التاريخ الكنسيالقمص أنجيلوس جرجسالكنيسةموضوعات مسيحية

القمص أنجيلوس جرجس يرصد: دخول الطوائف إلى مصر وتمسك الأقباط بالأرثوذكسية

رأينا في المقال السابق حالة الكنيسة الغربية وكيف صار الانشقاق بعد خلقيدونية من كنائس خلقيدونية، وهي التي تبنت إيمان ” لاون ” بطريرك روما الذي كان ينادي بأفكار نسطورية ورفضته كنيستنا، وسفك دم شعبنا وقديسينا حتى يظل الإيمان المسلم بلا تغيير ولا دنس. ولكنهم وفي القرن العاشر انشق منهم الكاثوليك بعد أن أعلنوا بدع أخرى وأفكار جديدة لم يسلمها لنا الآباء.

ودخلت كنيسة روما في السلطة المدنية والسياسية وخاضت حروب وسفكت دماء حتى تضمن ثبات العرش الباباوي. ولكن اندلعت حركات سياسية واجتماعية رافضة هذا السلطان وبالتالي كسرت صورة الكنيسة التي تراها تحمل الفساد والظلم والقهر.

وانتهت هذه الحركات الثورية إلى خروج طائفة جديدة وهي البروتستانتية التي قامت على حرية العبادة دون التقيد بتقليد إيماني أو رسولي، وبذلك فتحت المجال لانشقاقات لا تزال تتوالى حتى اليوم.

ولكن كانت كنيستنا ثابتة في إيمانها وتمسكت بكل حرف تسلمناه من مارمرقس وآباءنا العظام، إلا أن محاولة الكاثوليك وكرسي روما في التدخل في إيماننا وكنيستنا لم تنتهي، بل كلما ترى روما حال القهر والاضطهاد للأقباط تنفتح شهيتهم لالتهام كنيستنا وإدخالها تحت سلطانهم، متخيلين أننا حينما نواجه اضطهادات نكون ضعاف ونقبل بحمايتهم ولا يدركوا أن الأقباط وقت الاضطهادات أقوى وأشد عمقاً ولا يهتموا إلا بإيمانهم وعقيدتهم، كما قال أبينا “قداسة البابا شنودة الثالث” : “كل قبطي وديع إنما في الحق ضيغم”.

وفي عام 1583م وفي حبرية ” البابا يؤانس ” البطريرك الرابع عشر كان الأقباط يتعرضون لأشنع صور الاضطهادات مع الاحتلال العثماني أرسلت روما وفداً للبابا يعرضون عليه الحماية مقابل موافقته على الدخول تحت سلطان كنيسة روما. وكان ” البابا يؤانس” شيخاً بسيطاً وقد هاله ما يحدث لأولاده من الاضطهادات فقال لهم: “نعرض الأمر على المجمع المقدس لأن هذا الأمر لا يمكن إلا بقرار إجماع من المجمع المقدس”، وجاءوا وعرضوا على المجمع المقدس في وجود “البابا يؤانس” فهاج المجمع وصرخ في وجه البابا ووفد روما وقالوا: “إننا مستعدون أن نموت نحن أيضاً مثل آباؤنا ولا نسلم إيماننا للهراطقة، ولا يمكن أن نفرط في إيماننا أبداً”. وانصرف الوفد الروماني وعنف المجمع البابا على مجرد موافقته أن يعرض هذا الأمر على المجمع، وتنيح البابا بعدها بأيام قليلة.

وفي عام 1603م أرسل بطريرك روما البابا “سيكستوس الخامس ” إلى البابا “غبريال الثامن” وفداً وقالوا له: “نتابع ببالغ الأسى ما تتعرض له كنيستكم والأقباط من اضطهادات ونحن نعرض عليكم حمايتنا مقابل خضوعكم لسلطان الكنيسة الكاثوليكية”. فرد عليهم “البابا غبريال” وقال: “حين نشعر بأن رب الكنيسة قد تخلى عنها سنلجأ إلى بابا روما لكي لا يتخلى هو عنها. أما نحن فلا نزال مستعدون أن نموت ولا نفرط في الأمانة الأرثوذكسية تحت أي اضطهاد”.

وفي عام 1769م أيام البابا “يؤانس الثامن عشر” سعى بابا روما لاجتذاب الأقباط فقد تعلم الدرس التاريخي أن الأقباط شعب وأكليروس متمسكون بالإيمان الأرثوذكسي، فظن حين يخاطب الشعب نفسه قد ينجح، فطبع كتاب عن الإيمان الخلقيدوني ووزعه على الشعب، ثم أرسل وفداً للبابا يؤانس يدعوه إلى الدخول تحت رئاسته والموافقة على خلقيدونية، وكان معهم رسالة مكتوبة فيها الإيمان الخلقيدوني محاولين إثبات أن هذا هو الإيمان السليم. فكلف البابا “الأنبا يوساب الأبح ” للرد على الأفكار الخلقيدونية التي في الكتاب.

وبعدما كتب الرد وأرسلها إلى بابا روما مع الوفد طاف “الأنبا يوساب الأبح” والبابا “يؤانس الثامن عشر” كل مصر يفندوا هذه الأفكار ويثبتوا الشعب على الإيمان الأرثوذكسي، ويحذروا من الفكر الغربي الكاثوليكي الخلقيدوني، وكتب الأنبا يوساب كتاب اسمه “سلاح المؤمنين” فيه الردود على هذه الأفكار.

وفي عصر البابا “يوحنا السادس عشر” البطريرك 103 حضر إلى مصر عام 1692م قنصل فرنسي اسمه “مولييه” وكان قد سبقه إرساليات لاتينية أرسلها بابا روما محاولين جذب الأقباط إلى إيمانهم الكاثوليكي، وكتب القنصل كتاب عن الأقباط قال فيه: “مع أن المرسلين اللاتين على درجة عالية من الجدارة إلا أنهم لم يستطيعوا أن يجذبوا ولا واحد من الأقباط رغم طول بقائهم بينهم، وعملوا كل ما في وسعهم إلا أنهم لم يقدروا على أقناعهم حتى بالحيلة التي وجدوا أنها قد تنفع مع البسطاء، وهي أنهم وزعوا صدقات نقدية على من يحضر إلى كنيستهم، وبالفعل حضر البعض ولكن ما أن توقفوا عن الدفع حتى امتنعوا مبينين عدم قناعتهم بإيمانهم وكانوا لم يتركوا كنائسهم ولا عقيدتهم”.

وقال أيضاً أن “لويس الرابع ” ملك فرنسا طلب أن ينتخب ثلاثة أقباط يرسلهم إلى فرنسا ينالوا التعليم الغربي والفكر الكاثوليكي ثم يعودوا إلى مصر فلم يوافق أحداً. وبعد أن يأسوا من الأقباط تركوا مصر وذهبوا إلى أثيوبيا عام 1706م.

وأخيراً نجحوا في أن يكون لهم وجود وقت حكم “محمد علي” الذي كان يعتمد على الغرب في بناء مصر الحديثة وكان يريد أن يرسل مصريين يتعلموا في فرنسا ثم يعودوا إلى مصر. فجاءت إرساليات فرنسيسكان وجيزويت طلبوا منه أن يستخدم سلطانه في ضم الكنيسة القبطية إلى روما مقابل تعليم أي عدد من المصريين في فرنسا ومساعدته في كل أمور حكمه.
فاستدعى المعلم “غالي” الذي كان رئيس كتبة محمد علي وهو في مركز وزير للمالية وعرض عليه طلبات فرنسا والكاثوليك، فقال له غالي: “هذا الأمر استحالة أن يحدث فالأقباط مستعدون أن يموتوا ولا يفرطوا في عقيدتهم الأرثوذكسية” فغضب محمد علي وقال له: “وما الحل؟”. فعرض عليه أن يكون لهم كنائس في مصر وأن ينضم هو وعائلته ويحاول أن يقنع البعض للانضمام إليهم بصورة فردية.

وبالفعل بنيت كنائس لهم في الظاهر وانضم هو وابنه باسيليوس وعائلته للكاثوليك وقتل المعلم غالي عام 1822م. ولكن بدأوا في عمل مدارس ومستشفيات في الأماكن الفقيرة في الصعيد، وأصبح لهم بطريرك قبطي كاثوليكي وهو “كيرلس مقار” عام 1899م وطاف الصعيد يحاول أن يقنع العائلات بالدخول إلى الكاثوليكية وأرسل بابا روما منشور مع كيرلس مقار يقول فيه: “أن الديانة المسيحية تقوم على مبدأين المسيح وبابا روما نائبه فيجب أن تدخل إلى الطائفة الكاثوليكية حتى تدعى مسيحياً”.

فنهض البابا “كيرلس الخامس” وكتب منشوراً للكنائس يحذر فيه الأقباط من فساد هذا التعليم، ونهضت الكنيسة القبطية لتحافظ على الإيمان المسلم لنا الأرثوذكسي نتيجة هذه الأنشطة الغربية الكاثوليكية وسط شعبنا البسيط.

فمن أنخدع وأنضم إليهم لم يكن لأجل الإيمان ولكن لأجل الأعمال الاجتماعية والخيرية وخاصة أنهم صنعوا نفس صورة الكنيسة القبطية والطقس القبطي حتى ينخدع هؤلاء البسطاء.

وفي بداية القرن التاسع عشر في حبرية البابا “كيرلس الرابع” أرسل بابا روما وفداً يدعون فيه الكنيسة القبطية للدخول في سلطان روما نظراً لضعف انضمام الأقباط للكاثوليك. وحين دخلوا الكاتدرائية وجدوا البابا كيرلس واقف وسط العمال الذين كانوا يقومون بالبناء، وقد سألوا على البابا فأحضروهم. وعرضوا عليه ما يريده بابا روما، فأجابهم البابا كيرلس: “الحقيقة أنا مشغول في بناء الكنيسة وقد نفذت الأموال، وأحبائي أشاروا عليّ أن أحذوا حذو بابا روما وأبيع صكوك الغفران حتى أحصل على الأموال. فأخذت أبحث في الإنجيل عن آية تبرر هذا العمل فلم أجد، وبما أنكم أتيتم هل يمكن أن تدلوني على آية في الإنجيل تساعدني كما فعلتم في روما” فسكت الوفد ولم يجب البابا وانصرفوا دون أي كلمة.

وفي عهد البابا” شنودة الثالث ” عرض البابا “بولس” عليه نفس العرض في مقابل أن يكون للبابا شنودة الرئاسة على كل أنشطة الكنيسة الكاثوليكية من جمعيات ومدارس وهيئات ورفض أيضاً.

أما البروتستانت فقد كان وجودهم من خلال إرساليات بدأت في عام 1854م حين أرسلت الكنيسة المشيخية في شمال أمريكا إرسالية وأقاموا كلية للاهوت البروتستانتي لم يدخلها أحد وأغلقت.

ثم جاء القس ” ماكينج ” وزوجته وسكنا بأرض الجنينة بالموسكي وأقاموا كنيسة بمنزلهم، وانضم لهم خمسة أفراد ثم صاروا عشرين فرداً، وأسسوا أول كنيسة إنجيلية بمصر بالموسكي عام 1860م.

ثم جاء في نفس السنة إرسالية من أمريكا إلى الإسكندرية دكتور “لانسن” ومعه من اسكتلندا “هوج” ولم ينضم لهما أحد فطافا البلاد وأقاموا مركز لهم في أسيوط، وكان “هوج” يذهب إلى القرى ويقنع البسطاء أنه سيذهب معهم إلى الكنيسة يوم الأحد ويصلي معهم وبعد هذا يأخذهم إلى بيته ويعظهم. وبعد فترة أقنعهم بأن الأيقونات حرام وأنها عبادة أوثان وقاد مجموعة وذهبت إلى الكنائس وحطموا الأيقونات والمذابح.

ووصل الخبر للبابا “ديمتريوس” الثاني فشكا إلى الخديوي الذي أمر بترحيلهم ولكن تدخل قناصل الدول الأوروبية فلم يرحلوا، بل جاءت إرساليات أخرى تساعدهم فأقاموا مدارس وملاجئ ومستشفيات وانتشر الفكر البروتستانتي في وسط البسطاء في قرى الصعيد.

وفي عام 1896م كانت في مصر 168 مدرسة تابعة للإرساليات البروتستانتية.

وبالرغم من الأموال والمدراس والإرساليات وكل هذا إلا أن هذه الطوائف لم تنجح في اجتذاب إلا نسبة قليلة من الشعب القبطي الذي لا يزال أغلبيته أرثوذكس رافض أي مساس بعقيدته وهويته وكنيسته. ولكن في السنوات السابقة القليلة تغيرت خططهم فقد وجدوا أن هدم الكنيسة الأرثوذكسية يجب أن يكون من الداخل فجندوا أشخاص يحملوا الفكر الغير أرثوذكسي وأصبحوا خدام ورهبان ورتب كنسية لكي يزعزعوا الكنيسة من الداخل. ولكن كما كان الشعب قديماً رافضاً أي تغيير في عقيدته وإيمانه ورفض الدخلاء في كنيستنا هكذا أيضاً يفرز الشعب هذا الفكر ويرفض الخضوع والخنوع لأي فكر غريب أو تغيير في إيماننا أو عقيدتنا أو طقوسنا أو هويتنا.

تابع صفحة الشجرة المغروسة على فيس بوك لتتابع كل جديد

تابع حسابنا على تويتر لتصلك موضوعاتنا الجديدة هناك بشكل يومي

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى