة عن أي طرح ساذج أو مفتعل.. وكذلك تخلو معظم الحوارات في الفيلم من الكليشيهات المكررة.. ولا يظهر معظم الأشرار في الفيلم بتلك الطريقة النمطية الهزلية التي تم استهلاكها في كثير من الأفلام من قبل.. وحتى الأبرار والقديسين رأيت فيهم ذلك الضعف الإنساني الطبيعي الذي لا ينفى عنهم قداستهم ولا ينكر قوتهم وجهادهم.

الفيلم لا يعرض سيرة القديس البطريرك الأنبا ساويرس الأنطاكي بقدر ما هو مهتم بتسجيل دوره وجهاده لحفظ الإيمان المستقيم في زمن صعب.. وفى عصر هبت فيه الأعاصير القوية التي أثارها أتباع نسطور على أنطاكية بعد مجمع خلقيدونية.. في محاولة منهم للقضاء بشكل نهائي على الأمانة الأرثوذكسية فيها وفى كل الكراسي الرسولية.. وكانوا يدعون في تصلف وكبرياء أن الحق في جانبهم.. وهنا جاء القديس ساويرس البطل ليدحض تجاديف المبتدعين التي تسببت في قلق وانزعاج للكنيسة.

هو فيلم عقيدي بالدرجة الأولى.. ويحمل رؤية عميقة منحازة بوضوح لإيمان الكنيسة المستقيم.. ولكنه مع ذلك لا يغفل الجانب الروحي أبدًا.. ويتحدث بالتفصيل عن حيل الهراطقة ومداهنتهم.. ويكشف أساليبهم المراوغة والملتوية في نشر أفكارهم المبتدعة بين صفوف الشعب ورهبان الأديرة ورتب الإكليروس.. من خلال الفيلم نتعرف على معنى وقيمة تعاليم الكنيسة التي يجب أن نكون أمناء عليها.. وعن حتمية الإيمان المستقيم للخلاص.. ويشرح لنا طريق الخلاص الذي يبدأ بالمعمودية.

الفيلم أيضًا رائع من الناحية الفنية _خاصة عندما نقارنه بما قد سبق تقديمه_ ويقدم لنا متعة بصرية من خلال صورة مبهرة ومختلفة عما أعتدنا عليه من قبل.. واختيار موفق لمعظم اللقطات وزوايا التصوير.. وديكورات جميلة في المشاهد الداخلية.. ومواقع تصوير مناسبة إلى حد كبير في المشاهد الخارجية.. وموسيـقى تصويـريـة سـاحرة تم توظيفها بشكل رائع.. ومهارات جيدة في الأداء التمثيلي لمعظم الأدوار.. ودقة في المونتاج.. وحرفية عالية في الإخراج.

عندما رأيت البرومو الدعائي للفيلم أعجبت به.. ولكنى شعرت بالقلق.. فقد خشيت أن يظهر في الفيلم كل الأحداث التي مرت على القديس ساويرس من مناظرات ولقاءات ومعجزات ورؤى بشكل قد يجعلها حمل ثقيل على مغزى وهدف الفيلم الأساسي.. ولكنى رأيت أن الكاتب أختار بعناية الأحداث التي سيرويها.. ورتبها في مشاهد متتابعة تمضي بشكل سلس يزيد من التشويق لمتابعة أحداث الفيلم حتى نهايته.

كنت أتساءل أيضًا كيف سيعبر لنا الفيلم عن فترات ومواقف كثيرة في سيرة القديس ساويرس.. مثل الفترة التي درس فيها علوم اللغة والبيان والمحاماة قبل عماده.. فترة رهبنته ونموه الروحي.. الرؤيا التي رآها الأب رومانوس عن دور القديس ساويرس في مواجهة أعداء الكنيسة.. والمناظرات اللاهوتية الصعبة بين القديس ساويرس والهراطقة في القسطنطينية.. فهذه الحوارات اللاهوتية المعقدة كانت كفيلة وحدها بأن تجعل الفيلم مملًا وثقيلًا على ذهن المشاهد البسيط.. وتمنيت قبل المشاهدة أن تكون الحوارات بسيطة في طريقة العرض والتقديم.. وفى نفس الوقت لا تفقد عمقها ولا يأتي التبسيط على حساب المعنى اللاهوتي أو على حساب دقة التعبير.. وعندما شاهدت الفيلم وجدت ما كنت أتمناه وأكثر!.. فقد قام الفيلم بشرح العقائد اللاهوتية بشكل مميز وإبداعي.. ومع تصاعد الأحداث في الفيلم خشيت أن ينحدر مستوى الفيلم مع نهايته.. ولكن لم يخذلني صناع الفيلم.. وكان الإتقان هو سمة الفيلم بكل مراحله وحتى نهايته.

في مقدمة الفيلم تم ذكر أنه قد تم تصويره في عهد مثلث الطوبى المتنيح البابا شنودة الثالث.. وبصلوات قداسة البابا تواضروس الثاني.. وقد قدم الفيلم نيافة الأنبا رافائيل وأشاد به وبالقائمين عليه ووصفه بالعمل الفني الرائع.. وتحدث عن أهمية القديس ساويرس الأنطاكي في الكنيسة القبطية لدرجة أنها تذكر أسمه في مجمع القديسين في القداس الإلهي بعد اسم القديس مار مرقص الرسول مباشرة.

تحية صادقة من القلب لكل القائمين على هذا العمل من فنانين وفنيين.. وتحية خاصة لمن قام بإنتاج الفيلم والإنفاق عليه لحرصهم على أن يظهر بهذه الصورة الرائعة.. وبالطبع تحية خاصة لكاتب ومخرج الفيلم.. وبالحق أن كل من أشترك في هذا الفيلم قام بخدمة حقيقية ل “كنيسة الله الحي عامود الحق وقاعدته” (1تيموثاوس 3: 15).

وكم نتمنى المزيد والمزيد من مثل هذه الأفلام.. الجادة في مضمونها.. العميقة في طرحها.. المبهرة فى صورتها.. البعيدة عن التوجهات المائعة.. الأمينة على تعليم الكنيسة وعلى “الإيمان المسلم مرة للقديسين” (يهوذا 1: 3).

ومن المهم أن يحرص جميع الشعب.. وخاصة الشباب.. والخدام منهم بالأخص.. على مشاهدة هذا الفيلم.. والتأمل فيه.. والاقتداء بسيرة وإيمان ومنهج حياة هذا المجاهد العظيم.. القديس الأنبا ساويرس الأنطاكي.. بركة صلاته وشفاعته تكون معنا. آمين

لمتابعة الكاتب على فيسبوك

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى