إيمان الكنيسةالإيمانالتاريخ الكنسيالشجرة المغروسةالكنيسةلاهوت مقارنمختاراتموضوعات مسيحية

دفاع القس منسى يوحنا ضد هجوم الأب لويس شيخو اليسوعي على “تاريخ الكنيسة القبطية”

نشر الأب لويس شيخو اليسوعي بمجلة المشرق التي يحررها هجوم على كتاب “تاريخ الكنيسة القبطية” للقس منسى يوحنا، وهاجم في مقالة هذا تفاصيل تأسيس القديس مرقس الرسول للكرسي الإسكندري المذكورة في الكتاب، كما حاول أن يؤكد على بدعة رئاسة بابا روما لجميع الكنائس وعصمته من الخطأ، بالإضافة لأمور أخرى قام بانتقادها في الكتاب، وقام المتنيح القس منسى يوحنا بالرد عليه في هذه المقالة التي نشرها في كتيب صغير عام  1925م، ولنلاحظ أثناء قراءة هذا الرد من خلال أسلوبه الممتع الأخاذ كم هو عظيم الغيرة على كنيسته، وقد نتعجب لهذه اللهجة الواضحة الصارخة بالحق والتي نفتقدها بتلك القوة في هذه الأيام.

رد على انتقاد
الأب لويس شيخو اليسوعي
لكتاب “تاريخ الكنيسة القبطية”

بقلم:
القس منسى يوحنا
راعي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بملوي
ومؤلف كتاب “تاريخ الكنيسة القبطية”

تمهيد:
أطلعني بعضهم على انتقاد حرره الأب لويس شيخو اليسوعي بمجلته “المشرق” لكتابي “تاريخ الكنيسة القبطية” وطلب إلي الرد عليه فأحجمت أولًا لأن الانتقاد لم يحو شيئًا يستحق الرد إلا أنني لبيت دعوة الداعي خوفًا من أن يظن الأب أن انتقاده قضى لبانته من حيث هدم الحجج القوية التي أقمناها على بطلان اداعاءات كنيسته.

وها أنا أقدم ردي وجيزا وأترك الحكم لفطنة القارئ. ينحصر انتقاد الأب لويس على كتاب “تاريخ الكنيسة القبطية” في الأمور الآتية:
1- أني تعرضت لما لا علاقة له مع الأقباط من التاريخ الكنسي العام
2- أني كنت مدفوعا بعامل التعصب القومي
3- أن ما كتبته بشأن تأسيس القديس مرقس الرسول للكرسي الإسكندري لا سند له إلا في مخيلتي
4- أن قولي بسقوط ليباريوس أسقف رومية في الهرطقة محض افتراء
5- انتقاد قولنا نقلًا عن أستاذ يسوعي “بأن تقدم الباباوات منه منحت لهم من المجامع والقياصرة لا من الله”
6- اعتبار قصة البابا حنه حديث خرافة

الرد
هذا فحوى انتقاد الأب لويس ونجيب عليه:

أولًا:
اني لم أتعرض للتاريخ الكنسي العام إلا أنه يرتبط ارتباطًا قويًا بتاريخ الكنيسة القبطية. وهل يستطيع الأب لويس أن يكتب لنا تاريخ كنيسة رومية في القرون الخمسة الأولى دون أن يتعرض لتاريخ الكنيسة القبطية؟

وهل يمكنه أن يقول أن أبطال الكنيسة الذين مثلوا دورًا مهمًا مجدوا به اسم مخلصهم لم يكن جلهم إن لم نقل كلهم من أبناء الكنيسة؟ وهل ينكر أن المسيحية في عصورها الأولى لم يكن مديروها ومرشدوها من باباوات الكرسي المرقسي؟ ليتصفح التاريخ الكنسي العام ملقيا الغرض جانبا ليرى أن كنيسته التي يدعى بأنها أم الكنائس احتاجت في أوقات ارتبكت فيها أمورها إلى من يصلح شأنها من رجال الكنيسة القبطية كالبابا ديونيسيوس الذي أعاد بحسن سعيه الكرسي الأسقفي الروماني إلى كرنيليوس (245م) بعد أن كان قد اختطفه منه نوفاسيانوس المبتدع. وكالقديس أثناسيوس الرسولي الذي نظم أحوال كنيسة رومية أثناء اقامته بها. وكالبابا بطرس الثاني الذي توجه إلى رومية سنة 274م وحرك أسقفها داماسوس على أن يعقد مجمعا مكانيا يحرم فيه بدع أبوليناريوس ومارسيل ومكدونيوس لينفي عن كنيسة رومية شبهة موالاتها للهراطقة. فكيف يعيب علينا حضرة الأب تعرضنا للتاريخ الكنسي العام ولم يكن التاريخ الكنسي العام في الأربعة عصور الأولى سوى تاريخ الكنيسة القبطية إذ لم يظهر على مسرح جهاده ويقوم بالدفاع ضد الهراطقة والمبتدعين سوى باباوات ورجال الكنيسة المرقسية.

ثانيًا:
ولقد أتهمنا الأب بأننا كتبنا مدفوعين بعامل التعصب القومي. فليسأل نفسه وليحكم ضميره. ألا يؤخذ من انتقاده أن كل حرف خطه بنانه تتجلى فيه روح التعصب الذي أشتهر به الباباوين في كل زمان ومكان. وهل الذي يدافع عن كنيسته ويرد عنها الافتراء المعيب هو الذي تغشى أبصاره النعرة القومية أم الذي يهجم على شرف الكنائس النقية وحبا في تأييد سلطان يزعمه لنفسه يحاول أن يلطخه ويلصق به كل شين وعار زورًا وبهتانًا؟ ولا يكفيه ذلك بل يفتات على تلك الكنائس وبجرأة ينكر كل ما اشتهرت به من الفضائل. وهل لم يكن الباباويون مدفوعون بروح التعصب الذميم وهم يريدون أن ينسبوا كل فضل على كنيسة المسيح لأنفسهم ويحاولون أن يغتصبوا كل ما تعب فيه غيرهم وينسبوه لذواتهم. فحق فيهم قول القديس باسيليوس الكبير الذي استاء من داماسوس أسقف رومية نظرًا لاستخفافه بقوانين الكنيسة ومقاومة آباء الكنيسة الانطاكية فكتب للبابا أثناسيوس الرسولي يقول “أن نشر الوية السلام فوق ربوع كنيسة انطاكية منوط بك وحدك. لأن ما أصاب هذه الكنيسة يفتقر إلى شفقتك الإنجيلية وحكمتك الرسولية. أن كنيسة انطاكية أيها القديس لم تمزقها أيدي الهراطقة بل أيدي أولئك الذين يدعون أنهم أرثوذكسيين (يريد أساقفة رومية) وهم شر من الأريوسيين” أهـ (راجع رسالة ال66) ثم أرسل ثانية يقول له “أن الهراطقة يحتمون بالأساقفة الرومانيين الذين يغرسون بذور الشقاق أينما حلوا” (رسالة 69 و80).

ثالثًا:
وقد كان الأب قاسيا على الحقيقة في انتقاده حين قال “وكل ما كتبه عن القديس مرقس والقديس بطرس في كتابه (ص7 _ 12) لا سند له إلا في مخيلته” أهـ مع أننا لم نترك حقيقة ذكرناها دون أن نسندها إلى شاهد إنجيلي أو تاريخي. فقد قلنا أن علاقة مرقس الرسول ببولس الرسول كانت أشد اتصالا من علاقته ببطرس. وأتينا بشهادة بولس نفسه حيث ذكر لأهل كولوسي سنة 63م أن مرقس مرسل إليهم من قبله (كو 4: 10) ويتضح من رسالة بولس إلى فليمون (عد 24) أن مرقس كان حينئذ معه في رومية. وفي سنة 67 أو 61م يذكر بولس أن مرقس كان في أفسس وطلب من تيموثاوس أن يحضره إليه برومية (2تي 4: 11).

فواضح من كل هذا أن مرقس خدم مع بولس لا مع بطرس إذ لم يذكره بطرس سوى مرة واحدة حيث يقول في رسالته الأولى 5: 13 “تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني” وقد حاول الباباويون كعادتهم في تحريف الكلام عن مواضعه لحاجة في نفوسهم أن يبرهنوا على أن بطرس يعني ببابل “مدينة رومية” واستدلوا على ذلك ببرهان أو هي من بيوت العنكبوت وهو اطلاق صاحب سفر الرؤيا (14: 8) لقب “بابل” على رومية مع أن سفر الرؤيا كتب بعد موت بطرس الرسول بثلاثين سنة كما شهد بذلك القس يوسف الحلبي الماروني في مقدمه كتابه “العنوان العجيب في تفسير رؤيا يوحنا الحبيب” الذي طبعه المطران يوسف الدبس وكما يشهد الدومينيكان في كتابهم العهد الجديد صفحة 525. قلنا في كتابنا “تاريخ الكنيسة القبطية” أن بطرس قصد ببابل “بابليون مصر” التي كانت حينئذ آهلة باليهود وكانت مهمة بطرس تبشير أهل الختان لاسيما الذين في الشتات كما يصرح بذلك بطرس نفسه في رسالته الأولى 1: 1 وأثبتنا قولنا بذكره لمرقس عقب ذكره لبابل لأن مصر كانت موضع خدمة مرقس كما هو معلوم وهذا هو ميتا فرست الكاثوليكي يقول “أن بطرس بعد المجمع الأورشليمي (52م) رجع إلى رومية (كذا) واجتاز في طريقه مصر وافريقية” (راجع سير القديسين للرهبان الدومينيكان ج1 ص 795) ولكن الباباويون لا يزالون يكابرون ويدعون أن مرقس الرسول كتب إنجيله برومية. وهل في وسعهم أن يكذبوا القديس يوحنا فم الذهب الذي قال في ميمره على إنجيل متى 1: 3 “إن إنجيل القديس مرقس قد كتب في مصر” أهـ وكنا نود لو أنهم أقاموا الأدلة على صدق دعواهم بدل أن يكذبونا من غير دليل. وانى لهم ذلك والحق يشهد أنهم عاجزون عن إيراد دليل تاريخي واحد غير مرتاب فيه لأن تلاعبهم بالشهادات التاريخية أمر مشهور ومعلوم وقد سجله عليهم بطريرك الأقباط الكاثوليك كيرلس مقار في كتابه “الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة”.

نسألكم فأجيبونا في أي سنة كان مرقس متتلمذا لبطرس في رومية؟ أنه يعوزكم دليل واحد في كتاب الله على اثبات ذهاب بطرس لرومية فضلا عن اثبات إقامة مرقس بها ليكون تلميذا لمعلم لم تطأ قدماه أرض رومية إلا في آخر أيام حياته.

بعد استشهاد القديس استفانوس رئيس الشمامسة خرج بطرس لينادي بالإنجيل في أطراف اليهودية (أع 9: 12) وبعد رجوع بولس من دمشق نجده معه في أورشليم (غل 1: 18) ثم نجده سجينا بأورشليم سنة 44م (أع 21: 24) ثم نجده في المجمع الرسولي الذي انعقد في أورشليم سنة 50م (غل 2: 9 وأع 15: 7) ثم نقرأ أنه كان في انطاكية بعد ذلك بسنتين تقريبا (غل 2: 11) ومع أن بولس بعث بالرسالة إلى أهل رومية من مدينة كورنثوس سنة 58م لم يأتي على أسم بطرس في عدد الذين أرسل إليهم سلامًا وذكر أسماءهم ولو كان بطرس في رومية وقتئذ لما ألغى اسمه مع كونه عمودا في الكنيسة (غل 2: 9) وقال الرسول بولس في رسالته لأهل رومية “فهكذا ما هو لي مستعد لتبشيركم أنتم الذين في رومية أيضًا” (رو 1: 15) فكيف ذلك لو كان بطرس قد سبقه وبشر في رومية وهو يصرح بأنه يحترس دائمًا من أن يبنى على أساس غيره (رو 15: 20) وقال القديس لوقا كاتب سفر الأعمال (28: 14- 17) عن وصول بولس ورفقائه إلى رومية “ومن هناك لما سمع الأخوة بخبرنا خرجوا لاستقبالنا. فلما رآهم بولس شكر الله وتشجع” فليس من ثم ذكر لبطرس هنا فهل أهمل الكاتب ذكر استقبال بطرس لبولس مع الأخوة لو كان معهم وهو رأس الكنيسة المنظورة أم اعتبر بطرس قيامه لمقابلة بولس أمرا غير لائق بمقامه العظيم. أظن أنه لم تكن روح الكبرياء السائدة على قلوب باباوات رومية قد سادت بعد على قلب بطرس الذى دوى في أذنيه قول سيده “أكبركم يكون خادما لكم” وقال بولس في رسالته لأهل كولوسي التي أرسلت من رومية سنة 63م “يسلم عليكم ارسترخس المأسور معي ومرقس ابن أخت برنابا. ويسوع المدعو تيطس الذين هم من الختان. هؤلاء هم وحدهم العاملون معي لملكوت الله” (كو 4: 10و11) فلو كان بطرس قد سبق بولس في تأسيس كنيسة رومية أو على الأقل كان شريكا له أما كان من الواجب على رسول الأمم أن يقدمه على أولئك الثلاثة المختونين؟ وكيف جاز لبولس أن يُسقط “رسول الختان” من بين أهل الختان الذين عاونوه في تأسيس كنيسة رومية؟ وماذا يقول الباباويون في لوقا الإنجيلي الذي قال “وبعد ثلاثة أيام (من وصول بولس إلى رومية) استدعى بولس الذين كانوا وجوه اليهود.. (فقولوا له) نستحسن أن نسمع منك ماذا ترى لأنه معلوم عندنا من جهة هذا المذهب أنه يقاوم في كل مكان فعينوا له يوما فجاء إليه كثيرون إلى المنزل فطفق يشرح لهم شاهدا لملكوت الله ومقنعا اياهم من ناموس موسى والأنبياء بأمر يسوع من الصباح إلى المساء. فاقتنع بعضهم بما قيل وبعضهم لم يؤمنوا” (أع 28: 17 _ إلخ) فهل يصح أن يقال ذلك عن أهل مدينة قضى بطرس فيها مدة طويلة يبشرهم بالمسيح؟ ليسمع أصحاب الحجى وينصفوا. وأخيرا بولس كتب إلى تيموثاؤس من رومية قبل استشهاده بقليل (2تي 4: 10 و11) وتشكى من ترك المسيحيين له ما عدا لوقا فقال بصريح العبارة (لوقا وحده معي) دون أن يلمح إلى بطرس فليقل لنا الباباويون من نكذب أكتاب الله أم اياهم؟

يدعي الكاردينال بارونيوس في جدوله للأزمنة عن سنتي 42 و43 بأن بطرس توجه إلى رومية في أواخر سنة 42م ومع أن هذه دعوى فاسدة بلا دليل إلا أنه لا يعقل أن بطرس الذي بحسب شهادة بارونيوس نفسه قد أقام بانطاكية سبع سنين يؤسس كنيستها من سنة 36م لا يقضي برومية غير وقت قصير ومن ثم يبرحها إلى أورشليم لأن الكتاب المقدس يخبرنا أنه في سنة 44 كان في سجن أورشليم (أع 12: 4) والحقيقة أن الرسل لم يبرحوا أورشليم قبل سنة 45م وهاهم الفرنسسكان يقولون في ص 33 من تاريخهم الكنسي المطبوع بأورشليم سنة 1872م “أن الرسل بعد تبشيرهم اليهودية تفرقوا لتبشير العالم سنة 45م” أه وها هو أبولونيوس من أئمة القرن الثاني يقول “أني تسلمت من الأقدمين أن المسيح قبل صعوده إلى السماء كان قد أوصى رسله بألا يبتعدوا كثيرًا عن أورشليم مدة أثنتي عشرة سنة” أهـ (أوسابيوس ك 5: ف 18)

ويدعي المطران يوسف الدبس في كتابه “تحفة الجيل في تفاسير الأناجيل” ص 373 “أن بطرس ومرقس قصدا رومية سنة 45م أي بعد خروج الأول من سجنه بأورشليم” أهـ فكيف نوفق بين هذا القول وبين ما يثبته سفر أعمال الرسل حيث يشهد بأن مرقس كان في نفس هذه السنة وما بعدها مشاركا بولس وبرنابا في الكرازة (أع 13: 25 و13 : 13و15 : 37_39) بل كيف نوفق بين رواية الدبس هذه وبين ما قرره الخوري يوسف العلم في كتابه “تيسير الوسائل في تفسير الرسائل” ص 769 حيث قال “أنه في سنة 45م أمر القيصر كلوديوس بنفي المسيحيين واليهود من رومية” أهـ فكيف يتفق أن يتوجه بطرس ومرقس إلى رومية مع الأمر بنفي اليهود والمسيحيين منها؟ والصواب ما يرويه العلامة لاكتنس. الذي ائتمنه القيصر قسطنطين على تهذيب ابنه كرسبينوس والذي لفصاحته سمي شيشيرون المسيحي حيث يقول في كتابه “الاضطهادات” ص 3 “إنما سافر بطرس إلى رومية في حكم القيصر نيرون” أهـ ومعلوم أن نيرون ملك من سنة 54_68م

فلعل الأب شيخو يعلم بعد هذا أن ما كتبناه بشأن القديسين بطرس ومرقس له سند صحيح لا في مخيلتنا بل في الكتاب المقدس وكتب الآباء المعتبرين وكتب الباباويين أنفسهم. أما قوله بذهاب بطرس إلى رومية فلا يستطيع أن يسنده بشاهد كتابي واحد حتى قال بعضهم “أن كاتب سفر الأعمال أتى بذكر أمر طفيف كحلاقة رأس بولس (أع 18 : 18) ولم يأت على لفظ واحد ولو مجازي يؤخذ منه دخول بطرس إلى رومية” فبماذا يجيب الأب شيخو؟

أما دعواهم بأن بطرس أقام مرقس أسقفا على الاسكندرية وهو في رومية فهي التي يقال عنها صواب القول لا سند لها صحيح  إلا في مخيلتهم ففضلا عما أثبتناه من عدم ذهاب بطرس إلى رومية نذكر ما جاء بكتاب “مختصر تاريخ الأمة القبطية” ص 318 “لأن الرسل لم يكونوا ليقيموا الأساقفة على الكنائس إلا بعد تأسيسها بإيجاد الرعية لئلا يقام الراعي على الجدران ويكون بلا كرسي Inpartibus. وفضلا عن ذلك فأن كتاب الله والتقليد الرسولي وتاريخ الكنيسة تنبئنا صراحة بأن رسل الرب كانوا يؤسسون الكنائس ولم يكونوا ليبرحوها لتأسيس غيرها إلا بعد أن يقيموا عليها الأساقفة الخاصة بها والملزمين برعايتها والسهر عليها كما أتى ذلك بولس في انطاكية ورومية وبطرس في اليهودية. ومرقس في الاسكندرية إلخ ولم تنبئنا تلك الكتب المقدسة بأنهم كانوا يقيم بعضهم بعضا أساقفة تلك الكنائس التي يؤسسونها. ولو أتوا ذلك لنقضوا أمر مرسلها الذي ائتمنهم على تبشير العالم بأسره حيث قال لهم “أذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها” (مر 26: 15) والخلاصة أن الرسل والتلاميذ هم أساقفة مسكونيين لا مكانيون ما عدا يعقوب أخا الرب فأنه فضلا عن كونه أسقفا مسكونيا فقد أقيم أسقفا مكانيا على أورشليم وذلك بصفة استثنائية . وذلك من يد المسيح نفسه بشهادة الذهبي الفم (مقالة 28 على 1 كو 15) ومن يد الرسل بشهادة ايرونيموس (سلسلة المؤلفين الكنسيين ف 3)

رابعًا:
نسب إلي الأب شيخو الافتراء لأني قلت بسقوط ليباريوس أسقف رومية في الهرطقة لأن هذا يهدم دعواهم بعصمة البابا ولكن الأب لم ينصف في ذلك بل كان عليه أن يقيم الحجة ضد مؤرخ كاثوليكي مثله نقلنا شهادته وسجلناها بكتابنا ويظهر أنه (خجل) أن يذكرها فوجه إلينا سهام لومه وأعرض عن ذكر (المعلم الفاضل لومند اليسوعي) مؤلف كتاب “خلاصة تاريخ الكنيسة” المطبوع بمطبعة الآباء المرسلين اليسوعيين في بيروت سنة 1874م الذي قال بكتابه ج1 ص192 ما نصه: “أما البابا ليباريوس فكان أولا أبدى عزما شديدا إلا أنه فشل فيما بعد لما قاساه من زعج المنفى فأمضى على شجب أثناسيوس” أهـ وما معنى الموافقة على شجب أثناسيوس إلا شجل الوهية المسيح المبدأ الذي كان يدافع عنه أثناسيوس ولأجله اضطهد لأن أثناسيوس لم يأت وزرا يستحق عليه الشجب بشهادة الباباويين أنفسهم؟

ولننقل هنا بعض الشهادات التي تؤيد قولنا عن كتاب “مختصر تاريخ الأمة القبطية” فليفندها الأب شيخو وأرجو أن لا يحيلنا إلى مجلة “المشرق” وإنا لجوابه لمنتظرون:

قال القديس أثناسيوس في كتابه “تاريخ الأريوسيين” ف 41 و46 “أن ليباريوس سقط في الهرطقة الأريوسية بعد أن قضى في النفي سنتين” أهـ وقال في احتجاجه الثاني ضد الأريوسيين ف 89 “أنه لم يستطع أن يحتمل آلام النفي فكبا” أهـ وذكر أورنيموس في كتابه “مشاهير الرجال” ف 97 وفي “جدوله للأزمنة” عن سنة 354م “أن ليباريوس سئم المنفى وضجر من الوحدة. فأمضى الكفر الأريوسي. ودخل رومية بعد ذلك الجحود ظافرًا منتصرًا” أ هـ وقال هيلاريوس أسقف بوايتيه في الرسالة التي بعث بها إلى القيصر قسطنس “لقد كنت بأفراحك عن ليباريوس أشد كفرا وأكثر إلحادا مما كنت عليه عند أمرك بنفيه” أهـ وقال أيضًا ذلك الأسقف الأرثوذكسي الغربي في رسالته إلى ليباريوس ف 11 “الويل لك أيها المجرم الخبيث. الويل للمقطوع من شركة الكنيسة الجامعة. الويل لك يا مثلث اللعنة” أهـ

وفوق ذلك فقد ظهر في القرن الخامس ثلاثة كتب لاتينية تسجل على ليباريوس سقوطه في هرطقة أريوس. ولم تزل هذه الكتب موجودة حتى اليوم وهي “تراجم الباباوات الرومانيين” و”أعمال استشهاد القديس فيلكس الثاني” و”أعمال استشهاد القديس أوسابيوس أسقف فرسيل الذي قتله ليباريوس” ولقد قال القس أوكسيليوس “أحد رجال القرن العاشر” في كتابه “الدفاع عن البابا فرموز ضد البابا سرجيوس الثالث (وكلاهما روماني) “من ذا الذي يجهل أن ليباريوس أنغمس في الهرطقة الأريوسية. وأنه أصبح ركنا من أركان الهرطقة الفظيعة. ومن لا يدري أن سلوك ذلك الأسقف الضال بات سببا في المصائب التي حلت برومية بعد عودته إليها” وقد أشار الكاردينال بارونيوس إلى تلك المصائب بأن قال (لما استرد ليباريوس كرسيه أجبر الشعب على اتباعه في ضلاله. واضطره إلى قبول الأسرار الإلهية من يده غير أن الرومانيين قد رفضوا هذه الشركة الاثيمة وانفصلوا عن أسقفهم الجاني الذي أثار عليهم حربا عوانا سفكت فيها دماء الأبرياء حتى في صحن الكنائس وأمام الهياكل” راجع بوسيه في كتابه (الدفاع عن اقرار الإكليروس الفرنسي) ك9 ف33 وبيوس التاسع أسقف روية صدق على قاموس بولييه القائل في ص 1041 (أن النفي قد زعزع إيمان ليباريوس فوقع على صورة الأريوسيين) أهـ. وقال الأسقف الفرنسي بوستيل في ص 110 من كتابه (تاريخ الكنيسة المطبوع سنة 1842 في مطبعة الآباء الاغسطينيين في (ليل) (فرنسا) “أن ليباريوس قد جبن لدرجة أدت به إلى أن يوقع الحرم على القديس أثناسيوس الاسكندري” أهـ وجاء في كتاب “الدلالة اللامعة” المطبوع بعناية مجمع انتشار الإيمان برومية ص 147 وفي كتاب “تاريخ الكنيسة” ج1 ص192 و193 للومند الجزويت ما يؤيد سقوط ليباريوس في الهرطقة. وقال غريغوريوس جرجس شاهين (رئيس أساقفة السريان الكاثوليك بدمشق) في كتابه “نهج وسيم” ص 135 “يعلم التاريخ اليقيني أن ليباريوس الحبر الروماني كان قد صدق على صورة إيمان الأريوسيين الناكري لاهوت المسيح” أهـ وليفونسوس مارديادي ليكوري أحد قديسي الكنيسة الكاثوليكية يقول في كتابه “دحض الهرطقات” ص 83 عن ليباريوس نقلا عن أورسي م6 ك14 عد71 “أنه أمضى احدى الصور الأريوسية حارما القديس أثناسيوس” وكتب في ص86 نقلا عن الكاردينال بارونيوس في جدوله للأزمنة عن سنة 357 في 57 عن فيلكس الذي سبق وذمه لأنه أخذ مكان ليباريوس “أنه لما سمع بخطأ ليباريوس أتحد مع الكاثوليكيين وحرم الملك ومن ذلك الوقت ابتدأ أن يعتبر بابا شرعيا كما ابتدأ أن يحسب ليباريوس معزولا من الباباوية” أهـ والغريب أن ليكوري في سلسلة باباوات رومية يعتبر كل من ليباريوس وفيلكس بابا ويصدر اسمه بلفظة “قديس”

قال الأب كيرلس مقار بطريرك الأقباط الكاثوليك في كتابه “الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة” أضف إلى هذا الإلحاد الذي أرتكبه مجموع الأسقفية الغربية الحاد البابا ليباريوس نفسه بصفته أسقف الكنيسة الرسولية الوحيدة في الغرب كله فأن ليباريوس هذا بعد أن سئم آلام النفي مدة سنتين وتاقت نفسه إلى أن يعود إلى التربع على كرسي رومية الكبير.. جحد إيمان نيقية وقطع القديس أثناسيوس من شركة الكنيسة وأعتنق الأريوسية” أهـ ليفحص الأب شيخو جيدا “سيرة القديسن” المطبوع بالموصل سنة 1870م بمعرفة الرهبان الدومنيكان فيجد أنهم قد غفلوا اسم ليباريوس اغفالا ولم يرضوا أن يحسبوه قديسا. أما احتجاج الأب علينا بأن سنكسار كنيستنا القبطية يذكر عيد ليباريوس فلا يزيف قولنا لأننا نعتقد أن ليباريوس بعد أن يقط في الهرطقة تاب وندم ونحن نجادلكم في امكان سقوط البابا (المعصوم) في الخطأ لا في هل مات ليباريوس قديسا أو هرطوقيا.

خامسًا:
انتقد الأب شيخو قولنا نقلا عن أستاذ يسوعي “بأن تقدم الباباوات منه منحت لهم من المجامع والقياصرة لا من الله” لقد أنكر أولا وجود يسوعي يدعى “ارهاديوس بيليوس” فمع أننا نعترف له بسعة الاطلاع إلا أننا ننكر عليه أنه لم تعد تخفى عليه خافية أو لم يعد يجهل كتابا مطبوعا وأظنه يوافقنا على ذلك بعد أن تهدأ ثائرة غضبه من كتابنا وتخمد جذوة غيظه ورغبته في تكذيبنا ولو بالتمويه اذ “العصمة لله وحده” أو “لله والبابا فقط” كما يعتقد حضرته

أما استغرابه القول “أن تقدم الباباوات منه منحت لهم من المجامع والقياصرة لا من الله” فليس في محله لأن الله لم يمنح رسله سلطانا على البقية. واني على يقين أن الأب لا يجهل ذلك الخلاف الذي شجر بين الرسل في من منهم هو أعظم في ملكوت السماوات وقد أتفقوا أخيرا على أن يرجعوا في الأمر لسيدهم. وقد كان المخلص له المجد عوضا عن أن يكلف الأب شيخو بذل الجهد في استخراج الأدلة لإثبات رياسة بطرس يستطيع أن يقول له بصريح العبارة “أنت هو الأول والأعظم” ولكن يسوع دعا ولدا وأقامه في وسطهم وقال “الحق الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات. فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السموات” (مت 18: 1_3)

قال الأب شيخو “فنسى الشماس قول الرب لبطرس “أنت الصخرة” والرب لم يقل بطرس “أنت الصخرة” بل قال له “أنت بطرس وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي” وهذه هي الترجمة الحقيقية اليونانية وتطابقها الترجمة القبطية وهاك لفظها بلغتنا: وأنا أقول لك أنت بطرس وسأبني كنيستي على هذه الصخرة

فالصخرة إذن التي بنيت عليها كنيسة المسيح هي حسن الاعتراف بالسيد المسيح بل أن السيد المسيح ذاته هو صخرة الحق لا شخص بطرس بل اعترافه الحقيقي بسيده أنه ابن الله الحي فالشماس لم ينس قول المخلص لبطرس “أنت الصخرة” اذ لم يقل له ذلك ولكن الأب شيخو نسى قول كتاب الله “الرب صخرتي وحصني ومنقذي” (2صم 22:3) وقوله أيضًا “ليس صخرة مثل إلهنا” بل نسى قول بطرس نفسه “هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار رأس الزاوية” (أع 4: 11) وقوله أيضًا “لذلك يتضمن أيضًا في الكتاب هنذا أضع في صهيون حجر زاوية مختارا كريما والذي يؤمن به لن يخزي. وحجر صدمة وصهرة عثرة” (1بط 2: 6-8) وقول بولس “لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح” (1كو 10: 4)

قال الخوري يوسف العلم في “تفسير الرسائل” ص14 في شرح قول الرسول بولس “لا يستطيع أحد أن يضع أساسا آخر غير الذي وضعه يسوع” (1كو 3: 11) “قال القديس انسلموس وغريغوريوس في هذه الآية أن أساس الكنيسة وأساس كل مؤمن فيها إنما هو يسوع المسيح أي الإيمان بالمسيح المخلص” وعلى هذا المعنى يكون المسيح وحده أساس الكنيسة القائم بنفسه المسند كل البناء. وأما تسمية الرسل بأساسات الكنيسة كما ورد في سفر الرؤيا ص 21 فليست من هذا القبيل بل من حيث تبشيرهم وتعليمهم في الأول” أهـ

استدل الأب ثانيا على رياسة بطرس وخلفائه بقول المخلص له ليلة آلامه “لقد صليت لأجلك لكي لا ينقص إيمانك” (لو 22: 31 و32) ولو تأمل جيدا في هذا القول بعد أن يرفع حجاب التعصب الذميم الذي يتهم به غيره لرأى فيه انذار لبطرس لا تثبيتا لرياسته لأن المخلص قال له ذا بعد قوله “سمعان سمعان هوذا الشيطان قد طلبكم كي يغربلكم كالحنطة” فهذا التخصيص في المخاطبة لا يستدل منه على تولية بطرس الزعامة بل يفهم منه أنه تنبية وايقاظ حتى يكف عن الاتكال على نفسه والاعتماد على ذاته خشية السقوط. وقوله “صليت لأجلك” لا يقصد به أنه يمنحه بركة خاصة وامتيازا بل أنه سينكره ولكنه له المجد لا يسمح بهلاكه. وقد سبق الرب وصلى لأجل كل الرسل (يو 17: 9 و11 و15 و17 و19) أما قوله “لئلا ينقص إيمانك” فلا يراد به أنه يعينه حتى لا ينقص إيمانه شيئا بل لكي لا يفنى كلية والدليل على ذلك من وجهين:

1_ أن النص القبطي كاليوناني معناه “لئلا ينفذ (أو يفرغ) إيمانك”
2_ ولو كان المعنى أن إيمانه لا يشوبه نقص لما رؤى يجاهر بجحود سيده أمام أمة. فمفاد قول المخلص أنه سيسقط ولكنه سيقوم بالتوبة.

استدل الأب ثالثا بقول المخلص لبطرس بعد قوله “لقد صليت لأجلك لكي لا يفنى إيمانك” “وأنت متى رجعت فثبت أخوتك” ويفهم مما مر بنا أن المخلص يعلم بطرس أن سقوطه وقيامه سيكون نموذجا للآخرين حتى لا ييأس أحد من الخلاص ومما يؤيد ذلك أن بطرس لما سمع خطاب سيده لحد قوله “وأنت متى رجعت فثبت أخوتك” وتجرأ على اجابته قائلًا “يا رب اني مستعد أن أمضى معك حتى إلى السجن وإلى الموت” فالمخلص كرر الانذار إليه قائلًا “أقول لك يا بطرس لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني” (لو 22 : 33 و34) فكأنه يقول له أيها الضعيف الذي تدعي بأنك ستثبت معي في آلامي دون باقي الرسل ستكون وحدك منكرا لي عكس ما تدعيه الآن.

استدل رابعا بقول المخلص لبطرس بعد القيامة “أرع خرافي ونعاجي” وواضح لمن يتأمل قليلا في تنبية السيد لبطرس ليلة الآلام أنه سينكره ثلاث مرات وأصرار بطرس على عدم التسليم بذلك وفي سؤال السيد لبطرس بعد القيامة بقوله “أتحبني” أنه يذكره بما فرط منه حتى يتعلم أن لا يعتمد على ذاته أبدا. والدليل على ذلك أنه حينما سئل بطرس من المخلص ثالثة “أتحبني” وقال له “يا رب أنت تعلم كل شىء أنت تعلم أني أحبك وكأنه فهم أن السيد يريد أن يذكره بما بدا منه ليلة الآلام من الادعاءات المتكررة التي لم يف منها بشيء فتأثر وشمله الحزن. فهنا تكرار السؤال ليس معناه تولية بطرس الرياسة بل تأنيبه وتهذيبه وإلا لفرح بطرس وتهلل عوض الحزن الذي ملأ قلبه.

ومعنى قوله (أرع) تثبيت بطرس حتى لا ييأس كلما تذكر سقوطه فالمخلص بقوله “أرع” أعاد لبطرس صفة الرعوية كباقي الرسل أخوته التي فقدها بجحوده. على أن السيد له المجد لم يحصر تفويض الرعاية في شخص بطرس بل فوضها لكل من رسله قبل صعوده إلى السموات (راجع مت 28: 18)… إلخ ومر 16: 15 ولو 24: 27 و48 و50 و يو 20: 11) وبولس الرسول سمى قسوس أفسس رعاة (1ع 20: 28) وبطرس نفسه أطلق لقب راعي على كل عامل في كرم الرب (1بط 5: 4-4) قال القديس كيرلس (أن باعتراف بطرس المثلث محيت الجحدات الثلاث. وبأقوال يسوع المسيح لبطرس ثلاثا أرع غنمي قد عينه جديدا في رتبة الرسولية كي لا يتبين بأنه قد عدمها بسبب الجحد الذي حصل بسبب ضعف البشرية) “كتاب الفاحص والمؤمن ص 91”

سادسًا:
اعتبر الأب شيخو قصة البابا حنة حديث خرافة مع أننا أشرنا بكتابنا ص 442 إلى المصدر الذي نقلنا عنه روايتها وهو موسيهم الذي نقلها عن مؤرخين غربيين. كذا ذكرها الأب جراسيموس مسره في كتابه (تاريخ الانشقاق ج1 ص357) وهل يستطيع الأب أن يمحو قصة هذا البابا من كل كتب التاريخ التي تملأ الأرض حينئذ نرى من التعصب الذميم أن نذكرها أما وهي قصة مشهورة ومعروفة فليس له حق أن يتهمنا بالتعصب لأننا أشرنا إليها.

وهل يعتبر الأب أن قصة البابا حنة وصمة عار في جبين الباباوية. وهل نسى أو تناسى تاريخ الباباوية في القرن العاشر أو لم يقرأ شيئا عن الباباوات الذين أتخذهم الروائيون أبطالا لقصص مخزية تمثل على المسارح كالبابا اسكندر السادس (بورجيا) لعلك ترى بعد ذلك أيها الأب أن الشماس لا يستحق لقب (المتعصب الذميم) الذي لقبته به وإلا كنت تتهم به كل مؤرخ كان نزيها وخاليا من الغرض كم من حوادث مستنكره تشوه بها تاريخ الباباوية نمسك القلم عن الخوض فيها حتى لا يندى منها وجه الأديب حياء.

أما باقي ما ورد في انتقاد الأب من شتائم ومذام فنجل أنفسنا عن الرد عليها فقط كنا نتوقع أن يترفع الأب وهو رجل عالم وله صفة إكليريكية عن توجيه قوارص الكلام لمن يرغب في مناظرته. وكان أجدر به أولى أن يصرف همه إلى اظهار الحقيقة مجردة عن الألفاظ القاسية التي نسامحه عليها ونتمنى ألا يلوث بها قلمه مرة أخرى.

هذا وقد أخذ الأب يرمينا بل ورمى الشرقيين عامة بقلة العلم وأنشأ يفخر بالغربيين ويتفوقهم واستدل على ذلك بكلمة دوناها بكتابنا أسفنا فيها على قلة عنايتنا بحفظ آثار آبائنا فمعنى ذلك أيها الأب أنا نعلم تمام العلم فضل مجهودات آبائنا عليكم ونلوم أنفسنا على تركها غنيمة باردة لكم تثقفون بها عقولكم ثم يكون الجزاء أن تجحدوا وتكفروا النعمة وتدعوا أن المعارف منكم نشأت وإليكم تعود.

تلك حقيقة نربأ بالأب أن ينكرها ولا يعترف بها وهو المستشرق المعروف الذي لم يجد في كتب الغربيين ما يروي ظمأه وتعطشه للعمل ووجد ذلك في المكاتب الشرقية التي علمته كيف يمسك القلم ليجري بسب أهلها وتحقيرهم بأنهم أقل منه كفاية ودراية سامحه الله..

لقد تذرع الأب بخطأ ورد سهوا وهو الإشارة إلى القديس إغناطيوس أسقف أنطاكية بأنه أسقف رومية وعهدنا بالعلماء التواضع ولكن الأب تنكب طريقهم وراح يملأ ما ضغيه فخرا. غفر الله له هذا التباهي الذي لم يكن يليق برجل علم ودين مثله.

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى