الإيمانالقمص أنجيلوس جرجسلاهوت دفاعيموضوعات مسيحية

القمص أنجيلوس جرجس يكتب عن خرافة إنجيل برنابا

بين الحين والآخر يظهر في الأفق موضوع هذا الكتاب، الذي يشير إليه البعض على أنه الإنجيل الحقيقي، وأننا لا نريد نحن المسيحيون أن نعترف به، وسنروي قصة هذا الكتاب، ونقرأ بعضاً من أفكاره، ثم نعرض لآراء المفكرين الإسلاميين الأجلاء الذين رفضوا هذا الكتاب أيضا معنا.

قصة هذا الكتاب
جاءت هذه القصة* في مقدمة النسخة الإسبانية لهذا الكتاب، وهي نسخة يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر، وهي كالآتي: أن هناك راهب يدعى (فرامارينو) من روما، كان في زيارة يوماً إلى بابا روما (البابا سكستوس) عام 1585م، وكانت هذه الزيارة في المكتبة، فعثر الراهب على كتاب القديس ايرينئوس الذي ينقض فيه تعاليم القديس بولس الرسول، ويشير إلى كتاب يدعى إنجيل برنابا، فأخذ الراهب يصلي إلى اللـه حتى وقع سبات على البابا في المكتبة، وأخذ الراهب يبحث عن إنجيل برنابا حتى وجده، ولما درسه أسلم!
وبالرغم من سذاجة القصة، وعدم منطقيتها، إلا أنها أيضا لا يمكن أن تكون قد حدثت، وذلك للأسباب الآتية:

1- أنه لا يوجد كتاب في العالم كله للقديس ايرينئوس يهاجم فيه بولس الرسول أو تعاليمه … فما هذا الكتاب الخفي للقديس ايرينئوس الذي يناقض تعاليم القديس بولس الرسول؟ ولماذا لم يعثر عليه أحد أو حتى يسمع به؟

2- إذا كان هناك إنجيل يدعى إنجيل برنابا، فلماذا لم يوجد له أي إشارة أو اقتباس منه في كتابات الآباء ؟. فهل يعقل أن طيلة هذه القرون لم يوجد شخص واحد عنده من الأمانة ما يكفي كي يخبرنا بوجود هذا الكتاب؟… فاللـه الذي أعطي سباتاً على بابا روما لكي يجد هذا الراهب الإنجيل المزعوم، ألم يكن قادراً أن يهدي أي شخص طيلة القرون الثمانية عشر كي يهدي به العالم ولا يتركهم مؤمنين بإنجيل مختلف تماماً عن إنجيل برنابا إجمالاً وتفصيلاً؟ وكيف يكون إنجيلاً في القرن السادس عشر ولا يكون له إلا نسخة واحدة في الفاتيكان.

3- إذا كان هذا الكتاب له وجود أيام ظهور الإسلام (في القرن السادس الميلادي)، لوجدنا أي إشارة له في القرآن، فمثلاً نحن نستطيع أن نثبت من المخطوطات التي اكتشفت، وجود الأربعة أناجيل في فترة قبل وأثناء وجود الإسلام، مع وجود خلاف في بعض المواضع بين الإنجيل والقرآن، وهذه المواضع هي نفس المواضع التي يتفق فيها إنجيل برنابا مع القرآن … فكان من المنطقي بل ومن الأولى جداً أن يأتي ذكره في القرآن، والتأكيد على أنه هو الإنجيل الصحيح إذا كانت هذه هي الحقيقة، ولكن هذا لم يحدث، بل على العكس … فإن أعظم مؤرخي الإسلام يذكرون أن الأناجيل أربعة، وهي: متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، كما هو مذكور في الكتب الآتية:

القول الإبريزي للمقريزي ص 18
البداية والنهاية للإمام عماد الدين ص 100 جـ2
مروج الذهب لابن الحسن المسعودي ص161 جـ1 

4- كل أفكار هذا الكتاب خرافات غير مقبولة، فلقد حفل هذا الكتاب بأخطاء عديدة ومتنوعة فضحت فكر وشخصية كاتبه، ومن هذه الأخطاء:

أ-أخطاء تاريخية كثيرة …. منها
أدعى الكاتب أنه لبرنابا الرسول، وأنه أحد تلاميذ السيد المسيح الذين كانوا معه، وهذا خطأ ساذج يلغي الكتاب من البداية من قبل أن نضطلع عليه، لأن برنابا لم يكن من تلاميذ السيد المسيح، بل إنه لم يره أبداً، فبرنابا الرسول هو يهودي قبرصي، آمن على يد الرسل بعد صعود السيد المسيح بتسع سنوات كما يذكر لنا سفر الأعمال (أع 4: 36).

ب-أخطاء علمية وبيئية:
لقد وقع الكاتب في أخطاء تؤكد لنا أنه لم يعرف جيداً الذي كان يتكلم عنه، بل أنه لم ير أبداً الأماكن التي ذكرها … ومن هذه الأخطاء:

ص 19 – 20 – 157 – 166: يقول إن السيد المسيح ولد في الناصرة!! … وهذا خطأ بديهي، إذ أنه من المعروف للجميع أن السيد المسيح ولد في بيت لحم.
كما يقول أيضا أن أورشليم هي ميناء على البحر !! … ومن المعروف أن أورشليم مدينة جبلية.

ص 92: يقول أن السيد المسيح أخذ تلاميذه إلى جبل سيناء، ومكثوا هناك أربعين يوماً وهم صائمين !! …. وهذا لم يحدث، فلم يذهب السيد المسيح إلى سيناء.

ص 3: يقول أنه لما وُلد السيد المسيح كان بيلاطس والياً على اليهودية!! … وهذا خطأ فادح، إذ أن بيلاطس تولي الحكم من عام 26م إلى عام 36م.

ويقول أيضا أنه لما وُلد السيد المسيح، كان هناك وقت رئاسة حنان وقيافا للكهنة … وهذا أيضا خطأ إذ أن حنان كان رئيساً للكهنة من عام 6م – 15م، وقيافا من عام 18م – 36م.

ص 320: يقول إن نيقوديموس وضع 100 رطل من العطور على جثة يهوذا … وهذا خطأ لأن أول من أدخل استعمال الرطل هم العثمانيون في القرن الرابع عشر.

ج-الخرافات التي يذكرها الكتاب
لقد تأثر المؤلف بكتابات معاصرة له مثل دانتي وبعض أفكار الخرافات الغربية. فلنستعرض بعض من هذه الخرافات (المضحكة أحياناً) التي لا يمكن أن يقبلها يهودي أو مسيحي أو مسلم … بل ولا يقبلها أي إنسان له عقل يفكر ويزن الأمور:

ص 54 – 55: “إن اللـه خلق كتلة من التراب لكي يصنع منها آدم، وتركها 2500 سنة دون أن يعمل بها شيئاً، فبصق الشيطان، فأسرع جبرائيل وأزالها، فخرجت مع جزء من التراب، وهذه هي صرة الإنسان” !! … لا تعليق، ابتسم فقط.

ص 60: “إن الشيطان أوعز إلى الخيل أن تبعثر هذا التراب فأخذت تعدو فوقه، فأعطى اللـه روحاً لهذا الجزء من التراب النجس الذي بصق عليه الشيطان فأصبح كلباً، وأخذ ينبح حتى طرد الخيل” !! …. وكأن اللـه قاصر على أن يطرد الخيل، فأوكل هذه المهمة للكلاب.

ص 55: “في يوم الدينونة ستقوم حرب بين الأجرام السماوية، وسيتحول القمر إلى كتلة دم، ويتساقط الدم على الأرض، والنباتات ستبكي بدل الدموع دماً” !! …. لا تعليق، ابتسم فقط.

ص 44: “أن يسوع قال: إن المكتوب في التوراة عن العهد بإسحق لم يكتبه موسى أو يشوع، بل أحبار اليهود الذين لا يخافون اللـه”!!

ص 184: “أن يسوع قال: كل نبوة اعتراها الفساد ولا سيما الوارد منها في كتاب موسى والمزامير” !! 
هذا مع أن السيد المسيح استخدم العهد القديم ليبشر به عن نفسه (لو 4: 16-21)، كما أنه بعد القيامة ظهر للتلاميذ، وكان يفسر لهم من أسفار موسى وجميع الأنبياء الأمور المختصة به لكي يثبت لهم تحقيق جميع النبوات المكتوبة عنه (لو 24: 27).

ص 155: “إن الإنجيل سيبطل عمله عندما يأتي المسيح، أو بالحري نبي الإسلام إلى العالم” …. ولا نعرف أي ارتباط بين اسم المسيح ونبي الإسلام.

ص 166: “أن السماء عشر طبقات” !!

ص 93-210: “الجحيم سبع طبقات مقسمة حسب الخطايا”.

ص 27: “إن خطايا البشر تعود كنهر إلى إبليس لأنه هو مصدرها”… ويذكر كثيراً عن الخرافات التي تصف العذاب الأبدي، والنعيم السماوي، والتي تشبه كثيراً جداً ما كتبه دانتي في الكوميديا الإلهية.

ص 85 – 110 – 270: “أن يسوع قال للكهنة اليهود السامريين: لا ندري كيف يكونوا كهنة سامريين”.
ويقول أيضا: “أن المسيح قال إنه ليس هو المسيا، لكن المسيا هو محمد الذي سيأتي بعده” … وهذه الفكرة في غاية الغرابة، لأن اليهود يعلمون جيداً النبوات التي تتكلم عن المسيا، بل ويحفظونها جيداً، ويدركون تماماً بأن المسيا الذي سيأتي هو مخلصهم … فهل كان نبي الإسلام هو مخلص اليهود؟

ص 34: “طلب الناس من يسوع أن يقيم ميتاً، فخاف كثيراً وأتجه إلى اللـه وقال: خذني من العالم لأن هذا العالم مجنون وكاد الناس الذين فيه أن يدعونني إلهاً” … وهنا ينفي الكاتب إقامة السيد المسيح للموتى وهذا يتناقض تماماً مع القرآن، إذ أن إقامة السيد المسيح للأموات مذكورة في القرآن أيضاً.

ص 286: “أن السيد المسيح قال: ليكن ملعوناً كل من يدرج في أقواله إني ابن اللـه” …. والغريب أنه لم يذكر من الذي أعلم الذين يقولون إن السيد المسيح هو ابن اللـه ذلك، فإن لم يكن المسيح نفسه هو الذي أعلمهم بذلك، فكيف أمكنهم أن يطلقوا على أحد أنه ابن اللـه؟

ص 172: “أن السيد المسيح قال: إني لا أقدر أن أبكي بقدر ما يجب لأن الناس سيدعونني ابن اللـه، لذلك لا أذهب إلى الجن إلا عند يوم الدينونة” … ومعنى هذا الكلام أن السيد المسيح الآن في الجحيم، وهذا يتناقض تماماً مرة أخرى مع القرآن، إذ أن الإنجيل يتفق مع القرآن في أن السيد المسيح في السماء، وأنه نزيه في الدنيا والآخرة.

ص 128: يقول إن اللـه خلق العالم لأجل نبي الإسلام.

ص 241: يقول إن اللـه خلق نبي الإسلام قبل أن يخلق يسوع وأن آدم لما انتصب على قدميه رأى في الهواء كتابة تتألق كالشمس “لا إله إلا اللـه، محمد رسول اللـه”، وأنه لما سأل اللـه عن هذا قال: “إن نفس محمد موضوعة في بهاء سماوي قبل أن أخلق شيئاً بستين ألف سنة”، ثم كتب على ظفر إبهام يد آدم اليمنى “لا إله إلا اللـه” وعلى إبهامه اليسرى “محمد رسول اللـه” …

والغريب أن يقول بأن محمد مخلوق قبل خلق كل شيء بستين ألف سنة، و(كل شيء) تشمل الكواكب وحركتها ودورانها، الأمر الذي عن طريقه يقاس الزمن، فكيف يكون هناك سنوات محسوبة (ستين ألف سنة) قبل خلقة أي شيء؟ فالسنة مقياس للزمن الذي لم يكن قد وجد بعد. هذا إلى جانب عدم معقولية الموضوع أصلاً، فلماذا لم تكتب في التوراة هذه القصة، بينما يوجد في التوراة سفر التكوين الذي يتكلم في أوله عن الخلق؟
بالإضافة إلى وجود مخطوطات قديمة من قبل مجيء السيد المسيح للتوراة، لم يرد فيها مثل هذا الكلام أبداً.

ص 320، 322: يذكر بأن يسوع لم يصلب، لكن اللـه وضع شبهه على يهوذا فصلبوه عوضاً عنه… هذا على الرغم من عدم اتفاق علماء الإسلام الكبار – إلى الآن – على أن الشبه كان على يهوذا، كما أن القرآن لم يذكر هذا أيضا، وإذا رجعنا إلى ما كتبه هؤلاء العلماء الكبار سنجده مخالفاً لهذا تماماً:
الرازي جـ 2 ص 457
ابن كثير جـ 1 ص 366
تاريخ اليعقوبي جـ 1 ص 64 

هذا إلى جانب أن حادثة الصلب يؤمن بها المسيحيون واليهود في كل أنحاء العالم، وقد ذكرها المؤرخون الرومان واليهود، كما ذكرها أيضا المعاصرون لأحداث صلب السيد المسيح.
بالإضافة إلى وجود مكان الصلب، وآثار الصليب، وإكليل الشوك، وكفن السيد المسيح الذي ثبت بعد الأبحاث العلمية البالغة التطور التي تمت عليه، والتي قام بها فريق مترابط ضم علماء في فروع الطبيعة والكيمياء والتشريح والتصوير، مع علماء العهد الجديد والآثار والتاريخ، أن هذا هو كفن السيد المسيح له المجد، وأنه لا توجد إطلاقاً أي تناقضات بين نتيجة أبحاثهم العلمية المتطورة عن الكفن وبين ما تم ذكره في الكتاب المقدس …كل هذه الدلائل كافية تماماً بالرد على تلك الادعاءات.

وأخيراً إليك عزيزي القارئ بعض الآراء التي قيلت عن هذا الكتاب من كبار مفكري وعلماء العالم العربي

كتب الأستاذ عباس محمود العقاد في صحيفة الأخبار بتاريخ 26 / 10 / 1959 عن هذا الكتاب: “لوحظ في كثير من عبارات الإنجيل المذكور أنها كتبت بصيغة لم تكن معروفة قبل شيوع اللغة العربية في الأندلس وما جاورها، وأن وصفه للجحيم يستند إلى معلومات متأخرة لم تكن شائعة بين اليهود والمسيحيين في عصر الميلاد، كما أن بعض العبارات الواردة به تسربت إلى القارة الأوروبية نقلاً عن مصادر عربية، كما تكررت في هذا الإنجيل أخطاء لا يجهلها اليهودي المطلع على كتبه، ولا يرددها المسيحي المؤمن بالإنجيل، ولا يتورط فيها المسلم الذي يفهم ما في إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين القرآن”.

وكتب أيضا الدكتور محمد شفيق غربال في الموسوعة العربية الميسرة تحت عنوان (إنجيل برنابا): “إنجيل مزيف وضعه أوروبي في القرن الخامس عشر، وفي وصفه للوسط السياسي والديني للقدس أيام المسيح أخطاء جسيمة، كما أنه يصرح على لسان عيسى بأنه ليس المسيح إنما جاء مبشراً بمحمد الذي سيكون هو المسيح”.

وكتب الدكتور خليل سعادة مترجم هذا الكتاب في مقدمة الكتاب: “أن هذا الكاتب يهودي أندلسي، اعتنق الإسلام بعد تنصره”.

وكتب الأستاذ محمد جبريل في جريدة المساء بتاريخ 9 / 1 / 1970: “في الحقيقة أن هذا الإنجيل رغم اتفاقه في الأغلب مع وجهة النظر الإسلامية، لم يجد رأياً إسلامياً مسئولاً يؤكد صحته أو يدافع عنه، ومن بين الأخطاء التي وقع فيها ….” (ثم يكمل المقال ويسرد الأخطاء الكثيرة).

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى