القمص أنجيلوس جرجس يرد على هرطقة رفض وراثة الخطية الأصلية

الرد على هرطقة رفض الخطية الجدية:
كل المشاكل اللاهوتية والهرطقات التي كانت في عصور قديمة وقتلت بحثاَ الشيطان يعيدها مرة أخرى هذه الأيام، قد يكون المناخ مناسب أن هناك تساهل قدام الأفكار، أو سطحية وأنه من السهل طرح أي أفكار.
فكرة رفض وراثة الخطية الجدية ظهرت في القرن الخامس من راهب بريطاني يحيا في روما اسمه بيلاجيوس، والبيلاجية هرطقة مشهورة لأنها استمرت أكثر من مائة وخمسون عاماً والآباء يفندوها.
هذا الراهب كان مشتهر بنسكياته مثل أوطاخي الذي كان رئيس دير وناسك كبير، فحتى لا ننخدع، فالهرطقة وعدم الخضوع للإيمان المسلم يخرجه خارج الكنيسة مهما كان مظهره الخارجي.
بيلاجيوس استمر في نسكياته وجهاده إلى أن اقتنع أن الإنسان بطبيعته البشرية بدون النعمة يستطيع أن يصل إلى القداسة، ثم تطرف في الفكرة وقال إنه لا يوجد عمل للنعمة إلا الخلقة الأولى وغفران الخطايا، أما القداسة يستطيع الإنسان أن يصل إليها بمجهوده الشخصي. لكن الإيمان المسلم لنا إننا نحمل طبيعة فاسدة ونحمل خطية آدم.
فرفض هذه الفكرة وقال إننا لم نرث خطية آدم ولا الطبيعة الفاسدة وذكر أن المعمودية ليس لها دور في مغفرة الخطايا الجدية فبالتالي الأطفال المولودين ليسوا بحاجة إلى معمودية وأنهم يمكنهم بدون المعمودية أن يدخلوا الملكوت وبالتالي كسر فكرة الصليب والفداء مرتبط بغفران الخطية الجدية.
وللأسف المجموعة الجديدة التي ظهرت هذه الأيام تعيد هذه الفكرة بصياغة مأخوذة من لاهوت غربي حديث تقول إن المسيح على الصليب لم يكن يقدم ذبيحة لعقاب خطية آدم ولكنه الحب الإلهي الذي يحتضن الوجود الذي يفتح الباب للحياة الأبدية فقط.
لذلك القديس أوغسطينوس والقديس جيروم هاجموا البيلاجية بضراوة، فالقديس أوغسطينوس له كتب كثيرة ضد بيلاجيوس، وكتب عن عمل النعمة لأنه هو أختبر عمل النعمة.
وبيلاجيوس كان له صديق يدعى كلوستيوس وهو كان محامي مشهور، وحينما وجد بيلاجيوس الهجوم عليه شديد في روما هرب إلى فلسطين، وكلوستيوس ذهب إلى شمال إفريقيا.
منطقة قرطاجنة كانت مركز كبير للمسيحية ومن أشهرهم القديس كبريانوس، وكرسي الإسكندرية كان يمثل عمق كبير للمسيحية ويليه قرطاجنة في فترة من الفترات.
في عام 412م ذهب كلوستيوس إلى قرطاجنة ونشر فكر بيلاجيوس، فعقد مجمع وقام بحرمان كلوستيوس فهرب إلى أفسس وهناك رسم قساً رغم حرمانه.
بيلاجيوس كان قد هرب إلى فلسطين عام 415م، وجاء كاهن إسباني يدعى أورسيوس يحمل كتابات أوغسطينوس التي هي ضد بيلاجيوس إلى جيروم، فعندما قرأها أيد كلام أوغسطينوس فعقد مجمع برئاسة يوحنا الأورشليمي وحاكموا بيلاجيوس الذي أنكر أثناء المحاكمة حتى أن أوغسطينوس علق على هذا وقال: “أن المجمع حكم على الهرطقة ولم يستطع الحكم على الهرطوقي”.
وعقد مجمع أخر في قرطاجنة حرم فكر بيلاجيوس، وفي روما البطريرك أينوسنست الأول قام باستدعاء بيلاجيوس وعقد مجمع وأيد قرارات مجمع قرطاجنة وحكم بحرمانه.
ثم بعده جاء بطريرك يدعى زوسيموس الذي لم يكن يفهم في اللاهوتيات وكان فكره الإيماني ضعيف فذهب له بيلاجيوس وأقنعه أنه مظلوم فأرسل رسائل عنيفة جداً لأساقفة شمال إفريقيا كيف يحكموا على بيلاجيوس بالحرمان.
فقامت شمال إفريقيا بعقد مجمع حضره مائتين أسقف، وفي ذلك الوقت كان الإمبراطور أرثوذكسي فأرسلوا له وقالوا إن بطريرك روما يشق الكنيسة والإيمان فخاف البطريرك زوسيموس وأيد قرارات مجمع قرطاجنة بحرمان بيلاجيوس.
ثم ظهرت جماعة تحاول التوفيق بين فكر بيلاجيوس وفكر الكنيسة الأولى وراثة الخطية، وأفكارهم أطلقوا عليها النصف بيلاجية أو أنصاف البيلاجيين من ضمنهم يوحنا كاسيان فهو كتب وعلم أفكار نصف بيلاجية مثل إننا لم نرث الخطية ولكن ورثنا نتائجها، وهذا الفكر تبنته جماعة اللاهوت الشرقي الجديد.
قانون مجمع قرطاجنة: “من يقول إن الأطفال لا يحتاجون إلى معمودية، وليس هناك خطية أصلية موروثة من آدم تغسل في جرن المعمودية فليكن محروماً”. هذا هو إيمان كنيستنا.
هناك من يقول هل كنا موجودين مع آدم وحواء في الفعل، هناك أقوال آباء فهمت خطأ، فبعض الآباء قالوا لم نكن موجودين في فعل آدم ولكن ورثنا الخطية ويقصدوا بذلك لم نكن موجودين بأشخاصنا ولكن موجودين كطبيعة.
يقول البابا أثناسيوس في كتاب تجسد الكلمة: “خلقهم (آدم وحواء) على صورته وأعطاهم شركة في قوة كلمته، ولكن لعلمه أن البشر يمكن أن يميلوا إلى أحد الاتجاهين سبق فأمن النعمة المعطاة لهم (أنه أعطاهم شبهه ومثاله ولكننا أحرار) بوصية ومكان، فأدخلهم إلى الفردوس وأعطاهم وصية حتى إذا حفظوا النعمة واستمروا صالحين عاشوا في الفردوس بغير ألم ولا هم، بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء، أما إذا تعدوا الوصية وارتدوا عن الخير وصاروا أشرار فليعلموا أنهم سيجلبون حكم الموت على أنفسهم حسب طبيعتهم، ولم يحيوا في الفردوس بل يموتوا خارجاً عنه، ويبقون إلى الأبد في الفساد والموت. وموتاً تموت لا تعني بالقطع مجرد الموت فقط بل البقاء في الفساد والموت”.
ويقول أيضاً: “منذ ذلك الحين لم يبقوا بعدما خلقوا (لم يعودوا في خلقتهم الأولى) بل أن أفكارهم قادتهم إلى الفساد وملك عليهم الموت لأن تعدي الوصية أعادهم إلى حالتهم الطبيعية حتى أنهم كما وجدوا من العدم هكذا يلحقهم الفناء بمرور الزمن (أي صاروا يحملوا طبيعة قابلة للموت مثل الحيوانات)”.
الفكرة الأولى أن الطبيعة سقطت، لابد أن نفهم أن خطية آدم وحواء ليست مثل أخطأنا نحن كالكذب والسرقة ولكنها خطية طبيعة، بمعنى أنه في زمن حينما أعطاهم هذا الشبه خلقهم بهذه الطبيعة وهذه النعمة أمن هذا الشبه بأن يكونوا في الفردوس وقال له أحذر من أن تختار الموت لكن هم أحرار.
إذن هذه الخطية معناها تغيير في الطبيعة نفسها، لذلك أنا أسمى إنسان وأحمل طبيعة إنسانية التي هي على شبه آدم وحواء اللذان هم أصل الإنسانية، فالطبيعة نفسها سقطت، مثلما قال اللـه: “في البدء خلق السموات والأرض” كطبيعة، ثم يتكلم عن خلقة الإنسان، فالطبيعة نفسها هي الكيان الأصلي الذي اللـه حسب تدبيره أعطى هذه الجبلة المادية أنها بنفخة فمه تحمل شبه اللـه ثم أعطاهم الوصية حتى لا يفقدوا الشبه، وحينما فقدوا الشبه سقطت الطبيعة نفسها، لذلك تجدوا الآية الهامة في تكوين 3: 17: “وقال ملعونة الأرض بسببك” لأنها صارت طبيعتك، وصرنا نحمل طبيعة فيها لعنة.
لا يقول أحد أن حزقيال 18 يقول إن الأبناء لا يرثوا خطايا الآباء، هذا في الخطايا العادية لكن ما تم في الفردوس كان اختبار ضروري للطبيعة نفسها إما أن تستمر في الخلود أو أن تختار الموت، مثل الفرق بين حالة الامتحان وأسئلته التي بها تحددون درجات النجاح أو السقوط وبين أي أسئلة أخرى خارج الامتحان، فهذا امتحان على أساسه تحدد الطبيعة.
بدليل أن داود النبي يقول: “بالخطية ولدتني أمي” فهو هنا يتكلم عن وراثة الخطية.
وبولس الرسول يقول في (رو 5: 14): “ملك الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي”
ويقول في (رو 5: 19): “هكذا بمعصية الواحد جعل الكثيرون خطاة”.
إذن لا يقول أحد إننا لم نرث الخطية بل ورثنا النتائج، فنحن ورثنا الحالة التي هي خطية ونتائج، نحن ورثنا الفعل في الطبيعة وأيضاً النتيجة في الطبيعة، لم يخطأ آدم فردياً هو وحواء ولكن أخطأ آدم كطبيعة نحن ورثنا تلك الحالة لأننا كنا في طبيعته.
يقول بولس الرسول في (كو 2: 14): “إذ كنتم أمواتاً في الخطايا إذ محا الصك الذي علينا… الذي كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه على الصليب”.
يقول القديس كيرلس الكبير في شرحه لإنجيل يوحنا الإصحاح التاسع عشر: “نحن كنا ملعونين ومدانين بحكم اللـه بسبب تعدي آدم لأن الطبيعة البشرية قد صارت مذنبة (خاطئة، ليست نتيجة فقط) للموت بسبب تلك اللعنة القديمة لأنه سبق أن قيل لنا في أصلنا الأول (خطية آدم وحواء خطية طبيعة) أي في آدم لأنك تراب وإلى التراب تعود”
ويقول أيضاً: “آدم أصل جنسنا مات بواسطة لعنة إلهية لأن أصل الجنس البشري بسبب الخطية انتهى إلى فساد الموت وهذا الموت اجتاز إجبارياً إلينا من الجذر امتد إلى الفرع لأن الثمرة الفاسدة من الأصل فاسد”
وهذه نقطة هامة هل حين نجد ثمرة فاسدة نقول إنها ورثت النتيجة فقط؟ فهي ورثت الطبيعة نفسها الفساد والمرض الذي كان في الجذر، الخطية هي المرض. ليست نتيجة فقط لأن الخطية هي الفعل الذي به كانت النتيجة، نحن ورثنا خطية بنتائجها.
لذلك نحن ورثنا حالة وصورة كاملة، كانت الطبيعة في حالة تجربة وحالة اختبار وقت الفردوس وبالخطية سقطت كل الطبيعة لذلك هي خطية أصلية. لذلك نتائجها ملعونة الأرض بسببك، لعنة للطبيعة نفسها.
يقول البابا أثناسيوس في كتابه ضد الآريوسيين: “لأنه وإن كان آدم وحده قد خلق من التراب إلا إنه فيه كانت توجد كل ذرية الجنس البشري”.
نحن ورثنا طبيعتنا من آدم، فآدم خلق من التراب وأخذ نسمة الحياة وصار هذه الطبيعة التي أنا الآن أحيا كإنسان وولدت كإنسان من هذه الطبيعة. فحينما سقط بهذه الطبيعة حملت أنا أيضاً تلك الخطية ونتائجها.
يقول القديس ساويرس الأنطاكي: “بالقيامة قمنا من سقطة الخطية القديمة”. جميع الآباء يتكلموا عن وراثة خطية.
الشهيد يوستينوس في حواره مع تريفون اليهودي يقول: “حتى يطهرنا من الخطية الوراثية”.
حتى النبوة تقول: “والرب وضع عليه إثم جميعنا” (إش 53: 6) سواء أبرار أم أشرار.
يقول القديس كيرلس الكبير في تفسيره ليوحنا (18: 22): “لأننا أخطأنا (نحن جميعنا أخطأنا وليس ورثنا نتيجة) في آدم أولاً ودسنا الوصية (يتحدث عن جميعنا كطبيعة) تحت الأقدام بينما كنا مهزومين وساقطين في آدم”
ويقول في شرحه لإنجيل لوقا عظة 36: “لقد طردنا من فردوس الأفراح وسقطنا تحت حكم الموت (يتحدث عن جميعنا)”.
ويقول أيضاً: “انطلق بفكرك إلى آدم الأول فانظر فيه كل البشرية من بداية وأصل الجنس البشري”
وفي عظته عن السجود والحق: “الطبيعة البشرية صارت مذنبة للموت بسبب اللعنة القديمة”.
ويقول أيضاً: “صرنا شركاء مخالفة آدم (لأننا كنا في آدم حين سقط)”.
إذن نحن ورثنا حالة كاملة خطية ونتائج لأننا كنا في طبيعة آدم لسنا في حالة فردية، ولكن آدم وحواء في تلك الحالة هم يحملوا طبيعة الإنسانية كلها وكان أمامهم إما أن يختاروا كطبيعة إنسانية الحياة والخلود حينما يختاروا الحياة مع اللـه أو حينما سقطوا يختاروا الموت فيصير كل الجنس البشري يحمل تلك الخطية وهذا الفساد.
ولابد أن ندرك حقيقة هامة أن كل حرومات المجامع التي ناقشت أفكار الهراطقة لا تحرم فقط الذين في زمانهم ولكن تحرم كل من يحمل أفكارهم في كل زمان.
تابع حسابنا على تويتر لتصلك موضوعاتنا الجديدة هناك بشكل يومي