الإيمانبدع حديثةلاهوت مقارنموضوعات مسيحيةنيافة الأنبا موسى

الأنبا موسى يشرح تاريخ مدارس نقد الكتاب المقدس

إن آفة هذا العصر هى مدارس نقد الكتاب المقدس التى ظهرت فى القرون المتأخرة، فأحدثت بعض البلبلة، ولكنها سرعان ما ذبلت وانزوت، لأن كلمة الله الحية، والكتاب المقدس الموحى به من الله، كان – سيظل – صخرة عاتية، اصطدمت تكسّرت عليها أمواج النظرات الملحدة، والاتجاهات النقدية.

وإذا ما درسنا سرّ ظهور هذه المدارس، نرى أنه يعود إلى أمرين هامين هما:
1- الأسلوب البروتستانى فى التفسير: الذى ينادى بالحرية والتحلل من المرجعية التقليدية والآبائية.
2- الظروف السياسية لنشأة البروتستانتية: والتى كانت تعادى الكثلكة، فى صراع مرّ، وصل إلى حدود الحرب، لكى تتحرر إمبراطورية ألمانيا (البروتستانتية) من سيطرة باباوات روما الكاثوليك. جوهر الصراع كان سياسياً، ولكنه اتخذ هذه الصورة النقدية، فبينما حاول البروتستانت انتقاد الكاثوليك فى عقائدهم وطقوسهم وسلوكياتهم الخاطئة، انقلبوا على العقيدة السليمة، والطقس البّناء، وحتى على الأسفار المقدسة. فلندرس هذين العاملين بأكثر تفصيل…

أولاً: الأسلوب البروتستانتى فى تفسير الكتاب

لاشك أن السبب الرئيسى فى نشأة مدارس نقد الكتاب المقدس، هو “الأسلوب البروتستانتى فى التفسير”، لأنه أسلوب “متحرر” وأحياناً يكون أسلوباً “متحللاً” من أى ضوابط. فنحن مثلاً لا نقبل أن يفسِّر أحد الكتاب المقدس، دون أن تكون له “مرجعية” كنسية تتكون من:
1- التقليد الكنسى: الذى تسلمناه جيلاً بعد جيل، والذى – هو نفسه – سلمنا الكتاب المقدس، بعد أن تمت كتابة أسفار العهد الجديد – مثلاً – فى القرن الأول، ثم تم تجميعها، وتقنيتها فى القرنين الثانى والثالث، حين سلمتنا الكنيسة الأسفار الموحى به من الله، وفرزتها من كتابات أخرى، إما منحرفة ومدسوسة للإضرار بالمسيحية، أو أنها مجرد كتابات جيدة، لكنها لا ترقى إلى أن تكون “موحى بها من الله”.
2- قوانين الرسل: التى سلمتنا قوائم أسفار الكتاب المقدس من جيل إلى جيل، كما حدث مع قائمة “موارتورى” (The Moratorian Law) أو قانون مجمع نيقية للأسفار المقدسة.
3- تفاسير الآباء الأولين: بدءاً من الآباء الرسوليين، إلى قديسى القرون الأولى وآبائها، مثل القديس كيرلس الكير، والقديس يوحنا ذهبى الفم، والقديس أغسطينوس، وغيرهم كثيرون، حتى قيل إنه إذا ضاع الكتاب المقدس – فرضاً – فإننا نستطيع أن نعيد تجميعه من بطون كتابات الآباء.
4- الاجماع الآبائى: فنحن نتمسك بأن التفسير السليم فى أمر ما، يجب أن يتوافر له الإجماع الآبائى. لهذا قد لا نأخذ بتفسير واحد من الآباء لأمر ما، كما نقدر ما قاله أغسطينوس إنه يمكن أن يخطئ، ويحتاج إلى من يصححه. فنحن لا نعتبر كتابات الآباء وحياً بالروح القدس، ولكنها تأملات وتفسيرات بنعمة الروح القدس، دون أن يعصم الروح الكاتب من الزلل، كما فى حالة الوحى الإلهى.
لذلك، فحينما ظهرت الإتجاهات البروتستانتية المعارضة (فى القرنين 16،17)، أرادت أن تحتج على كل شئ: العقائد، والطقوس، والتعليم المستقر فى الكنيسة، وإتفاق الآباء القديسين. وبدأت من الصفر تفسّر كل شئ بحرية كاملة، وتتحلل من المرجعية الآبائية الكنسية، مستغلة ما حدث من إنحرافات فى الكنيسة الكاثوليكية، وبخاصة فى العصور الوسطى، حينما كانت الكنيسة تحرم كل من يقرأ الكتاب، وليس فقط كل من يفسِّره، خشية أن يسقط فى الهرطقة، وترى أن يكتفى المؤمن بسماع تفسيرات الكتاب من الآباء الكهنة.

انفلت الزمام، من مجرد التفسير الحرّ، والتحلل من المرجعية الكنسية، ليسقطوا فى براثن الاجتراء على الكتاب المقدس، ونقده، نقد النصوص، ونقد الموضوعات، كما سنفصل فيما بعد.

مفهوم الوحى فى المسيحية

إن الوحى فى المسيحية يسمى Inspiration وليس Dictation (إملاء)… فالوحى عند غيرنا هو “إملاء” من الله، يتلقاه نبى حقيقى، أو مدعى نبوة، دون أن يكون له أدنى دخل فيه. وهكذا يكون الله لا يتكلم إلا بلغة واحدة، ولا داعى أن تترجم، ويسمح فقط بترجمة المعانى الواردة (عند البعض)، أو تترجم بالأمر (كما فى السبعينية).
أما فى المسيحية، فالله حين يوحى لإنسان ما، فإنه يترك له مساحة هامة، من جهة: الدوافع – الأسلوب – الموضوعات – الأفكار… ولكنه يعصمه من الزلل، فلا يخطئ فى معنى أو كلمة أو حرف أو نقطة!

أ- الدور الإنسانى

الله هو العامل فى الكاتب، ولكنه يترك له عدة أدوار، فمثلاً:

1- الدوافع:
قد يتحرك فى الكاتب دافع للكتابة (وهو قطعاً من عمل روح الله القدوس)، فيبدأ بأن يكتب، استجابة لهذا الدافع. ففى العهد الجديد مثلاً: كتب معلمنا متى إلى اليهود ليشرح لهم حياة رب المجد، وارتباطها الوثيق بنبوات العهد القديم، فالمسيح هو الملك، والمسيا المنتظر، والمخلص الموعود به. بينما كتب مارمرقس للرومان عن المسيح القوى، ولوقا لليونان عن المسيح مخلص الإنسان. أما معلمنا يوحنا فكان دافعه هو تأكيد وشرح ألوهية السيد المسيح فى مواجهة هرطقات حاولت النيل منها. وفى رسائله نراه يؤكد الجسد الحقيقى للسيد المسيح، دحضاً للدوسيتية التى نادت بأن جسد الرب كان أثيريا خيالياً.

ومعلمنا بولس الرسول كانت لديه دوافع كثيرة متنوعة للكتابة مثل:

+ شرح الإيمان المسيحى، كما فى رومية.
+ رسالة دورية عن الكنيسة جسد المسيح، كما فى أفسس.
+ رسالة تدحض تعاليم خاطئة مثل: قهر الجسد، والتواضع (المزيف)، وعبادة الملائكة، والتهود… كما فى كولوسى.
+ معالجة مشاكل فى كنيسة ما، كما فى كورنثوس، حيث عالج مشكلة الانقسام، وأكل ما ذبح للأوثان، واستخدام المواهب، وموضوع القيامة… الخ.
+ بينما نجده يرسل رسائل رعوية إلى أساقفة ناشئين مثل تيموثاوس وتيطس.
+ أو يشرح تسامى المسيحية فوق اليهودية كما فى العبرانيين، حينما لاحظ تباكى اليهود المتنصرين على أمجاد اليهودية الغابرة.
+ أو يحل مشكلة شخصية كما فى فليمون، مقدماً لنا المثل الأعلى فى الخدمة. إن الروح القدس يستجيب لهذه الدوافع المقدسة، التى نشأت فى الكاتب بنعمته ومواهبه واستنارته.

2- الأسلوب:
فهذا يكتب بأسلوب تاريخى (كما فى الأسفار التاريخية: يش، قض، را، أس، نح، عز، 1،2 أى، 1،2 مل). وذاك يكتب بأسلوب تشريعى (كما فى اللاويين والتثنية…). وثالث يكتب بأسلوب شعرى (كما فى أى، مز، أم، جا، نش). ورابع يكتب بأسلوب نبوى (كما فى الأنبياء الكبار والصغار وسفر الرؤيا). والروح القدس يترك الكاتب يختار أسلوبه المفضل، ولكنه يعصمه من الزلل فى معنى أو معلومة أو كلمة أو حرف أو نقطة.

3- الموضوع:
يترك الروح القدس الكاتب يختار موضوعه، فالرسول بولس فى رومية يتحدث عن التبرير بالإيمان العامل بالمحبة، وفى العبرانيين عن الرموز الواردة فى العهد القديم والتى تحققت فى العهد الجديد، فمسيح العهد الجديد أفضل من الملائكة، وموسى، ويشوع، وهرون، وكهنوته أفضل من كهنوت العهد القديم، وكذلك عهده، وذبيحته، ودمه… الخ. أما معلمنا يهوذا فيتحدث عن الإيمان المستقيم بالمسيح بدلاً من موضوع الخلاص المشترك (الذى سبق أن تحدث فيه معلمنا بولس)… معلمنا يعقوب يتحدث عن أهمية الأعمال، ومعملنا بطرس عن الرجاء، ومعلمنا يوحنا عن المحبة… الخ.

4- المصادر:
يترك روح الله الكاتب ليستفيد من مصادره المتاحة، سواء كانت بالتقليد الشفاهى أو المكتوب، بل حتى إذا أراد أن يقتبس من أسفار التقليد المتاحة فى عصره، لدرجة أن كتَّاب العهد القديم اقتبسوا وأشاروا إلى مراجع أخذوا عنها مثل:
1- كتاب حروب الرب : (عد 14:21).
2- سفر ياشر : (يش 10-13، 2صم 18:1).
3- سفر أمور سليمان : (1مل 41:11).
4- سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل : (1مل 19:14، 5:16،14،20،27… الخ).
5- سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا : (1مل 29:14، 23:15… الخ).
6- أخبار صموئيل الرائى : (1أى 29:29). 7
– أخبار جاد الرائى : (1أى 29:29).
8- أخبار ناثان النبى : (1أى 29:29، 2أى 29:9).
9- نبوة اخيا الشيلونى : (2أى 29:9).
10- رؤى يعدو الرائى : (2أى 29:9).
11- سفر أخبار ياهو ابن حنانى : (2أى 24:20).
12- رؤيا إشعياء بن آموص : (2أى 32:32).
13- سفر أخبار الرائين : (2أى 25:35).
14- سفر المراثى : (2أى 25:35).
15- سفر الانتساب : (نح 5:7).
16- سفر أخبار الأيام لملوك، مادى وفارس : (اس 2:10).
17- سفر إرميا (بيد باروخ الكاتب)، (وهو السفر الذى أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا) :
(إر 2:36،4،8،32).
18- نبوة إرميا عن بابل (القيت فى نهر الفرات) : (إر 60:51-62).

ب- الدور الإلهى

إن هذه الحرية المحدودة التى سمح الوحى الإلهى لكتاب الأسفار أن يستمتعوا بها، تقديراً لما فى الإنسان من دوافع ومواهب وعطايا هى أصلاً من الله… لا تعنى إنطلاقة إنسانية يمكن أن تخطئ، تماماً كما ترفض “إملاء” على الإنسان يلغيه تماماً. إن دور الروح القدس هو “عصمة الكاتب من الزلل” ونكرر فى كل: معنى، وفكرة، ومعلومة، وكلمة، وحرف،ونقطة. فإن أى حرف يمكن أن يغير المعنى، وكذلك نقطة صغيرة تغير المفهوم (مثال: الرب راعىّ فلا يعوزنى شئ، اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد” (مز 1:23، غل 16:5)…

هناك فرق شاسع بين “فلا”… وبين “ولا”…
لهذا نحن نتمسك بالوحى الحرفى للكتاب المقدس، لا كإملاء من الله حرفاً بحرف، بل كضمان من الله حرفاً بحرف.
والمؤسف أن الكثير من الطوائف البروتستانتية الآن لا تتمسك بهذا الكلام أو الإيمان، ويتصورون أن كلمات المسيح يؤخذ بها، أما كلمات الرسل فلها كرامة أقل، ناسين أو متناسين أنها بوحى من الروح القدس:
+ “كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذى فى البر” (2تى 16:3).
+ “لأنه لم تات نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (2بط 21:1).
بل إن الأخطر من ذلك أن بعض البروتستانت يرون أن الوحى هو “الاحساس الداخلى بالنص” (Insight) والذى يختلف من واحد إلى آخر… ولهذا تفرقوا شيعاً كثيرة، بل – وأخطر من ذلك – صار بعضهم “يصوِّتون” (Voting) على أمور كتابية ثابتة مثل “الجنسية المثلية” ويبيحونها، بل يقننوها، بل يجروا مرسمها داخل الكنائس، فى مخالفة صريحة ومفضوحة للكتاب المقدس، فهذه “وصية بولس وليس المسيح” كما قال رئيس أساقفة كنتربرى لقداسة البابا شنوده الثالث، الذى سرعان ما قال له: “وهل بولس يتحدث من نفسه أم بالروح القدس؟!” فصمت قليلاً ثم قال: “بالروح القدس”… ربما خجلاً من قداسة البابا وليس إيماناً بذلك. ولهذا فهم – فى بعض طبعاتهم – يكتبون كلمات السيد المسيح باللون الأحمر، ليميزوها عن كلمات الرسل، ناسين أو متجاهلين، أنهم كتبوها بوحى من الروح، عصمهم من الزلل. إن الأسلوب السليم فى التعامل مع الكتاب المقدس، لا يجب أن يكون فى “درس” (Study) الكتاب، بقدر ما يكون فى “فهم” (Understand) الكتاب، أى “الوقوف تحت” الكتاب، لنفهم معانيه ووصاياه ووعوده وأحكامه، ونطيعها بكل حب وتقدير، موقنين أنها كلمات الله لخلاصنا.
+ “إلى من نذهب، كلام الحياة الأبدية عندك” (يو 68:6).
+ “الكلام الذى اكلمكم به هو روح وحياة” (يو 63:6).
+ “أن كلمة الله حية وفعالة وامضى من كل سيف ذى حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته” (عب 12:4).

ثانياً: الظروف السياسية لنشأة البروتستانتية

إلى جانب الأسلوب المتحرر وربما المتحلل فى تفسير الكتاب المقدس، كانت الظروف السياسية التى نشأت فيها البروتستانتية سبباً آخر فى نشوء مدارس نقد الكتاب المقدس.
فحينما بدأ مارتن لوثر حركته المسماة بحركة “الإصلاح” (Reformation)، وكان يناوئ بابا روما بشأن أمور كثيرة مثل صكوك الغفران وزوائد فضائل القديسين وغير ذلك، كان ذلك فى ألمانيا، وكانت ألمانيا تصارع من أجل الاستقلال عن روما، وعن بابا روما، الذى كان ينصب الأباطرة ويعزلهم فى ذلك الزمان.
وبينما نادى لوثر بالتفكير والتفسير المتحرر (الليبرالى) للكتاب المقدس، بدأ أقطاب السياسة يسيرون بجواره، فى طريق التحرر من سيطرة البابا الرومانى على كنائسهم، وعلى بلدانهم. وهنا اتحد الدين بالسياسة، وتم استثمار التحرر فى تفسير الكتاب المقدس جنباً إلى جنب مع التحرر السياسى. وقامت المنازعات الدينية والصراعات السياسية، التى وصلت إلى حد الحرب.
فى هذا الجو الصاخب بدأت مدارس التفسير والتفكير المتحرر من التقليد الكنسى، والتفسيرات الآبائية، والكنائس الرسولية القديمة مثل الإسكندرية وأنطاكية والقسطنطينية، وانفلت الزمام شيئاً فشيئاً، إلى أن ظهرت مدارس نقد الكتاب المقدس، التى بدأت تتعامل معه لا كنص إلهى، بل ككتاب عادى، خاضع للفحص والنقد والتمحيص، وحتى التشكيك. وهكذا بدأ بعضهم يشكك فى النصوص الكتابية ومصادرها، والبعض الآخر كانت لهم نظرات خاصة فى الموضوع الكتابى نفسه ككل!!

وهكذا كان هناك صراع بين:

1- ألمانيا البروتستانتية وروما البابوية الكاثوليكية.
2- الآرية (الألمانية) والسامية (اليهودية). 3- العقل والإيمان.

وهذه فكرة موجزة عن الصراعات الثلاثة…

1- بين ألمانيا وروما: فى سنة 800م قام البابا “ليو” الثالث بتتويج “شارلمان” إمبراطور ألمانيا، إمبراطوراً على الدولة الرومانية الغربية بأكملها، فجاءت هذه التداعيات :
أ- انتقل ميزان القوى إلى ألمانيا: عسكرياً وسياسياً وإدارياً واقتصادياً.
ب- ضعف مركز روما : سياسياً وعسكرياً.
ج- اعتبر إمبراطور ألمانيا أن من حق حكم روما كجزء من أملاك الإمبراطورية فى أوربا كلها.
د- اعتبر بابوات روما أنفسهم أصحاب الحق الشرعى فى تعيين الأباطرة وتتويجهم.
ه‍- بدأت الكنيسة الكاثوليكية تعلم بلزوم خضوع الأباطرة للبابا.
و- زاد الخلاف والعداء بين البابوية والإمبراطورية ووصل إلى صراع دموى.
ح- انقسمت الكنيسة وظهرت البروتستانتية ومختلف المدارس الناقدة للكنيسة الكاثوليكية.
ى- ظهرت المدارس المتطرفة التى هاجمت الإيمان عامة والكتاب خاصة إنها نتيجة لرغبة ألمانيا فى تحطيم مصادر النزعة الدينية السائدة على الشعب، والتى منها يستمد البابا سلطانه، ويذل الإمبراطور، مما وصل إلى حد ثورة رجال الدين الألمان على البابا الرومانى.

2- بين الآرية والسامية: كان ذلك فى القرنين 19،20، ثم انتهى إلى الاضطهاد المعروف الذى مارسه هتلر على اليهود. وفى هذا الوقت، ومع العداء لليهود، جاء النقد المرير للعهد القديم، ثم للعهد الجديد. وكان اليهود يسيطرون – فى ذلك الزمان – على الاقتصاد الألمانى، بزعم أنهم شعب الله المختار، لدرجة أن الآريين حاولوا إثبات أن السيد المسيح آرى الجنس. وقد وصلت هذه المدارس إلى درجة الإلحاد الواضح. ولقد فرض هتلر نفسه رئيساً على الكنيسة الألمانية، وقضى على اليهود المقيمين فى ألمانيا. وبينما هم يصارعون اليهود، بدأوا ينتقصون من قدسية الكتاب المقدس، لدرجة أن أحد “أساتذة” العهد القديم طلب من تلاميذه فى الإمتحان تلخيص العهد القديم فى 3 ساعات. وبينما اجتهد الطلبة فى هذا التلخيص، كل بطريقته، سأل تلاميذه آخر الامتحان إن كان سهلاً أم صعباً؟ فقالوا له: “هو سهل جداً ولكنه طويل ويحتاج إلى وقت”!! فقال لهم: “لم أطلب منكم كل هذه الملخصات، كنت انتظر منكم سطراً واحداً عن العهد القديم” يقول: “لا إله، ولا وحىّ… No God… No Inspiration”. هذه هى نظرة “أستاذ” العهد القديم!!

3- بين العقل والإيمان: حين بدأت ثورة التصنيع بدأت موجة إلحادية ضخمة تنكر وجود الله، أو تدعى أن الله قد مات، وتعتمد على العقل الإنسانى إلهاً بديلاً، بعدما أنجز الكثير من المخترعات. وهكذا تم إخضاع نصوص الكتاب المقدس ومخطوطاته وموضوعاته للتمحيص البشرى، والعقل الإنسانى العاجز المحدود، ونسى هؤلاء أو تناسوا أن الإيمان هو فوق العقل، ولا يصادره… تماماً كالتلسكوب الذى نحتاجه لرؤية الأمور البعيدة… فلا تستغنى العين المجردة عن التلسكوب، ولا التلسكوب عن العين المجردة. الإيمان والعقل يعملان معاً، لندرك الأمور الروحية والإلهية غير المحدودة، والتى يستحيل على العقل المحدود أن يدركها. إن المؤمن المسيحى يقترب من الكتاب بإتضاع، ليتسمع إلى صوت الله لحياته، وإرشاداته، ومواعيده واختبارات شخصياته، وكافة موضوعاته الأساسية للخلاص. ولكن الملحد الرافض للإيمان، يستحيل عليه أن يدرك بعقله المحدود، عالم اللامحدود.

انسياق بعض الكاثوليك لبعض البروتستانت فى ذلك:

معروف أن العقلية الغربية تعيش التحرر والإحساس بالتميز عن العقلية الشرقية، التى تعيش فى عالم فقير وغير متقدم: اقتصادياً وسياسياً وعلمياً. العقل عند الغرب هو سيد الموقف، ولذلك فحينما بدأ بعض “علماء” الكتاب البروتستانت مسيرة النقد والتشكيك، سار وراءهم بعض “علماء” الكاثوليك ورجال الدين، وأهمهم “لاجرانج” (Lagrange) الراهب الدومينيكانى، وأصبحنا نرى هذا الإنحراف واضحاً فى بعض مقدمات الطبعة اليسوعية إذ يقول مثلاً عن سفر يونان: “أن يونان نبى معاصر لهوشع وعاموس. غير أن السفر الذى يحمل اسمه قد كتب بعد المنفى. فما هو نبوة وما هو قصة تاريخية، إن هو إلا تعليم دينى بشكل مثل: شبيه بمثلى الابن الشاطر والسامرى الصالح”. بينما السيد المسيح تحدث عن يونان كشخصية حقيقية تاريخية “فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب أية ولا تعطى له أية إلا أية يونان النبى. لأنه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان فى قلب الارض ثلاثة أيام وثلاث ليال” (مت 39:12،40).

وعن سفر نشيد الأنشاد… تقول الطبعة اليسوعية:

“كان أنبياء إسرائيل، كهوشع وإرميا وحزقيال، قد شبهوا علاقات الشعب المختار مع إلهه بعلاقات الزوجة بزوجها. ومما لا ريب فيه أن دخول نشيد الأناشيد فى الأسفار المقدسة إنما هو تجاوب مع هذه الصفات. غير أن النشيد لا يعبر عن هذا الموضوع الكتابى بنوع صريح، بل يبدو فقط كقصيدة تنشد الحب البشرى فى إنشاء خيالى ومقاطع حرة لا كبير صلة بينها، حسب مقتضى فنّها الأدبى. ومع ذلك فالتقليد الإسرائيلى يعتبر القصيدة، حتى فى فكرة مؤلفها الأول، كمثل ينشد بشخص صاحبى القصيدة الراعوية، إسرائيل وإلهه. أما النصرانية، وريثة أسفار العهد العتيق، فقد اعتنقت هذا التقليد إلى حد بعيد وأصبحت الكنيسة عروس النشيد. إلا أنه منذ القديم، فكر بعضهم مع توادوروس الموبسيوستى بأن النشيد، فى الأصل أقلة، هو قصيدة ذات معنى علمانى، قد نظمت لتنشد مثلاً فى الاعراس، اعراس الملوك أو غيرهم. أن السفر يعود إلى عهد متأخر دون ريب على الرغم من بعض التلميحات إلى سليمان، نستخلص ذلك من لغته ومفرداته التى تتخللها كلمات إيرانية. فقد يكون من الجيل الرابع”.
وبالطبع نحن نرفض هذا الكلام، فالكاتب هو سليمان، والرمز هو إلى المسيح والكنيسة.

مدارس التشكيك فى النص الكتابى

هذه المدارس هى استمرار لعمل عدو الخير مع البشر، حينما قال لآدم وحواء: “أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟!” (تك 1:3). فلقد بدأ “علماء” التشكيك حملتهم على نصوص الكتاب المقدس فى القرن السابع عشر الميلادى.. وهذه بعض أفكارهم:

1- “ريتشار سيمون” (1678): هو أول من اقتحم نصوص الكتاب المقدس، فشكك فى نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى النبى… لكن شكوكه تلاشت فى محيط الدراسات الدينية والعلمية…
2- “استراك” (Astruc): طبيب فرنسى قال سنة 1753 إن موسى استخدم مصدرين سابقين له، الأول يستخدم اسم “يهوه”، والآخر اسم “ايلوهيم”…
3- “ايخورن” (Eichorn): الألمانى… الذى قال سنة 1780 إن نوع الأفكار والأسلوب فى سفرى التكوين والخروج يثبت صحة وجود أكثر من مصدر لهذين السفرين…
4- “جيديس” (Geddes): الإنجليزى… أنكر نسبة التوراة لموسى النبى، قائلاً إن الكتاب المقدس لم يصلنا كاملاً، بل أن محرراً آخر جمع أجزاءه المتفرقة، حتى وصلتنا بشكلها الحالى.
5- “ايوالد” (Ewald): الذى نادى بأن التوراة مؤلف بدائى، كان يشتمل على تاريخ موجز للغاية، وتم استكمال هذه النواة الصغيرة بملاحق متعددة، حتى تكاملت بشكلها الحالى.
6- “هايفليد” (Hupheld): الذى نادى سنة 1853 بمصادر ثلاثة للتوراة هى: “الايلوهّى” (الأول) و “اليهودى”، و “الايلوهى” (الثانى) – وأن هذه المصادر خضعت لتصحيحات كثيرة من كُتّاب كثيرين للتوفيق فيما بينها.
7- “رايم” (Riehm): الذى أضاف سنة 1854 مصدراً رابعاً للكتاب هو “التثنية”.
8- “جراف” (Graf): الذى توسع سنة 1866 فى المصادر فتحدث عن :
أ- المصدر الايلوهى (E): أول مصدر سابق لموسى النبى…
ب- المصدر اليهودى (J): ظهر فى عصر آخاب لمراجعة المصدر الايلوهى…
ج- مصدر التثنية (D): ربما وضعه إرميا النبى.
د- الشريعة الكهنوتية (P): ويشتمل على عدة شرائع ترجع إلى عصور مختلفة، ولكنها لم تظهر قبل سقوط أورشليم فى السبى عام 587 ق.م.
ه‍- عزرا (Ezra): وهو الذى أعطى للتوراة شكلها الحالى، بعد السبى البابلى…
9- “نولديك” (Noldeke): سنة 1869 قسم المصادر هكذا:
أ- الايلوهى الأول: ويحتوى على شريعة الكهنة.
ب- الايلوهى الثانى: قبل موسى النبى.
ج- اليهوى: مع موسى النبى.
د- التثنية: ويسبق إصلاح يوشيا عام 621 ق.م.
ويقول أن التوراة بشكلها الحالى رتبها عزرا الكاتب، ضمن باقى أسفار العهد القديم، حيث اهتم بكتابتها وتجديدها بعد السبى.
10- “روس” (Ruse): نادى سنة 1879 بأن الشرائع الطقسية التى يحتوى عليها سفر الأخبار، لا تتماشى مع الظروف الاجتماعية والدينية التى عاش فيها الإسرائيليون زمن الملوك، ولا حتى زمن الأنبياء الكبار، وأغلب الظن أنها ترجع إلى عصر نحميا أو ما بعده.
11- “فالها وزن” (Welhausen): سنة 1878… فتحدث عن :
أ- المصدر اليهوى (J): وضعه مؤلف يهوى فى مملكة يهوذا فى الجنوب سنة 850 ق.م. واستخدم اسم يهوه من البداية.

ب- المصدر الايلوهى (E): وضعه مؤلف ايلوهى فى مملكة السامرة فى الشمال عام 750 ق.م.، ويظهر فيه الله غالباً فى الأحلام، ويستخدم اسم يهوه من خروج 3…
12- “ايسفيلدت” (Eissfeldet): عام 1934… الذى افترض وجود مصدر علمانى (L) سابقاً على المصدر اليهودى، لخلوة التام من التأثير الكهنوتى، وارجع تاريخه إلى سنة 950 ق.م.، وأن هذا المصدر مأخوذ من مصادر أخرى.

الخلاصة:
يرى هؤلاء أن العهد القديم = أساطير خرافية + أجزاء تاريخية… خضعت لتصرف الكتاب المتأخرين بحرية تامة، فدمجوا فيما بينها، ووفقوا، وعدلوا، تبعاً لما ارتأوه متمشياً مع الاعتبارات السياسية، والعقائد الدينية السائدة فى عصرهم. وقالوا أن الأسفار النبوية خضعت للمراجعة، والتعديل، والتصحيح، تمشياً مع مفاهيم العصر المتأخر الذى جمعت فيه. أما النصوص الأصلية فلم تصل إلينا. وهذا ينطبق أيضاً على الأسفار التشريعية، التى خضعت للمراجعة والتصحيح فى القرن الرابع قبل الميلاد… وهذه التصحيحات تفتقر إلى الدقة، لدرجة أنه لا يمكن اعتبارها عملاً علمياً موفقاً!!!

الرد على هذه النظريات

1- أنها مجرد نظريات يمكن إثبات خطأها، وليست حقائق علمية دامغة، ولذلك هاجم أولئك الناس بعضهم بعضاً، كما فعل “داهس” (Dahse) مع “فالها وزن” سنة 1914…
2- هذه النظريات قائمة على الفرض والتخمين، ولم يستند إلى أى سند علمى، أو تاريخى، أو وثائق، أو حفريات… مجرد تخمينات!!!
3- انبرى لهم “كيتيل” (Kittel) عام 1926 وأوضح ضرورة الاعتماد على الإيمان والتقليد الدينى، وكذلك “ستير نبيرج” (Sternberg) عام 1928، الذى هاجم نظريات المصادر الأربعة، وأعاد للشريعة الموسوية اعتبارها التاريخى، بنسبتها إلى عصر موسى النبى نفسه، وزمن الخروج. ثم ظهر قاموس Kittel الضخم سنة 1932، فقدم دراسات وافية للأحداث الإنجيلية، على ضوء المقارنة فى العبرية فى العهد القديم، والأدب اليونانى، ودراسة البيئة اليهودية التى ظهرت فيها تلك الأحداث.

ثم أصدر “فولز” (Volz) و”رادولف” (Rudolf) سنة 1933 كتاباً كشف الخلط الواضح فى نظرية المصادر، وشرحا وحدة المصدر فى العهد القديم. وهذا ما أكده أيضاً “كاسيتو” (Cassuto) اليهودى، الأستاذ فى جامعة روما، سنة 1934، بأدلة قاطعة، ناقضاً فكرة تعدد المصادر أصلاً وموضوعاً.

كما أصدر العلامة الفرنسى الأب “فيجورو” (Vigouroux) سنة 1912 “قاموس الكتاب المقدس” (بدأه عام 1891 وأصدره عام 1912)، وهو كاثوليكى محافظ…

كما أصدر “كورنيلى” (Cornely) كتابه عن أخطاء مدرسة النقد الأدبى، ونظرية المصادر، معلنا أن الكتاب المقدس وصلنا عن طريق الوحى الإلهى والتقليد المقدس… واعتمد فى شروحاته على أقوال آباء الكنيسة الأوائل… إلا أن “لا جرانج” (Lagrange) الراهب الكاثوليكى الدومنيكانى إنساق إلى تيار المشككين، ودعا إلى الفصل بين الدين والكتاب المقدس، وأن الدين ليس بحاجة إلى كتاب معين يحدد لنا طريق الإيمان بالله… وقال إن الوحى يستند إلى العقل والإرادة فقط، متجهاً صوب الحفريات الأثرية كقاعدة لمنهجه الجديد فى التفسير، فانتقد التفسير التقليدى للكتاب المقدس، وحذف ما شاء من الأحداث الواردة فيه، وضمها ضمن الأساطير الخرافية، لمجرد عدم توافقها مع منهجه المنحرف. وللأسف سار البعض وراءه على سبيل “الموضة” أو “الموجة” العلمية…

وللأسف الأكبر اعتمد المؤتمر الكاثوليكى فى سويسرا 1897 موقف “لاجرانج”، للتوفيق بين العلم والدين… فتغلغلت هذه الآراء فى الكنيسة الكاثوليكية، حتى أصدر المجمع الفاتيكانى الثانى مفهوماً جديداً للوحى… وقواعد جديدة للتفسير.. جعلتهم يؤمنون بخلاص غير المؤمنين ويوافقون على الزواج المختلط (دينياً)… وهذا المنهج المتحرر نفسه هو الذى جعل الانجليكان يوافقون ويمارسون كهنوت المرأة، ويقننون الشذوذ الجنسى.

لكن شكراً لله على أمرين:

أ- أن هناك الكثير من الكاثوليك والبروتستانت، يرفضون ذلك التحرر الخاطئ، ويؤمنون بعصمة الكتاب المقدس.
ب- أننا ثابتون على المبدأ والإيمان الذى تسلمناه من القديسين، ونرفض كل تلك النظريات الفرضية الخاطئة.

4- نحن نؤمن أن الكنيسة هى التى سلمتنا الكتاب المقدس، وأن التقليد الرسولى والكنسى هو الضمان لذلك، وقد قال القديس أغسطينوس: “أنا أؤمن بالكتاب المقدس، مسلَّماً من الكنيسة، مشروحاً بالآباء، معاشاً فى القديسين”. فكيف نتجاهل كتابات الآباء التى تعود إلى القرون الأولى، وقد شرحوا وفسروا لنا أسفار العهدين، وشروحاتهم مازالت بين أيدينا؟ هل بدأ تفسير الكتاب من بعد حركة لوثر و “علماء” مدارس النقد فى القرون الأخيرة، أم أن الكتاب كان مقدساً ومفسراً ومشروحاً منذ القرون الأولى؟!
5- وماذا عن النسخ الأثرية القديمة التى مازالت موجودة من القرون الثالث والرابع والخامس، وفيها نفس مما فى الكتاب الذى بين أيدينا؟! النسخ الإفرايمية والسينائية والإسكندرانية ونسخة البهنسا المكتوبة على ورق البردى فى شكل Codex أى “كتاب” (وهذا يرجع للقرن 3، وليس Roll كما كان فى القرن الثانى).
6- وماذا عن الحفريات العلمية الحديثة (Archeology)، التى اثبتت لنا دقة الكتاب الذى بين أيدينا، حينما كشفت لنا الأرض عن ذلك فى مسلة شلمناصر، أو صخرة كردستان، أو أطلال أريحا؟!

7- فإذا ما قالوا إن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة، فماذا يقولون فى الآيات التالية :
+ “اكتب هذا تذكاراً فى الكتاب..” (خر 14:17).
+ “اكتب لنفسك هذه الكلمات…” (خر 27:34).
+ “كتب موسى مخارجهم برحلاتهم…” (عد 2:33).
+ “كتب موسى هذا النشيد…” (تث 19:31،22).
+ “كتب موسى جميع أقوال الرب…” (خر 4:24،7).
+”كتب على اللوحين كلمات العهد…” (خر 28:34).
+ “كتب موسى التوراة وسلمها للكهنة…” (تث 9:31).
+ “تكتب على الحجارة جميع كلمات هذا الناموس نقشاً جيداً” (تث 1:27-8).
+ “قدم القربان الذى أمر به موسى…” (مت 4:8، مر 44:1، لو 14:15).
+ “أوحى موسى أن يعطى كتاب طلاق…” (مت 3:19-8، مر 3:1-5).
+ “أن كانوا لا يسمعون لموسى…” (لو 31:16).
+ “ابتدأ من موسى يفسر لهم…” (لو 27:24).
+ “مكتوب عنى فى ناموس موسى…” (لو 44:24).
+ “أعطاكم موسى الختان…” (يو 20:7).
+ “موسى… يقرأ فى المجامع كل سبت” (أع 21:15).
+ “مقنعا إياهم من ناموس موسى والأنبياء بأمر يسوع” (أع 23:28).
+ “موسى يكتب فى البر الذى بالناموس…” (رو 5:10).
+ “مكتوب فى ناموس موسى: لا تكم ثوراً دارساً” (1كو 9:9).
+ “موسى بعدما كلم الشعب… اخذوا دم العجل والتيوس… ورش الكتاب نفسه، وجميع الشعب” (عب 19:9)..

وهكذا يؤكد رب المجد نفسه، والآباء الرسل، مصداقية العهد القديم والعهد الجديد، وأن “كل الكتاب هو موحى به من الله…” (2تى 16:3)، وأنه “لم تأتى نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون، مسوقين من الروح القدس” (2بط 21:1)…إن الكتاب المقدس هو الصخرة، التى تحطمت عليها كل محاولات العابثين والمشككين والمهاجمين… ألم يقل لنا الرب: “الكلام الذى اكلمكم به، هو روح وحياة؟!” (يو 63:6).

مدارس التشكيك فى الموضوع

كان الصراع الدموى بين الإمبراطورية والبابوية، ثم بين الآرية والسامية، ثم بين العقل والإيمان، الأثر الملحوظ فى ظهور المدارس العقلية الحديثة فى أوروبا: “كالمذهب الإلهى” (Deism)، و “اللاهوت العالمى”، “وفلسفة الأنوار” فى الألمانية، “والتحرر” من الإيمان بالوحى… وهكذا آمنوا بالعقل فقط، ورفضوا الميتافيزيقيا كمصدر للمعارف الدينية وتفسير الكتاب، ورفضوا الإيمان بالمعجزة، والنبوة، والإلهام، والوحى، ولم يسلموا إلا بالعقل، فاكتفوا بالدراسات الأثرية، فى إثبات التاريخ الدينى والسياسى والأدنى… فتشعبت إتجاهاتهم فى تفسير الكتاب، ورأينا نظريات عديدة مثل:

1- المذهب العقلى والديانة الطبيعية

+ فى ق 17 النصف الثانى، فى إنجلترا… باسم “المذهب الإلهى” Deisme يدعو للإيمان بالله وخلود النفس وينكر لزوم العبادة والطقوس والوحى… فالكتاب مجرد أساطير قديمة لا تتقبلها عقلية العصر الحديث (قصة عبور البحر الأحمر).
+ وانتقلت العدوى إلى فولتير، فرنسا (1694-1778) فانتقد بأسلوب لاذع وساخر رجال الكنيسة وطقوسها… وسار على ذلك الدرب كثيرون.
+ ثم انتقلت العدوى إلى ألمانيا لدى “ريماروس” المعاصر لفولتير (1694-1768)… الذى نادى بأن المسيحية دعوة سياسية، تهدف إلى الخلاص السياسى من الرومان، وأن هذه كانت دعوة المسيح، ولكنه فشل، فتابع التلاميذ ذلك، ورفعوا من حياة المسيح وتعاليمه، ليقضوا على الثقافة الرومانية، التى سرعان ما انهارت تحت ضربات الدين الجديد!!
+ ثم ظهر “ليسنج Lessing” سنة 1729 – 1781 الذى نادى بالفصل بين الدين والكتاب المقدس، فالدين نابع من عقل وقلب الإنسان، وهو ليس بحاجة إلى كتاب معين يحدد له طريق الإيمان بالله، فقلل من أهمية الكتاب، مثل آخرين مثل أصحاب :

أ- النظرية الإلهية Deism: التى تؤمن بالله، وبالخلود، ولكن لا داعى للطقوس ولا الوحى…
والرد : الإيمان بالله تسليم إلهى، وليس تسليماً بشرياً فقط، فهذا تعليم مبتور لا يدرس طبيعة الله. ولذلك ينكرون الوحى (مع إيمانهم بالله) والطقوس (وهى مستمدة أصلاً من السماء)…

ب- المسيحية السياسية: يقولون أن المسيح قاد حملة ضد الرومان، والتلاميذ استمروا بعده ضد الثقافة الرومانية.. وأن الأمر سياسى محض!!
والرد :
+ إذا كان الأمر سياسياً فقط فأين الجيوش؟ والمقاومة؟ والهدم؟ والوسائل المادية، والدعائية؟؟!!
+ وماذا عن نشر الحب، والسلام، وإتيان المعجزات وقول الرب: “مملكتى ليست من هذا العالم” (يو 33:18-36)، فقد رفض المسيح أن يجعلوه ملكاً.

ج- فلسفة الأنوار: وتقول بفصل الدين عن الكتاب المقدس، فالدين نابع من عقل وقلب الإنسان، ولا حاجة له إلى كتاب يرشده.
والرد: ما إمكانية نشر دين دون كتاب يشرحه، ويحث عليه، ويكتب تاريخه وأحداثه؟!! ويحدثنا عن معلميه وقادته؟!
– هل من علم كيمياء دون كتاب كيمياء؟!
– أو من علم فيزياء دون كتاب فيزياء؟!

2- نظرية التكيف Accomodation

لصاحبها “سملر” (Semler) 1721-1791، وهو “أستاذ” فى تاريخ الكنيسة وتفسير الكتاب، فى جامعة دى هال… وقد أعلنها سنة 1760، مدعياً أن السيد المسيح والتلاميذ، كانوا يتكيفون فى تعاليمهم بمفاهيم ومعتقدات المجتمع المعاصر لهم، دون أن يقصدوا تأكيد صحة هذه المعتقدات، مثل أن المرض سببه أرواح نجسة، بينما هى مجرد صرع أو جنون بأنواعه… ولذلك أنكر قصص شمشون، وأستير، وقال أنها أساطير خرافية، وأنه يكفى الديانة الطبيعية، وهى “مجموعة حقائق تقود الإنسان إلى التقدم الخلقى”، دون التأثر بأساطير الأقدمين… وذلك يأتى من خلال:

1- الاستبطان: أى أن يستقرئ الإنسان حدس قلبه… (كما قال لنا الاخوة البروتستانت فى الحوار معهم فى الهند).
2- العلم: أى بمقارنة النصوص الكتابية مع الإنتاج الأدبى المعاصر لها، مثل مؤلفات فيلون ويوسيفوس وغيرهما.
والرد:
+ ماذا عن عمل الكتاب المقدس فى الإنسان، وفى العالم، حيث بدد ظلمة الوثنية ونقلنا إلى نور المسيح؟
+ “النور الحقيقى” (يو 7:1-9). + “النور الذى جاء إلى العالم” (يو 19:3-21).
+ “أنا هو نور العالم” (يو 12:8). + “النور معكم زماناً قليلاً” (يو 35:12-36).
هل كان كل ذلك تكيفاً مع ظلام الوثنية؟!! أما كان إنارة جديدة للعالم والإنسان؟! إن الخلط بين الصرع، والأرواح النجسة… خطأ… ولكن هذا لا يلغى وجود الأرواح البارة والشريرة… ولا يلغى أيضاً وجود الأمراض العضوية والنفسية… ومن المهم التفرقة بينها!

3- النظرية الأخلاقية

+ وصاحبها هو “كانت” Kant (1724-1804) : الذى أنكر الديانة الطبيعية، وقال أن ما ورد فى الكتاب المقدس من عقائد وأحداث ونبوات نسبى، لا يؤخذ بحرفه، فالمهم هو :
أ- الأخلاق كهدف للدين يقبله العقل…
ب- وهى مبادئ واحدة فى العالم (دين طبيعى)…
ج- وتقاس صلاحية الأديان بمقدار إرتباطها بالديانة الطبيعة الأخلاقية، وليس بنسبتها للوحى… وهكذا ألغى “كانت” الدين، والوحى، وثبَّت: الأخلاق والعقل…
والرد : “عند كانت” الدين أصبح مفهوماً فلسفياً أخلاقياً، لا علاقة له بالله، ولا بالإيمان، ولا بالوحى، ولا بالعبادة.. وهكذا صارت الأخلاق فقط (وهى جهد وعمل إنسانى) هى الدين المقبول.. وهذا إلغاء لوجود الله، وعمل الروح القدس، وقيمة الفداء، وضرورة تغيير وتجديد الطبيعة الإنسانية، ومعونة السماء، وإمكانية الخلود!! إن العمل الأخلاقى يخص الزمن فقط، وجهد الإنسان وحده، والأعمال بدون إيمان بالمسيح لا تخلص الإنسان.

4- النظرية النفسية

نادى بها “باولوس” Paulus سنة 1760-1851، الذى آمن “بكانت” (المذهب الأخلاقى)، وأخذ عن “ايخورون” رفضه للدراسات الميتافيزيقية. وأضاف إلى ذلك أن الشفاء (فى ما يسمى بالمعجزات) تم بالعلاج الطبيعى، فهى على نوعين :
أ- بعضها خدع… لتضليل الناس (مثل إقامة لعازر)!!
ب- وبعضها حواديت… استقرت بمرور الزمن (مثل وجود الاستارين فى السمكة).

وقال إن:

– معجزة قانا الجليل = مداعبة طريفة من المسيح، للمشاركة فى مباهج العرس…
– شفاء الأمراض = كان بعقاقير يجهلها الشعب، وتجاهل الإنجيليون ذكرها.
– إقامة الموتى = كانت حالات إغماء أفاقوا بعدها (فهل كان موت لعازر ودفنه أربعة أيام مجرد إغماء؟!).
– التجلى = كان من أحلام التلاميذ، حين داهمهم النوم، فوق قمة جبل الزيتون، فى يوم قمرى جميل…
والرد:
+ هذا إنكار للألوهة، وللميتافيزيقيا، والمعجزة، والدين…
+ والكون معجزة كبرى، لا نعرف تفسيرها العلمى الكامل حتى الآن…
+ والخلق وتكوين الجنين…
+ والذرة… وما فيها من مكونات ويصدر عنها من طاقة…
+ وأسرار الحياة… وما أكثرها (كما قال اينشتاين ونيوتن)!!

5- النظرية الأسطورية

+ نادى “هيجل” 1770-1831 (Hegel) بأن تاريخ الفكر الدينى هو مراحل فكرية انتقالية، عبَّر بها الفكر البشرى عن تطوره الطويل، من العصر الطوطمى والأسحار… وحتى الازدهار المسيحى. وكل دين كان يعبر عن أعلى ما وصل إليه العقل البشرى آنذاك، وأن الأديان اعتمدت على الأساطير الشعبية، فالعهد القديم مجرد أساطير شعبية لا تختلف كثيراً عن الأساطير اليونانية والهندية. وأن العهد الجديد (كما يقول “شتراوس” Strauss)، فى كتاب “حياة يسوع” (ألمانيا سنة 1835) مجرد أساطير شعبية: حول طفولة المسيح، ومعجزاته، وقيامته، وصعوده. إنها أسطورة شعبية من خيال التلاميذ، تجمع بين الفلسفة والدين، ويدفعها الرغبة اللاشعورية فى إعلاء المسيح، وتصويره أنه المسيا الموعود به، فى نبوات العهد القديم. إنها دوافعهم الحسية والنفسية، التى جعلتهم يفعلون ذلك، فى عصر ندرت فيه الخبرة والعلم والوعى!!

الرد:
+ إن الأسطورة تتفق مع الحسّ البشرى، أما الميتافيزيقيا فمن الله والوحى، وهى تتفق مع الروح والتسامى، والقانون… وتتعارض مع طبيعة الإنسان الحسّية والمادية. وما قالت به النظرية أن هناك أساطير مثل: الخلق، وشجرة المعرفة… فإن العلم الآن يسبر أعماق الكون، ليكشف لنا بعض ما ذكره الكتاب المقدس… وشجرة الحياة أكيدة إذ “لا وجود للمعرفة بدون حياة، ولا قيمة للحياة بدون معرفة”.
2- أن النبوات والمعجزات هى عطايا الله والسماء… نقلتنا إلى نور العهد الجديد… ومازالت مستمرة ومحققه فى واقعنا اليومى، بقوة الإيمان بالمسيح.
3- إن هيجل يخلط بين أنواع التفكير: الحضرى، والمدنى، والعلمى، والعملى، والنظرى، والدينى… وينسب الكل للأسطورة… وهذا إلغاء لإمكانيات العقل البشرى… فكيف يتطور ذلك العقل الآلى، المستند إلى الأسطورة؟!
4- وهل مع التطور الأسطورى للدين، لدينا الآن ديانات خاصة بالذرة، والصاروخ، والإلكترونيات… أم أن الدين هو هو!!
5- ولماذا ينسى هيجل الصراع بين الخير والشر، وذلك بسبب الدافع النفسى، والإختلافات فى الفكر الإنسانى…
أنها نظرية غامضة وسطحية..

الأسطورية الإنجيلية:

+ إن “شتراوس” قد هاجم العهد الجديد، وقال أن الرسل مختلقى أساطير، لكى يثبتوا “أسطورة” المسيح فى العهد القديم…
الرد :

+ هذا إنكار لأحداث التاريخ الثابتة…
+ فيه ننسب كل شئ إلى الأسطورة…
+ فتتحول الحياة كلها إلى أسطورة كبرى!!
لقد كانت لكتابات صيادى السمك معجزة، وكرازتهم معجزة، وتحول العالم إلى المسيحية معجزة، وبقاؤها معجزة!!

إذ لماذا؟

+ لماذا تحمل الرسل العذاب؟ + وما هى إمكانياتهم؟
+ وما هو عملهم السياسى. + وما عدد جيوشهم؟
+ ولماذا لم ينقسموا؟ + ولماذا كان تعليمهم واحداً؟
+ ولماذا غزوا العالم كله؟ + وماذا كسبوا من تبشيرهم مادياً؟
+ ولماذا لم يتشتتوا بعد الصلب؟ هل هذه كلها أساطير أم حقائق؟!!
+ أن المسيحية ليست أسطورة ولكنها حقيقة :
– مصدرها الله.. – وناشرها الروح القدس..
– وهى معجزى كبرى… – ومعجزة خالدة…

6- النظرة التطورية Evolutionism

نادى بها رجال التاريخ الطبيعى، معتمدين على الاكتشافات الأثرية لمختلف القبائل البدائية، حيث آمنوا بوجود الروح فى جميع الأجسام المادية (مذهب الروحية Animism)، وعبدوا أرواح الأجداد (Manism)، وهذه بداية الأديان، كما يدعون!

فعند اليهود

+ انتشرت أساطير وطقوس فى العهد القديم بين البدو والعرب الرحل، ومن بينهم من عبد “يهوه”، الذى أصبح أكبر آلهتهم.
+ ثم جاءت القبائل الكنعانية واستقرت فى بابل، واتحدت فى عبادة واحدة، وإله واحد، وهو ما علم به موسى النبى.
+ وتطورت التعاليم الموسوية، فأخذت طابعها الدينى والتشريعى المستقر، بعد سبى بابل بفضل عزرا الكاتب.
+ المدرسة البابلية = هى مزيج من اليهودية وعقائد دينية قديمة انتشرت بين النهرين، فيها التوحيد المستتر، وتطورت عن طريق إبراهيم مما أدى إلى تغيير التعاليم الدينية فى الشرق الأوسط، ثم فى العالم كله.
+ ثم اندمجت المدرستان: اليهودية والبابلية…

الرد:

+ هذا اتجاه إلحادى أنكر الله، والروح، وقال إن الأديان تطور لفكرة “عبادة الأرواح”… لقد كان هناك تقليد موروث بلا مدرسة ولا هيكل ولا كتاب… بل بإيمان بالله…
+ والله لم يترك نفسه بلا شاهد، فى كل العصور، مثل أخنوخ ومتوشالح ونوح وإبراهيم وموسى النبى…
+ والعالم لم يثبت فى ديانة واحدة… بل تنقل بين أديان كثيرة.
+ وبانتشار المسيحية انتهت عبادة الأرواح المضلة… ولم يبق سوى الإيمان بالإله الواحد…

7- اللاهوت التحررى

+ وهو غير لاهوت التحرير، الذى يهتم بتحرير الإنسان من الظلم والفقر والعبودية. فهو اللاهوت الذى بدأه الألمان حين نادوا بأن هناك خبرات تاريخية عاشها المؤمنون فى الأجيال المختلفة، فربطوا بين اللاهوت والتاريخ، واخضعوا التفسير الكتابى للنقد، فهناك : – تفسيرات متعددة ومتطرفة للكتاب المقدس. – وهناك تفتيت للكتاب المقدس.
– كما أن هناك تناقضاً فيما بينهم حول الرأى فى الكتاب المقدس…

ولهذا انحرف أصحاب هذه النظرية:

– فأنكروا أحداثاً تاريخية فى الكتاب المقدس مثل عصر البطاركة…
– وانكروا صحة مجىء بنى إسرائيل إلى مصر…
– وانكروا قصة يعقوب ويوسف وموسى والديانة اليهودية…
– وآمنوا برسالة المسيح التعليمية فقط، عن طريق الملكوت الباطن فى الإنسان. وبعضهم أنكر شخصية المسيح نهائياً، فالمسيح مجرد رمز للكمال، وليس شخصيته حقيقة!!

الرد: إن الفصل بين الإيمان الدينى والأحداث التاريخية مرفوض، وقد أدى إلى:

+ رفض تاريخ البطاركة. + رفض مجىء إسرائيل لمصر.
+ رفض صحة قصص الآباء. + رفض كل تعليم ميتافيزيقى خاص بالمسيح.
+ رفض الإيمان بشخصية المسيح.
وهذا ليس منهجاً علمياً ولا منطقياً، فالتاريخ حقائق والكتاب المقدس تراث تاريخى أثرى ورثناه عن أجدادنا، كتاباً واحداً، مقدساً، معصوماً من الزلل!!
إن اللاهوت التحررى خدعة مؤذية، تلغى الكتاب، والمسيح، والمسيحية!!

8- النظرية الاجتماعية

تنادى بأن المسيح شخصية تاريخية تأثرت بأحلام اليهود القديمة، فداعبته الأوهام فى ذاته بأنه المسيا المنتظر، ففسّر ذلك بأنه سوف يأتى فى آخر الأيام، فوق السحاب، لينشر ملكوته على الأرض. ومنهم من أنكر شخصية المسيح التاريخية نهائياً، وأنه من إنتاج العقلية المتطورة فى الشرق الأوسط، وذلك لاختلاط اليهود بالفلسفة اليونانية (المدرسة التأليفية).
إنها خليط من اليهودية، والبابلبة، والفارسية، والمصرية، واليونانية!!

الرد: يقولون أن المسيح توَّهم بأوهام اليهود القديمة، فتخَّيل أنه المسيا المنتظر، ونادى بهذا بين تلاميذه، الذين استهوتهم الفكرة بعد صلبه، فحققوا ذلك الوهم بالتبشير!! فإن كانت المسيحية وهماً…

+ فماذا عن المعجزات التى تؤكد لاهوت المسيح؟!
+ وماذا عن عمق تعاليمه التى يشهد لها الكل؟!
+ وماذا عن صراع المسيحية مع أباطرة هذا العالم؟!
+ وماذا عن عمل الروح القدس فى الكنيسة، والمستمر حتى الآن؟!
+ ولماذا استشهدوا؟! حقاً… إنها شطحات من الفكر الملحد!!

9- نظرية الأشكال الدينية

ظهرت فى ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى (1918-1922)، ولم تخرج فى مضمونها عن المذهب الاسطورى القديم… وأن ما فى الكتاب أساسه آداب، وعادات، وتقاليد، وعرف عام، وفولكلور، كان لدى الشعوب القديمة… فلا تقليد ولا تفسير استلمته الكنيسة، ومن بين ذلك نسبة الأسفار إلى كاتبيها ومن ضمنها الأناجيل الأربعة… إنها “حاجة عصر” و “جو فكرى معين”، لا يتلاءم مع بقية العصور. ومع كل عقيدة هناك أشكال دينية مناسبة، وأسانيد تاريخية، وبراهين ميتافيزيقية… وهكذا تخيلوا أنهم عرفوا مصدر التقاليد الدينية، التى تسلمتها الأجيال، حتى وصلت إلى الكنيسة.

الرد:

+ لقد أنكر هؤلاء: الله، والكلمة، والوحى!! إن كلمة الله كما هى… ربما نترجمها بمفردات عصرية لكنها تبقى ثابتة عبر الأجيال.
+ إن الكتاب المقدس هو الصخرة العاتية التى تحطمت عليها وسوف تتحطم كل محاولات التشكيك، فهو كلام الله، الثابت، والمعصوم، والخالد!!

فلنسجد خاشعين أمام الله الكلمة، الذى أعطانا كلمته فى الكتاب المقدس، وعصمها من الزلل بالروح القدس، الذى أوحى لكاتبى الأسفار، وأعطاهم الدافع المقدس، والأسلوب الخاص بكل منهم، والموضوعات المتنوعة لكى يناقشوها، ليقدموا لنا – بالروح القدس – كلمة الحياة والخلاص، التى هى “أمضى من كل سيف ذى حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح، والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته” (عب 12:4).

ونعمة الرب تشملنا جميعاً،

إشترك في قناة الشجرة المغروسة على تيليجرام ليصلك كل جديد يوميًا

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى