إيمان الكنيسةالإيمانالقمص أنجيلوس جرجسبدع حديثةتأملات روحيةموضوعات مسيحية

القمص أنجيلوس جرجس يكتب عن: الفداء والبدلية العقابية

كانت الحياة في تدبير الرب الإله هي الحب والخير والحق المطلق، فحينما خلق الإنسان خلقه بصورة مثالية حسب التدبير، وكانت هذه الصورة كائنة في أعماقه وفي ضميره. ما يُغضب اللـه هو الخروج عن هذه الصورة وما يسره هو إتمام هذا التدبير، وحينما فسد الإنسان خرج خارج هذه الصورة، فكان لابد إن اللـه يعلمه مرة أخرى الصورة المثالية التي كان عليها وهذا هو الناموس.

فالناموس مثل كتاب القانون شيء جامد قانون ليس فيه رحمة يُعلن “النفس التي تخطئ تموت”، يقرر المرض ولكنه لا يُعالج، فأصبح الإنسان محتاج لشيء آخر يزيل عنه لعنة لناموس، فالناموس لا يقدر أن يصنع صلحاً، ولم يحدد طريقاً لإصلاح الفساد.

كان الإنسان يحيا في حالة مثالية “ناموس البر” في الفردوس، في علاقة اتحاد مع اللـه، سقط وتشوه هذا المثال وتشوهت هذه الصورة وفسد الضمير الروحي، فأصبحنا نحتاج لمن يعيد العلاقة مع اللـه، ونحتاج أيضاً إلى من يصنع ضمير جديد للإنسان ويرسم في الداخل ملامح قد تشوهت بالانفصال عن اللـه وبالخضوع للشر والفساد.

فالناموس دوره فقط أنه يحكم ويعلن العدل والاحتياج ويؤجل إلى مجيء المسيح عمل الرحمة وإصلاح المرض وتحقيق الاحتياج. “لذلك الجميع زاغوا وفسدوا” فالجميع إذن أصبحوا مدانين للناموس إذ صار الناموس دائناً لكل البشرية بخطاياهم وفسادهم، وعلى هذا المستوى فالذي يخطئ في حق الناموس يموت بالناموس أي بالعدل.

ولكن ما هو الحل للإنسانية التي تريد الحياة وتريد من يرفع عنهم حكم الموت ويصالحهم مع الرب؟ وهذا ما صنعه المسيح لنا فقد جاء متجسداً وتحت الناموس “ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودا من امرأة، مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني” (غلا 4: 4، 5) ليفدينا نحن المحكوم علينا بالناموس.

فقد جاء المسيح وصُلب وقدم الفداء حسب الناموس، فالمجمع اليهودي اجتمع وأعلن حسب الناموس هو مدان، بينما المسيح بالحقيقة بار بلا خطية، إذاً على مستوى عام صار المسيح دائناً للناموس لأنه بينما الناموس أخذ حقه منه إذ قال: “ملعون كل من علق على خشبة” (غلا 3: 13) ولكنه لم يكن هو خاطئ أو يحمل لعنة.

وحينما رُفع على الصليب لم يكن للناموس أي إمكانية أن يدينه لأنه بار، فأصبح يسد متطلبات الناموس على مستوى لعنة كل البشر وهذا لأنه إله متجسد غير محدود الزمن والمكان والقدرة والسلطان. كمثال لشخص وجدوا في الدفاتر القديمة أنه مديون بمبلغ كبير ولكنه لم يكن مُدان فطالبوه بهذا ودفع المبلغ. وبعد زمن اكتشفوا أن هذا الرجل لم يكن مداناً بهذا المبلغ إذاً يبقى لهذا الرجل رصيد بمبلغ مليون جنيه عند القانون.

قال الرجل أنا سأرسل أشخاص من طرفي معهم شيك أو صك يسحبوا من المليون جنيه حتى يُسدد المبلغ، وهؤلاء الأشخاص كانوا محتاجون لهذا المبلغ لأنهم مديونين به للقانون. فالناموس الممثل في هيئة الهيكل أعلنوا أن المسيح لابد أن يموت لأنه مدان من الناموس، ولكنه قام من الأموات ولم يُمسك في الموت، أي أنه لم يحمل لعنة، فالمسيح أدان الناموس بقيمة موته، حتى يستطيع أن يعبر كل من يموت فيه إلى الحياة.

وعلى مستوى العدل صرنا كلنا نستطيع أن نعبر من دينونة الناموس الثقيلة باتحادنا بالمسيح الذي صار فيه إمكانية تحقيق العدل الإلهي، وبهذا نستطيع أن نفهم فكر بولس الرسول في كل من غلاطية، رومية، وكورنثوس أن المسيح أُدين حسب الناموس وهو لم يكن مديون، لكي تكون قيمة موته كائنة دائمة وذبيحة حية يعطيها لكل من هم محكوم عليهم بالموت ويدخل في شركة الخلاص به.

“لأنه ما كان الناموس عاجزاً عنه، في ما كان ضعيفاً بالجسد” (رو8: 3) صار هو دائنها، صار هو يستطيع أن يسدد ديون الخطايا في جسده، لأنه مات عنا.

“أي أن اللـه كان في العالم مصالحاً العالم إلى نفسه” (2كو5: 19)

“لأنه إن كنا نحن أعداء قد صولحنا مع اللـه بموت ابنه، فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته، وليس ذلك فقط، بل نفتخر أيضاً باللـه، بربنا يسوع المسيح، الذي نلنا به الآن المصالحة” (رو 5: 10)

“أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية” (1كو 15: 55)

“الخلاص الذي فتش وبحث عنه الأنبياء، الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم، باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم، إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح، والأمجاد التي بعدها” (1بط 1: 10، 11)

وهذا هو الفداء العظيم أن الفادي الذي هو الإله المتجسد لأجل الحب، “لأنه هكذا أحب اللـه العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 3: 16)

وحين وجد الإنسان الفاسد والعاصي والذي كان يحمل حكم الموت وذاهب في طريقه الأبدي الذي يحمل عقاب خطاياه وفساد طبيعته نزل وتجسد، ولأنه هو الوحيد القادر على صنع هذا الفداء لأنه الخالق والبار والقادر على الاتحاد بالطبيعة البشرية وإنقاذها من الفساد، ولأنه هو الغير محدود فقد مات لأجلنا وحمل عقاب خطايانا بدلاً عنا ليموت ويقف أمام العدل الإلهي يقدم ذاته ودمه كفارة وفداء لكل من يطلب منه الحياة ويحب الوجود فيه وبه لذلك رآه ماريوحنا في سفر الرؤيا: “خروف قائم كأنه مذبوح” (رؤ 5: 6).

وهذه هي مسيحيتنا، وهذا هو إيماننا الذي به نحيا، إن الإله تجسد واتحد بطبيعتنا ليكون طبيعة واحدة من طبيعتين، وقدم الفداء بدلاً منا على الصليب، وقدم ذاته ذبيحة للآب في محكمة العدل الإلهي ليغطي بدمه كل الذين دخلوا في شركة اتحاد به بالأسرار المقدسة الخلاصية المعطاة للكنيسة، الذي وهبها أن تُعمد وتُخلص وتُحي بجسده الواحد الوحيد الذي هو الكنيسة المقدسة الحقيقية التي تحمل إيمان الرسل وعقيدة الآباء. أما الذين يرفضون إيمانها أو يجحدون بعقائدها فهم في الخارج ولا يستطيعوا أن يخلصوا بدم الذي وهب كل شيء بسلطان الكنيسة، “دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر». آمين” (مت 28: 18-20)

اقرأ أيضًا: عقيدة الكفارة والفداء.. إعلان محبة الله وعدله على الصليب.. بقلم: المتنيح الأنبا بيشوي

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى