الإله الكائن فوق الجبل.. بحث عن مفهوم الإيمان في المعتقدات الدينية المختلفة

– تمهيد –
منذ أن انفصل الإنسان عن الله بسبب خطيئة الإنسان الأول وقد تاه حائرًا في الأرض يبحث عما فقده .. عما كان جزءاً من وجدانه .. عما كان يشبع نفسه .. ظلت روحه حائرة على مر التاريخ تبحث عن مصدرها .. عن راحتها .. عن منبع السلام .. عن خالق النفس ومريحها ..
تكاثرت البشرية وتكونت المجتمعات وظل كل مجتمع ، قبيلة وقرية يبحث بطريقته وحسب اعتقاده عما يشبع كيانه وهو لا يعلم ما قد فقده وما كانت صفاته .. وظل الإنسان واقفاً تحت هذا الجبل الشامخ يحدق إليه يحاول أن يخترق بنظره ماوراء قمته التي تختفي خلف السحب والضباب .. وظل حائراً من هو هذا الإله الذي يقبع خفياً فوق الجبل حيث لا يستطيع أن يصل المرء إليه ! كيف نرضيه ؟ كيف نعرفه ؟ كيف نتقي غضبه ؟ وكيف نرجو عطاياه ؟!
ظلت النفوس حائرة على مر التاريخ كيف تعود وتصل إلى كيانها المفقود ، وكان كل معتقد يجتهد أن يصل بحسب ثقافته وعاداته وبيئته ، ولكن لم يستطع أي معتقد أن يصل إلى هذا الإله البعيد الذي يقبع فوق الجبل .. حتى في الديانة اليهودية وقت أن كان اليهود في أرض سيناء كانوا اقرب ما يكون من الإله الحقيقي .. اقرب من اقترب من ذاك الجبل ولكنهم وقفوا اسفل ذلك الجبل لا يجرؤون على الاقتراب فكانوا لا يزالوا منفصلين عن الإله.. إلى أن جاء مليء الزمان ونزل هذاالإله العظيم واستعاد بنفسه ما خلقه وحقق ما عجز الإنسان على مر العصور من أن يدركه .. وعادت النفس أخيراً إلى موطن راحتها داخل حضن هذا الإله العظيم..
كثرت المعتقدات وتعددت المفاهيم الإيمانية المختلفة ولكن جاءت أخيراً الديانة المسيحية لتكون حداً فاصلاً في التاريخ .. جاءت لتكرز بالحق .. جاءت بمفتاح المعضلة التي طالما فشل الإنسان عن ادراكها..
هذا ما سنتناوله في هذا البحث – مفهوم الإيمان في المعتقدات الدينية المختلفة – هدف هذا الإيمان .. الممارسات الإيمانية .. الأساس المبني عليه هذا الإيمان .. الفروقات في الإيمان بين المعتقدات .. لنصل في نهاية بحثنا هذا إلى حل معضلة الإنسانية بنزول هذا الإله الذي طالما بحثت عنه البشرية ، وقدمت لنا الديانة المسيحية الإيمان المطلق لتعطي البشرية ماء الحياة الحقيقي لترتوي منه كل نفس ظمآنه.. وحينما كرز بولس الرسول للأثينويون أعلن بكل قوة أن هذا الإله المجهول الذي تتقونه ولكن تجهلونه هو ما أنادي به وأنه خالق العالم ورب السماء والأرض .. نعم .. فقد قدم لهم ما بحثوا عنه هم واجدادهم فوق الجبال ولم يصلوا إليه ..
+ + +
– مقدمة –
“ما أعجب قصة الخلق .. وما أعجب حياة الإنسان على هذه الأرض .. لقد كانت هذه القصة دائماً هي الأساس الأول في كل العقائد الإنسانية التي نشأت في هذا العالم الكبير ومهما غاص المرء في أعماق تاريخ البشرية فسيجد لهفة الناس تتركز على تاريخ خلق العالم والطريقة التي صنع بها .. ومن هو الذي خلقها .. وما هو تفسير هذا الخلق ومتى عُين الإنسان مشرفاً عاماً على هذه الأرض .. وكان هذا هو أول طريق البشرية في محاولة البحث عن الله”
(د.سليمان مظهر – كتاب قصة الديانات)
نعم .. لقد ظل هذا الإنسان تائهاً لا يعلم ماينقصه ولكنه على يقين أن ما ينقصه ويبحث عنه له علاقة وثيقة بأسرار الكون التي لا يفهمها ولكنه يؤمن بوجودها .. ففي كل معتقد نكتشف ثوابت إيمانية مشتركة كأنه يوجد لها أساس واحد وأصل ومصدر واحد مشترك.. فطالما آمن الإنسان فطرياً أنه يوجد إله خالق .. قوة جبارة .. لها سلطان على كل مفاصل الحياة بل ولها سلطان على ما هو بعد الموت..
“إن الرغبة في تمجيد الله تعالى، هي رغبة موجودة بالطبع في كافة المخلوقات العاقلة، إلا أن جميعها تعجز عن التكلم عن الله كما يجب. ومع أن هناك تباينا بين الواحد والآخر في حرارة التقوى، فلا يبلغ أحد درجة العماوة، ليخدع ذاته فيتصور أنه ارتفع إلى أعلى ذروة من الوعي. ولكن كلما رأى نفسه ينمو في المعرفة كلما أحسَّ بضعفه”
(الأب / باسيليوس الكبير)
“الدين هو الروح واعيًا جوهره .. هو إرتفاع الروح من المتناهي إلى اللامتناهي”
(هيجل فيري)
“الدين هو منظومة من المعتقدات والممارسات المتعلقة بأمور مقدسة ومن حيث هو نمط للتفكير في قضايا الوجود وامتحان العقائد والتصورات الدينية للألوهية والكون والإنسان وتحديد طبيعة العلاقة بينهم .. إن وجود الدين أمر ضروري للروح المطلق لأن الدين هو الشكل الخاص بوعي الحق كما هو بالنسبة إلى عامة الناس ..”
(د. محمد عثمان الخشت – كتاب مدخل إلى فلسفة الدين)
وهنا يؤكد الباحثون أن المعتقد الديني هو منظومة تصورات إيمانية لعقائد وممارسات لها علاقة بشكل الإله وتفسير أمور هامة كالخلق .. الوجود .. الكون .. مابعد الموت .. نعم .. فقد كان هم النفس البشرية هو الوصول لأصل وجودها ..
“لذا “فالإيمان” مفهوم عام وشامل وهو الفهم والإدراك والوعي لحالة ذهنية وشخصية ثابتة وراسخة من الثقة تجاه شخص أو فكر أو شيء ما ، معتمداً إعتماداً راسخاً على صحة وقدرة وخصائص الشخص أو الفكر أو الشيء وإن إنتفت الأدلة المنطقية لإثبات ذلك .. وهذا الإيمان يترجم إلى مجموعة من المشاعر والممارسات المنظمه والمؤسسه بواسطة التعاليم والتقاليد تجاه هذا الشخص أو الفكرة أو الشيء وهذا ما ندعوه “دين” ..”
(الأب/ متى بديع – كتاب قضية الإيمان)
ظل مفهوم الإيمان لدى كل معتقد ديني يحوي في داخله اسرار نشأة هذا الدين وارتباطه بثقافة المجموعة التي تعتنقه وتأثره بالظروف الاجتماعية والبيئية المحيطة بهم .. فتأثرت ممارساتهم الدينية أيضاً بالمناخ الإجتماعي للمجموعة..
“ومع تغير الناس في العالم وتناسلهم راحت تلك العقائد الإنسانية تتغير وراح كل جديد يمحو القديم حتى انمحت من الوجود الآن بعض الديانات الإنسانية التي كانت موجودة فيما مضى من الأيام تماماً كما انمحت أمم وشعوب كانت موجوده على الأيام .. ولكنها كانت مع كل ذلك تواصل جهدها لمحاولة الوصول إلى معرفة الله .. الخالق الأول العظيم”
(د.سليمان مظهر – كتاب قصة الديانات)
ولكن من العجيب برغم اختلاف العصور وتعدد الثقافات واختلاف الظروف والتحديات التي تواجه المعتقدات المختلفة ، إلا أنه ظل ثابتاً داخل القلوب الاشتياق إلى ما هو خفي .. إلى ذلك الإله الغير منظور .. الكلي القدرة .. الذي يسيطر على قوى الطبيعة .. الذي لا يحده شيء .. وكان اشتهاء كل مجموعة أو قبيلة أن يصبح هذا الإله خاص بها وكأنه يميزها عن باقي الشعوب التي لا تستحقه .. وهو الذي يحميها وينصرها في الحروب على باقي البشر ..
“فمن الشائع بين العديد من الأقوام البدائية وجود إدراك لإله بعيد موجود في السماء أو في مكان بعيد ما .. وهذا الإله صنع كل شيء .. الأرض والبحر والسماء والكائنات الحية .. الذي يراقب عن بعد كل ما يجري على الأرض ورغم عدم موافقته احياناً على كثير مما يراه ، إلا أنه نادراً ما يتدخل .. مثل هذا الاعتقاد يبدو أكثر وضوحاً بين أدنى الجماعات البدائية : اقزام افريقيا ، والسكان الأصليون لتيراديل فوليغا ” أرض النار” في امريكا الجنوبية ، البوشمان في استراليا .. عند اكثر الجماعات تخلفاً يسود اعتقاد قديم مفاده ان الإله الأعلى كان يعيش على الأرض فيما مضى يرشد الناس وينظم قوانينهم وبعد ذلك رحل إلى موطن السماء .. ومن هناك راح يهتم بأحوال البشر واحياناً يعاقبهم بقسوة على هفواتهم ، البرق سلاحه ، الرعد صوته ..”
(د. فراس السواح – موسوعة تاريخ الأديان)
إذن فحتى أكثر القبائل بدائية كانت بصورة ما تؤمن بأنها ذات يوم كانت تتمتع بالعشرة مع إلهها ولكن لسبب ما حدث انفصال بينهم .. ولكن العجيب أيضاً أنهم يؤمنوا بأنه مازال يهتم بهم ويتابعهم عن بعد ..
وبرغم بدائية بعض القبائل التائهة حول العالم فإن معتقداتها الدينية التي لا ترقى إلى تكوين دين كامل راسخ إلا أنها معظمها لا تزال تبحث عن قوة خفية .. طاقة عظمى .. إله خالق ومصدر الحياة .. مدبر الكون .. وفي رحلة بحثها عن هذا الإله تتأثر المعتقدات بالثقافات والظروف الإجتماعية والسياسية وتتشوه ويتشتت معتنقوها مابين اساطير تخدم مصالح مؤلفوها .. أو أعمال سحر تضمن سيطرة رؤسائها .. إلا أنه يظل فكر هذا الإله داخل كل قلب .. من هو ؟ أين يقبع ؟ لماذا انفصل عنا ؟ هل يرانا ؟ هل يحبنا ؟ لماذا لا يحدثنا ؟ كيف اتجنب غضبه ؟ كيف أنول رضاه ؟ ..
ولم يكن أبداً يتخيل قلب بشر أن ذاك الإله الغامض الذي طالما بحثنا عنه سيزور يوماً كل قلب ويمكث في كل بيت ..
“إن الدين الحي يواجه الإنسان بأخطر ما يمكن أن يقدمها العالم له .. إنه يدعو الروح لأرفع وأسمى مغامره يمكن ان تقوم بها .. يدعوها لسفر عبر غابات وقمم وصحاري الروح البشرية . إنه نداء لمواجهة الحقيقة والسيطرة على النفس..”
(د. هوستن سميث – كتاب أديان العالم)
نعم في رحلة الإنسان للبحث عن مصدر راحته يتخبط في معتقدات كثيرة .. وأديان مشوهه.. واساطير خادعة .. حتى يصل أخيراً تحت هذا الجبل – في الديانة اليهودية – فكانوا الأقرب للإله ولكن لم يجرؤوا لصعود هذا الجبل .. ولكن جاء الرد في ملء الزمان – في الديانة المسيحية – بنزول هذا الإله المحب من سماء مجده ابعد عن الجبال ليستقر في قلب كل انسان ويصعدنا معه ليس فوق الجبال وانما إلى سماء لم نكن يوماً نستحقها..
+ + +
يمكن تصنيف المعتقدات الدينية المختلفة حسب قربها من ذلك الجبل الذي يقبع فوقه إله الكون – اقصد القرب من الفهم الواعي للإله الحقيقي والإيمان السليم المطلق – كالآتي:
1- المعتقدات البدائية التطورية ما قبل الحضارات
2- النظريات الإعتقادية ما بعد الحضارات

1- المعتقدات البدائية التطورية ما قبل الحضارات:
كان أساس المعتقدات البدائية ينبع من تعاملات الإنسان مع الطبيعة .. فكان يدرك أن هناك قوة ما تسيطر على الطبيعة وكل مظاهرها ، كالهواء ، الرياح ، الحرارة ، الزلازل ، البراكين .. وهي قوة تفوق الطبيعة أو ما وراء الطبيعة ..
وكان هذا الشعور الداخلي الذي يجوز أن نسميه ” الدستور الفطري ” هو نواة العقيده الدينية لدى الإنسان .. فهو يبحث عن قوة ما تسيطر على كل مظاهر الكون التي تخيفه وترعبه ويحاول أن ينول رضاها ..
طالما كان قلب الإنسان يبحث عن إلهه ويطوق لمعرفة أصله .. ولكن في بدايات الكون كان مفهوم الإيمان لدى الإنسان البدائي ينحصر في الإيمان بإله خاص لكل قوة من قوى الكون .. كإله للبحار – إله للرياح ، إله النار ، وهكذا .. فكان تعدد الآلهة هي السمة الغالبة لهذه الحقبة.. وفي خطوة أكثر تطوراً تعد قمة هذه المرحلة عندما توصل هذا الإنسان البدائي لتصنيف قوى الكون إلى خير وشر .. بحسب درجة ألمه أو نفعه منها ..
فصارت قمة تطور تلك المرحلة هو الإيمان بإله للخير وآخر للشر .. وكان الإنسان يحاول إرضاء إله الخير لينول بركاته بينما يحاول تجنب عقاب وأذى إله الشر ..
ولتحقيق إيمانه هذا كان يتممه في صورة ممارسات بدائية لإرضاء الإله تتفرع إلى جزئين رئيسيين:
1- العباده: في صورة طقوس وحركات وأنغام بإستخدام الوسائل والآلات المتاحة في هذا العصر كالطبول والأبواق..
2- تقديم القرابين: بدءاً من أطعمه وثمار أو حيوانات إلى تضحيات البشرية..
في مرحلة ما في تاريخ البشرية تطور فكر “تعدد الآلهة” إلى فكر “التمييز أو الترجيح” : وهو عندما إختار الإنسان إله ما من الآلهة ليكون القوة الأعظم ويعلو فوق باقي الآلهة..
لم يكن لهذه المعتقدات البدائية أي كتب أو مراجع توثق إيمانها هذا وممارساته فيها لتضمن تسليم الإيمان إلى الأجيال الأخرى فكان التسليم يتم عن طريق الأسطورة .. فكانت الأساطير مرجعية دينية تضمن بقاء المعتقد وتناقله على مر الأجيال .. وأيضاً كانت تضفي ثقلاً وترسيخاً للمعتقد .. لأن الإنسان البدائي كان أشبه بطفل صغير واسع الخيال ، فكان يبحث عن هذه القصة الخيالية التي تؤكد معتقده البدائي وتشبع خياله ..
تأثرت هذه المعتقدات البدائية بثقافات القبائل البدائية ، وكان كل معتقد يرتبط بالقبيلة وثقافتها وتحدياتها الإجتماعية وصراعاتها مع قبائل أخرى ، وصراعاتها للبقاء وللحياة الآمنة من الوحوش ومن المجاعة ومن أذى الطبيعة ..
أخيراً نستطيع حصر التفسيرات المختلفة لمفهوم العقيده الدينية في هذه الحقبة إلى:
- التفسير المثالي المطلق: يعتبر تطوراً من الإنغماس في الطبيعة بالكامل حتى الوصول للتحرر للأمور الروحية
- التفسير الطبيعي: جعل العبادات الدينية قاصرة على الطبيعة وقواها..
- التفسير الحيوي: اعتبر الانسان فيه ان عبادة الأرواح الفردية هي اساس معتقده كعبادة الأسلاف..
- التفسير ما قبل الحيوي: تركزت عبادته على روح كلية واحدة تسري في الوجود كله وتسيطر على البشرية..
- التفسير الاجتماعي: قامت عقيدته حول تحقيق مفاهيم اجتماعية كالمساواة والعدل ،الحقوق والواجبات ، فأصبحت دستور فطري ترتكز عليه هذه المجتمعات .. وهو النواة التي ساعدت في سير البشرية نحو الاستقرار ..
2- النظريات الإعتقادية ما بعد الحضارات:
تطور مفهوم المعتقد الديني بنشأة الحضارات واستقرار البشرية وبلورة التعاليم الدينية في كتب مقدسة وطقوس .. وتطورت النظرة لهذا الإله من إله مادي له رموز كثيرة ، إلى إله غير مادي ولكنه مرتبط بالطبيعة ، إلى إله روحي غير منظور ولكنه بشكل ما يرتبط بالذات الإنسانية .. إلى الإله الواحد الغير مادي والغير محدود الكلي القداسة الذي خلق كل شيء :الطبيعة والسماوات والذات الإنسانية .. الذي له سلطان على كل شيء .. وهو مدبر الكون ، وهو إله ما بعد الموت أيضاً .. فعنده كل الإجابات لأسئلة البشر ..
طبقاً لتطور النظرة في مفهوم الإيمان لهذا الإله الذي يقبع فوق الجبل ، يمكن أن نصنف الأديان في هذه المرحلة إلى:
1- أديان الطبيعة:
فيها يمتزج الروح الإلهي بالطبيعة بصورة مطلقة .. فهو اتحاد الكلي بالجزئي .. وتشعب منها الأديان الآتية:
أ) ديانة السحر المباشر:
هي صورة بدائية جداً لإرتباط المتناهي باللامتناهي .. فهي تعترف بوجود الروح اللانهائية ولكنها خاضعة للطبيعة .. فهي قوة كامنة في الطبيعة تتدخل في كل مجرياتها لصالح أهواء البشر..فكان مفهوم الإله جزئي يخضع للطبيعة المادية..
+ كانت ممارسات هذه الديانة ترتبط بطقوس وحشية يقوم بها سحرتها منها تقديم ذبائح بشرية .. وارتبطت بالأساطير والاستغلال السيء للطقوس بهدف السيطرة والتأثير على الشعوب.. ولا تزال بعض القبائل الافريقية ومجتمعات الإسكيمو تمارس تلك الطقوس..
ب) أديان الجوهر:
مجموعة من المعتقدات الدينية تقوم على تعاليم أخلاقية ومدونة بواسطة كتب مقدسة .. ومن اشهرها: البوذية ، اللامية ، الهندوسية ، الشنتو
الديانة البوذية:
أسسها سدهارتا جوتاما الملقب ببوذا 560 – 480 ق.م وبوذا تعني العالم ويلقب أيضاً بسكيا موني ومعناه المعتكف. وقد نشأ بوذا في بلدة على
حدود نيبال، وكان أميراً فشبَّ مترفاً في النعيم وتزوج في التاسعة عشرة من عمره ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته منصرفاً إلى الزهد والتقشُّف والخشونة في المعيشة والتأمل في الكون ورياضة النفس وعزم على أن يعمل على تخليص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات ثم دعا إلى تبني وجهة نظره حيث تبعه أناس كثيرون..وهو مرتد عن الهندوسية ، ويعتقد أنه لا يوجد إله للكون ، فأصل الوجود هو العدم .. فلا شيء خالد والخلاص يتم بالتحرر من الوجود بالوصول إلى اللا ذات عن طريق التأمل ..
الهدف الأسمى لمن يعتنقون الديانة البوذية هو مساعدة جميع الكائنات الحية، فهم يعتقدون بتناسخ الأرواح، بحيث يتحول الإنسان بعد موته إلى صورة أخرى أرقى أو أدنى من كونه إنساناً، بحسب أعماله، وهو نوع من الحساب يسمونه “الكارما” وفي سبيل ذلك يعملون على تطوير أنفسهم وطريقة تفكيرهم لاكتساب السعادة بالتأمل العقلي لا بالاستهلاك المادي، وكلما قطع الواحد منهم شوطاً في هذا الطريق ازداد اقتراباً من “الحقيقة” ومن ثم الوصول إلى الاستنارة الكاملة التي يسمونها “النيرفانا”، وهذا هو جوهر الديانة.
وعلى الرغم من أن “بوذا” الذي تنسب إليه التعاليم الأساسية للبوذية لم يدع أنه نبي أو إله، فإن بعض أتباعه وصفوه بالإله وصنعوا له التماثيل وقدموا له القرابين .. إذ نقلوا عنه أن الوصول إلى الاستنارة، عبر التخلص من الرغبات الإنسانية، ربما يؤدي بالشخص إلى الانتقال في الحياة التالية إلى رتبة “إله”.
وحددوا لذلك أربع حقائق وصفوها بالنبيلة، هي أن الحياة معاناة، وأن المعاناة تأتي من الرغبات، وأن الإنسان يمكنه أن ينهي المعاناة بالتخلي عن كل ما يتعلق بالرغبات الإنسانية، وأن هذا يتحقق باتباع “الطريق الثُماني النبيل” الذي يتكون من أن يحصل الشخص على نظرة صحيحة، ونية صحيحة، وكلام صحيح، وأعمال صحيحة، ومعيشة صحيحة، ومجهود صحيح، وتفكير بطريقة صحيحة (من خلال التأمل) وتركيز صحيح ..
ولأن بوذا كان يدرك مدى تعلق الإنسان بالحياة وملذاتها، فقد أوصى بألا يكون التقشف هو السبيل الوحيد للاستنارة، إنما الحياة الوسط، وفيها يحاول الإنسان أن يدرب نفسه وعقله على تحقيق السلام مع الآخرين، إلا أنه اصطفى من أتباعه مجموعة من الرهبان، رآهم مؤهلين أكثر من غيرهم للوصول إلى الاستنارة، وهم وأمثالهم يسمون إلى الآن “السانجا”، ولهم وصايا خاصة أكثر تقشفاً، تتضمن تحريم الخمر والأكل بعد الظهر والرقص والموسيقى والتطيب والجلوس على الشوارع والمكان المرتفع، وحتى تحريم قبول الهدايا من الذهب والفضة.
ويكون لبقية الناس أن يترهبنوا ولو ليوم واحد في حياتهم، لمعرفة طريق الخلاص، وعندما يموت أحدهم يحرقون جثته حتى يتحرر من الدائرة المغلقة للحياوات المتعددة، إذ إن البوذية لا تؤمن بأن الكون له بداية ونهاية..
وبرغم أن ممارستهم الايمانية اصبحت تؤله بوذا وتصنع له لتماثيل وتقدم له القرابين إلا أن اتباعه يعيشون أيضاً على تعاليمه كممارسه ايمانية وفي اطار عباداتهم يستخدمون الماء المقدس ، الشموع والبخور ، يمارسون قص الشعر والصيام أيام معينة والصلاة والدعاء للموتى ..
الديانة اللامية:
اللامية هو دين التبت التي تتألف من نحو 3 ملايين إلى 7 ملايين من التبتيين المغول وغيرهم.. الدالاي لاما هو ما يعادل البابا بالنسبة لهم..
وهي تؤمن ايضاً بالبوذية لكن مفهوم المطلق لديهم يتجسد بشخص يمثل الوحدة الجوهرية للكون واشهرهم ” الدلاي لاما” في إقليم التبت ، “تشو لاما” في منغوليا و “لاما” في سيبيريا..
اللامية أو بوذية التيبت هي مجموعة المبادئ والمؤسسات الدينية البوذية التي تميّز بوذية التيبت، منغوليا، أقسام من الهيمالايا، شمال نيبال والهند، كما أنها الديانة الرسمية في مملكة بوتان. كذلك فهي تمارس في روسيا وشمال شرق الصين.
لقد نشر الشتات التبتية اللامية إلى أقطار غربية عديدة، حيث عرفت أفكارهم نوعاً من الشعبية. وقد ساعد على ذلك الدلاي لاما الرابع عشر، الذي أضحى واحداً من أهم الشخصيات في العالم. ويبلغ عدد اللاميين بين عشرة ملايين وعشرين مليوناً..
يُعتقد أن الدلاي لامات هم تجسيد لأفالوكيتسفارا، وهو إله بوذي هام وتشخيص للمحبة.. الدلاي لامات هم أيضاً كائنات مستنيرة والتي تتأمل بحياتها اللاحقة فتختار أن تولد من جديد لفائدة الجنس البشري.. ” دالاي ” تعني ” بحراً ” بالمنغولية ( الاسم غياتسو مشتق من الاسم التيبتي للبحر ). ” لاما ” هو معادل الكلمة النسكريتية غورو، التي تعني أستاذاً روحياً.. وإذا وضعنا الكلمتين معاً، يصبح المعنى الحرفي للدلاي لاما: ” المعلم البحر “، التي تعني ” معلماً عميق روحانياً كالبحر “.
في أحد تقاليد الهيمالايا، فووا هو المبدأ الذي ينقل جدول العقل إلى جسد بعينه. فعند موت الدلاي لاما والتشاور مع عرافة نشونغ، يتم إجراء بحث عن يانغسي اللاما، أو الشخص الذي تجسد فيه اللاما الراحل. فتقليدياً، كانت مسئولية اللامات الكبار في تقليد غيلوغبا والحكومة التيبتية أن يجدوا تجسّد الدلاي لاما الراحل. ويمكن للعملية أن تستغرق من عامين إلى ثلاثة أعوام من أجل تعيين هوية الدلاي لاما، وقد احتاج الدلاي لاما الأخير إلى أربع سنوات قبل أن يتم إيجاده. وتاريخياً، البحث عن الدلاي لاما مقيد عادة بحدود التبت.. لكن تنزين غياتسو قال إنه قد يولد من جديد في جمهورية الصين الشعبية..
بالإضافة إلى التعاليم البوذية فتقليد الصوم المسمى نيونغن والذي يتضمن تناول وجبة واحدة في اليوم الأول وعدم تناول أي شيء في اليوم الثاني، يكتسب اهتماماً متزايداً في المراكز البوذية في شمال أميركا. ومن يمارسه يقول إنه ينقيه جسدياُ وروحياً على حد سواء. نيونغن هو ممارسة معقدة تستمر يومين ونصف اليوم، فترة من الزمن مفيدة خاصة للذين لا تتوافق جداول أعمالهم مع راحة طويلة الأمد. يتضمن نذوراً صارمة؛ واليوم الثاني مكرس لصمت وصوم كاملين. يتركز التأمل على التلاوات، المانترات، ورؤية تجسيدات لبوذا المحب. نيونغن تترجم بالإقامة في الصوم، ويقال إنها فاعلة في شفاء الأمراض، تغذية المحبة، والتنقية من الكارما السلبية..
الديانة الهندوسية:
تؤمن الهندوسية أن “براهما” هو جوهر الكون الذي ينبثق منه العالم بأسره، وهو يمثل الروح الكلية التي يصدر عنها كل شيء: مثل الآلهة والأبطال، الطبيعة والنباتات والحيوانات، والإنسان في حالة وسطية بينهم ..
والهدف الأسمى للإنسان أن يخرج عن مضمون شخصيته ووعيه وفكره ليصبح في حالة اتحاد مع البراهما.. ويصل إلى اسمى درجات السعادة.. ويحقق ذلك عن طريق الوصول إلى اللا ذات عن طريق ممارسة اليوجا ..
يؤمن الهندوس بكتاب مقدس تكوّن عبر التاريخ يسمى الفيدا، وفيه طقوس وصلوات وأشعار وملاحم ليست منسوبة لشخص بعينه، كما أنها ليست منسوبة لإله محدد.
ولأن هذه الديانة لا تنتظم في شكل هيكلي، فإن أتباعها أحرار في اختيار ما يشاؤون من آلهة يتعبدون لها بالطقوس والقرابين كيفما اتفق، حتى لو كان ذلك من خلال ديانة أخرى، فالمهم أن يسموا الواحد منهم بروحه حتى يتصل بالإله الأعظم “براهما” الذي يتجلى في باطن العقل، وفي ظاهر الكون المادي “وحدة الوجود” وفي الكائنات الحية، ولذلك فهم لا يأكلون اللحوم، ويقدسون البقرة على اعتبارها الشكل الأكمل للكائن الحي..
وبينما تقدم الطوائف الرئيسية تصورات عن الإله وتجسداته في آلهة أخرى (براهما وفيشنو”إله الخير” وشيفا”إله الشر”) تتجسد بدورها في صور متعددة، ينكر بعض الهندوس وجود إله من الأساس، لكنهم يتفقون مع بقية الطوائف على الإيمان بالكارما وتناسخ الأرواح، شأن البوذيين، ولذلك فإن الهدف الأسمى لديهم هو الـ”موشكا” أو الخلاص الروحي، كالنيرفانا البوذية..
ويصلون إلى الموشكا من خلال أربع مدارس، هي طريق الحب والإخلاص، وطريق العقل أو الفعل الصحيح، وطريق التأمل، وطريق الحكمة، وجميعها أشكال لما يسمى اليوغا.. ولذلك ينظر بعض المتخصصين في مقارنة الأديان إلى الهندوسية باعتبارها فلسفة..
و الهندوسية واحدة من أقدم الديانات المعروفة – ترجع الكتابات المقدسة لدى الهندوس إلى حوالي عام 1400 – عام 1600 ق. م. وهي أيضاً واحدة من أكثر الديانات تعقيداً وتنوعاً إذ يؤمن الهندوس بملايين الآلهة. يوجد لدى الهندوس تشكيلة واسعة من المعتقدات الأساسية ولهم طوائف مختلفة. ورغم أن الهندوسية تعتبر ثالث الديانات الكبرى في العالم، إلا أنها توجد أساساً في الهند ونيبال.
إن النصوص الدينية الهندوسية الأساسية هي الفيدا (وتعتبر أهم النصوص)، واليوبانيشدا، والماهباهاراتا، والرامايانا. هذه الكتابات تحتوي على التراتيل، والتواشيح، والفلسفات، والطقوس، والشعر، والقصص التي يؤسس الهندوس معتقداتهم عليها.. تشمل النصوص الأخرى المستخدمة في الهندوسية البراهمانا، والسوترا، والآرانياكا..
رغم أن الهندوسية تعتبر من الديانات متعددة الآلهة، إذ تعترف بوجود حوالي 330 إله، إلا أنه يوجد لها إله واحد فوق هذه الآلهة وهو البراهما.. براهما هو كيان يعتقد أنه يسكن كل جزء من العالم الواقعي في كل أنحاء الكون. براهما هو كيان مجهول لا يمكن الإستدلال عليه، وكثيراً ما يعتقد أنه يوجد في ثلاثة صور منفصلة: براهما أي الخالق؛ فينشو أي الحافظ؛ شيفا أي المهلك. هذه “الوجوه” الثلاثة للبراهما معروفة أيضاً من خلال صور التجسد الكثيرة لكل منها..
وتقوم الحياة الاجتماعية للهندوس على فكرة الطبقات، وهو نظام قديم في الهند يسمى “فارنا” وبناء عليه يقسم المجتمع إلى الطبقة البيضاء وهي طبقة “البرهميين” وتضم القساوسة والعلماء، والطبقة الحمراء “الكاشتري” وهم الحكام والجنود والإداريون، الطبقة الصفراء “الفيزية” وهم الفلاحون والمزارعون والتجار، وأضيفت طبقة رابعة في ما بعد وهي الطبقة السوداء “السودرا” وهم العمال المهرة كالخزافين والنساجين وصانعي السلال والخدم، كما ظهرت طبقة خامسة أدنى من “السودريين” وهم من يقومون بالخدمات الحقيرة ويعاملهم “البرهميون” بقسوة ويتجنبون حتى لمسهم، ويعرف هؤلاء بالمنبوذين أو “الشودرا”، ورغم إلغاء هذه الطبقة قانونيا عام 1950 وإطلاق اسم أطفال الله عليهم فإنهم يحبذون تسمية أنفسهم بالمنبوذين
إن الفيدا أكثر من مجرد كتب لاهوتية.. فهي تحتوي على قدر كبير ومتنوع من الأساطير الدينية التي تتعمد المزج بين الأسطورة والدين والتاريخ لكي تنتج قصة لها أساس ديني. هذه الأساطير الدينية لها جذور عميقة في تاريخ وثقافة الهند حتى أن رفض الفيدا يعتبر معارضة للهند نفسها..
تنظر الهندوسية الى البشر على انهم آلهة. لأن البراهما هو كل شيء فيؤمن الهندوس أن الكل آلهة. فالذات أو “آتمان” متحد بالبراهمان. كل الحقائق خارج عن البراهما تعتبر مجرد وهم أوسراب. إن الهدف الروحي للشخص الهندوسي هو الإتحاد مع البراهما، وبهذا لا يعود موجودا في الصورة الوهمية التي هي “الذات المنفردة”. هذه الحرية تسمى “موكشا”. ويؤمن الهندوس أنه إلى أن يصل إلى الموكشا فإنه سوف يعاد تجسده مرارا وتكرارا حتى يصل إلى تحقيق ذاته الحقيقية (والحقيقة في نظره هي أن البراهما فقط هو الموجود، ولا شيء آخر). تحدد الكارما كيفية إعادة تجسيد الشخص، وهذا قانون السبب والنتيجة الذي يحكمه توازن الطبيعة. فما فعله الإنسان في الماضي يؤثر في المستقبل ويتفق معه، بما فيه الحياة في الماضي والمستقبل..
ويؤمن معظم الهندوسيين أن الروح وهي النفس الحقيقية لكل شخص وتسمى آتمان هي خالدة ووفقاً للاهوت الأحادية ووحدة الوجود الهندوسي (مثل مدرسة أفايتا فيدانتا) فإن الآتمان لا تنفصل عن البراهمان– الروح الأسمى، وبالتالي يطلق على هذه المدارس اللاثنائية.. وهدف الحياة بالنسبة لمدرسة الأفايتا أن يدرك الشخص أن روحه هي مطابقة للبراهمان الروح الأسمى..
وتقول الأوبانيشاد أن ذلك الذي يدرك أن روحه (آتمان) مطابقة للبراهمان قد وصل إلى )الموكشا (الحرية أو التحرر..
ديانة شنتو:
تعتبر العقيده الشنتوية هي جذر الثقافة اليابانية والشريعة الأخلاقية والبنية الأسرية لليابان.. وتعتبر تعاليم الفيلسوف ” كونفوشيوس” هي الذي بنيت عليه ديانة شنتو..
ظهرت هذه الديانة في القرن الثامن قبل الميلاد واعتبرت أن روح الإله كامي هي من اسست اليابان وخلقت العالم ، وبسبب ممارسة البشر للخطايا والنجاسات تثار روح الإله ” كامي” في صورة زلازل وبراكين وأعاصير لمعاقبة البشر ، مما استلزم من الانسان التطهر من هذه النجاسات حتى تهداً روح الإله ..
معتقدي هذه الديانة يعتقدون أن روح ” كامي” ليست كلية الصفات بدليل عدم قدرتها على منع البشر من ممارسة الخطايا..
ويعتقد معتنقو هذه الديانة أن الرب “كامي” نزل من السماء عند انفصال الارض عن السماء لكي يقيم دولتهم .. فهذا الروح المعبود “كامي” ذو قدرة روحية عالية تفوق البشر لكنه ليس ذو قدرة مطلقة ..
ولروح كامي ثلاثة اشكال أو ثلاثة آلهة عظيمة تتحكم في مصير الإنسان: آلهة الشمس “اماتراسو” – آلهة الطعام – آلهة الأرض ..
يتميز كامي بأن له طبيعتين : القدرة الحسية ” تتحكم في الطبيعة ” ، والقدرة التي تفوق البشر “قوة خارقة”..
والتطهير لديهم يتم إما بصورة فردية أو على يد رجل دين .. وهي ديانه لم تتحرر بالكامل من صورة الإله الحسي أو المادي الغير كامل في قدرته ..
على عكس الديانات التوحيدية الأخرى، لا يوجد في الشنتوية تعريف للمطلق، لا يمكن لأحد أن يدعي الصواب المطلق ولا الخطأ المطلق، الناس في طبيعتهم غير معصومين من الخطأ. تعتبر الشنتوية من هذه الناحية ديانة متفائلة، حيث تفترض أن الإنسان كائن طيب في الأساس، وأن الشر يقع نتيجة تدخل الأرواح الشريرة، وتنحصر أغلب العبادات الشنتوية في إبعاد هذه الأرواح الشريرة عن طريق تنقية النفس، الصلوات وتقديم القرابين لـ”كامي”..
ليس لعقيدة التوحيد مكان في الشنتوية، فبسبب تعدد المظاهر التي يمكن أن تتجلى فيها القوى الإلهية، ربط اليابانيون بين كل ظاهرة وآلهة معينة، وأعداد الكامي لا يمكن حصرها، ويمكن لأي شخص أن يعين آلهته الخاصة..
لا يوجد في الشنتوية حياة بعد الموت، و يعتبر جسد الشخص الميت شيئا مدنسا، فتنطلق روح الميت، بعد أن تتحرر من جسدها المادي فتندمج مع قوى الطبيعة.. لذا يقوم أغلب اليابانيين عند تعرضهم لأمور متعلقة بالموت بتفويض أنفسهم إلى العقيدة البوذية..
تتضمن العبادة في الشنتوية أربعة عناصر هي:
التطهّر والاغتسال: ويقوم بها الكاهن عندما يلوح بفرع من شجرة السيكاكي أو ورقة منها إلى رأس المتطهر.
تقديم القرابين: وتكون في الأغلب من الحبوب أو الشراب، ويتم اليوم تقديمها في شكل مبلغ من المال، وفي أسوء الحالات يمكن تقديم قرابين رمزية كأغصان شجرة السيكاكي مثلا.
الصلاة: ويقوم فيها الزائر بتقديم أمانيه ومطالبه ..
الوليمة الرمزية: وهي إشارة إلى تناول الطعام مع كامي، وتتبع هذه الطقوس عملية تناول الساكي المقدس (الجعة المحلية وتصنع من خميرة حبوب الأرز)، وقد يقوم بعض الزوار بعدها بأداء رقصات مقدسة خاصة بالمزار..
الشنتو عقيدة بسيطة ولا تطالب أتباعها بطقوس خاصة ومعقدة، ويمكنها أن تتعايش مع المعتقدات الأخرى، ويتمسك اليابانيون بهذه الطقوس ويعتبرونها جزءا من كيانهم القومي..
ج) أديان التحول:
انتقلت المعتقدات البشرية بعد ذلك إلى مرحلة انتقالية هامة في تاريخ المعتقدات الدينية يسمى ” أديان التحول” وهي حلقة وسطية ما بين أديان الجوهر الخاضعة للطبيعة ، وأديان الفردية الروحية والتي تتحرر فيها الروح كلياً من المحسوسات أو المحدود..
وتشمل أديان التحول ثلاث معتقدات هامة : الديانة الفارسية “الزرادشتية” – الديانة السورية – الديانة المصرية ..
الديانة الفارسية “الزرادشتية”:
الزرادشتية وتعرف بالمجوسية هي ديانة إيرانية قديمة وفلسفة دينية آسيوية. كانت الدين الرسمي للإمبراطوريات الأخمينية والبارثية و الساسانية. يقدر عدد معتنقي الديانة مابين 145,000 إلى 2.6 مليون نسمة. معظمهم اليوم في الهند ويتواجدون في إيران وأفغانستان وأذربيجان بالإضافة لمهاجرين من هذه المناطق في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وكندا وسنغافورة.
نسبت الديانة إلى مؤسسها زرادشت، و ظهرت في بلاد فارس قبل 3500 سنة.. ظهرت الزرادشتية في المنطقة الشرقية من الإمبراطورية الأخمينية عندما قام الفيلسوف زرادشت بالدعوة للثنائية الإلهية.. فالإله المضيء الظاهر المنير مصدر الخير “اهورامازدا” فهو يحمل جميع اشكال الوجود ويحمل الطبيعتين الروحية والحسية فهو يحمل كل صفات الطبيعة الحسية النماء والخصوبة وايضاً صفات روحية كالحق والعدل والجمال ..والعبادة الحقة لهذا الإله تعتمد على تكريس الفرد حياته بالتطهير الروحي وارضاء اهورامازدا .. وعلى النقيض الإله الآخر “اهريمان” الإله الند لأهورامازدا ويمثل الظلام والنجاسة ويجب على الإنسان التصدي لكل انشطته خلال العبادة..
هنا لا نجد المفهوم الكلي للإله.. فهناك ندية بين إلهين محدودين.. وبالرغم من ان الصورة تحررت من فكرة الجوهر إلا أننا لم نصل بعد للإله الروحي الواحد الذاتي المطلق ..
هناك إعتقاد خاطئ ساد بين أتباع الأديان الإبراهيمية أنهم يعبدون النار، ولكنهم في الحقيقة يعتبرون النار والماء أدوات من طقوس الطهارة الروحية..
أفكار زرادشت أدت إلى تبلور دين رسمي يحمل إسمه قرابة القرن السادس قبل الميلاد.. هناك إختلافات كبيرة بين الأديان الإبراهيمية والزرادشتية، إذ يظل الزرادشتيون أقرب للأديان الهندية القديمة ، والديانة الزرداشتية نفسها، تأثرت بالفلسفة الدينية لحضارة بابل العراقية القديمة..
وتؤمن الزرادشتية ان النفس الإنسانية تنقسم إلى قسمين:
(القوة المقدسة)
والتي تدعمها سبع فضائل عليا: الحكمة والشجاعة والعفة والعمل والإخلاص والأمانة والكرم هذه الفضائل بمثابة الملائكة، وتدفع هذه الفضائل القوة المقدسة النفس البشرية إلى الخير والنور والحياة والحق.
(القوة الدنيا)
وتساند هذه القوة سبع رذائل: النفاق والخديعة والخيانة والجبن والبخل والظلم وإزهاق الروح وهي بمثابة شياطين، وتدفع هذه القوة الخبيثة المتكونة من النقص في النفس البشرية إلى الشر والظلام والموت والخداع، ويبقى هذا الصراع قائماً بين هاتين القوتين داخل النفس البشرية إلى أن يصل الإنسان إلى النقاء.
الديانة الزرادشتية تؤمن بالعقاب واليوم الاخر وبالروح ووجودها، ويعتقدون إن الفاني هو الجسد وليس الروح، وإن الروح ستبقى في منطقة وسطى بين النار والجنة في منطقة تدعى البرزخ، وأن اعتقادهم راسخ بالجنة والنار وميزان الاعمال..
الجحيم في الديانة الزرادشتية يختلف في وصفه عن الأديان الأخرى، فالديانة الزرادشتية تقول بأن الجحيم عبارة عن منطقة باردة وفيها أنواع من الحيوانات المتوحشة التي سوف تعاقب المذنبين بما اقترفت أيديهم من إثم في الدنيا..
الزرادشتية تحث الإنسان على التمسك بالفكر الصادق والقول الصادق والعمل الصالح للوصول إلى ذاته وليضمن سعادته فالإنسان كائن حر وعليه اطاعة الاله الوحد ،كما أن الزرادشتية تحرم الرهبانية بكل أنواعها..
للماء والنار أهمية في الطقوس الزرادشتية والنصوص المقدسة تعتبر ان الماء والنار يمثلان حياة مستقلة بحد ذاتها ولا يخلو المعبد الزرادشتي من هذين العنصرين فالنار تعد الوسط الذي يزود الإنسان بالحكمة وان الماء يعتبر مصدر هذه الحكمة..
حافظ العراقيون على ديانتهم السامية – البابلية الموروثة والقائمة على عبادة الآلهة الممثلة للكواكب وقوى الطبيعة والمنقسمة عموماً إلى ثنائية قوى الخير والنور وقوى الشر والظلام . علماً أن هذه الثنائية البابلية هي التي اثرت في الإيرانيين وديانتهم الزرادشتية..
للزرادشتية رموز دينية، يعبرون بها عن الإيمان بمعتقداتهم، وتعد جزءاً من زيهم اليومي، أهمها:
1- الكوشتي Kushti وهوجعل فيه اثنان وسبعون خيطاً ترمز لأسفار «اليسنا» Yasna وهي تعقد مرات عديدة في اليوم تعبيراً عن تصميم الدين والأخلاقي معاً..
2- ارتداء قميص «الساندر» Sandre منذ سن البلوغ، ويرتدي الكهنة رداء أبيض وعمامة بيضاء وقناعاً على الفم أثناء تأدية الطقوس تجنباً لتلويث النار المقدسة بأنفاسهم..
3- صلاة الصبح «كاه هاون» وصلاة الظهر «كاه رقون» وصلاة العصر «كاه أزيرن» وصلاة الليل «كاه عيون سرتيرد» وصلاة الفجر «كاه اشهن: وهناك احتفالات وصلوات خاصة لجميع المناسبات الكبرى في الحياة : الميلاد والبلوغ والزواج والإنجاب والموت..
4- وضع الجثة فوق «أبراج الصمت» لتأكلها الطيور الجارحة وهناك طقوس وأعمال عبادة وتطهر..
الديانات السورية القديمة:
يعتبر هذا المعتقد أكثر تحررًا من المفاهيم الحسية والطبيعية عن الديانة الزرادشتية .. فلا يوجد فيها إلهين كل منهما ند للآخر .. بل أن مفهوم الإله هو مفهوم كلي والمفهوم الجزئي يقع في داخل هذا الكلي..
فالإله هنا مطلق يحوي سلبه داخله وليس منفصلاً عنه كما في الزرادشتية .. فتقول الأسطورة أن الإله أدونيس يعاني تجربة التناهي في أحد صوره فيتألم ويموت ويظل ميتاً ثلاثة أيام ثم يسترد حياته مرة أخرى .. فهنا نجد أن معاناة الشر جزء من الطبيعة الإلهية..
برغم أن الديانة السورية القديمة خطوة أكثر قرباً من مفهوم الوحدانية إلا أنها لازالت لم تصل بعد إلى فكرة الإله المطلق الكلي .. وكانت تتخللها العديد من الأساطير..
الديانات المصرية القديمة:
اتسمت الديانات المصرية القديمة بتعدد الآلهة و الصور المختلفة للمفاهيم الإيمانية وتأثرها بالعوامل الجغرافية والسياسية و الصراعات بين كهنة الأديان المختلفة مثال كهنة آمون وكهنة آتون الشمس..
ولكن أهم ما يميز هذه الحقبه هو بروز فكرة التحرر الجزئي للروح من الطبيعة.. فقد اشتملت على المفاهيم الطبيعية والروحية في آن واحد.. فمملكة الأرض تنقسم إلى قسمين: مملكة الحياة في الشرق ومملكة الموت في الغرب لذا فقد كانت المعابد والمدن السكنية تقام في الضفة الشرقية للنيل أما مدافن الموتى ففي البر الغربي..
تميزت أيضًا بعبادة الحيوانات ليس لطبيعتها الحية ولكن لكونها تحمل روحًا حية غامضة..فهي تحمل المعنيين في باطنها .. المعنى الروحي والمعنى الطبيعي.. كما أضفت بوجه عام البعد الروحي والرمزي للطبيعة فنهر النيل يرمز للحياة والشمس ترمز للعطاء.. وهكذا..
اشتركت الديانة المصرية القديمة مع الديانة السورية القديمة في مفهوم الكلي الذي يحوي الجزئي في داخله.. فنجد في اسطورة اوزوريس انه يتعرض للسلب بموته ثم يسلب هذا الموت النقيض لكي يعود لذاته بقيامته مرة أخرى من الموت..
ومن ابرز الصور لتحرر الجزئي من الطبيعة إلى الفردية الروحية تتضح جلياً في عقيدة البعث والخلود وهو ما ظهر بوضوح في الاهتمام بفن التحنيط..
برغم أن الديانات المصرية القديمة لم تصل للمفهوم الكلي المطلق للإله وقد آمنت بتعدد الآلهة إلا أننا يمكن أن نؤكد على تفردها بمعتقدات ايمانية هامة لأول مرة.. مثال عقيدة البعث والخلود- الثواب والعقاب – السمو إلى التوحيد..
ويمكن إجمالاً تلخيص خصائص الحياة الدينية في مصر الفرعونية إلى:
– تعدد الالهة
تعددت الالهة عند المصريين القدماء وذلك لانقسام مصر الي عدة اقاليم قبل توحيدها علي يد الملك نارمر فكان لكل اقليم اله خاص بها تقدم له القرابيين تصنع له التماثيل تقام له المعابد يلتفون حوله في الاعياد. رحب ملوك مصر بتعدد الالهة وذلك حتي لا تترك السلطة الدينية في يد كهنة اله واحد يمكن ان ينافس الملوك في الثراء والسلطان .. ومن الالهة : الاله رع ، الاله حورس، الاله انوبيس، الاله أوزيريس، الاله خنوم، الاله بتاح، الاله تحوت، الاله حتحور، الاله اتون.
– الاعتقاد في البعث والخلود
اعتقد المصريون القدماء بالخلود اي وجود حياة اخري ينعم بها المتوفي بعد الموت والبعث انه سوف يعود بعثة ثانية للحياة بعد موته ليحيا حياة خالدة فدفعهم هذا الاعتقاد الي حفظ جثث موتاهم عن طريق التحنيط، دفن موتاهم في قبور حصينة شيدوها في الصحراء حيث يسود الجفاف، تزويد المقابر بكل ما يحتاج اليه الميت من طعام وشراب وادوات ليستعين بها بعد البعث.
– الاعتقاد في الثواب والعقاب
اعتقد المصريون القدماء بأن الروح تتعرض للحساب بعد الموت حيث يقف الميت امام محكمة تتكون من 42 قاضياً يرأسهم الاله أوزيريس (اله الموتي) ويقوم الشخص الميت بسرد اعماله الحسنة ويتبرأ من اعماله السيئة حيث يتم وضع قلب الميت في احدي كفتي ميزان العدالة وفي الكفة الاخري ريشة تمثل الاله ماعت (اله الحق والصدق) فأن خفت موازينه يدل علي ان الميت كان صالحاً وان رجحت موازينه يدل علي ان الميت كان عاصياً في حياته حيث يوجد في الساحة حيوان مفترس يمزق اجساد الكافرين .
– السمو الي التوحيد
ظهرت فكرة الوحدانية علي يد امنحتب الرابع “اخناتون” أي المخلص للاله اتون.. الذي نادي بعبادة اله واحد وهو اتون ورمز له بقرص الشمس الذي يرسل اشعته الي الارض فيحمل اليها النور والحياة ولذلك قام بانشاء عاصمة جديدة للبلاد وهي اخيتاتون وشيد بها المعابد المفتوحة للسماء..
2- أديان الفردية الروحية:
تعد هذه المرحلة مرحلة ارتقاء للروح ضد الطبيعة فيصبح للإله صورة روحية خالصة وينتقل من المفهوم الحسي الطبيعي إلى المفهوم الكلي ذا الجوهر الروحي الذي يتعدى حدود الطبيعة..
وتشمل أديان الفردية الروحية : الديانة الإغريقية – الديانة الرومانية – الديانة اليهودية..
الديانة الإغريقية:
نشأت في اليونان القديمة .. توصف بأنها دين الجمال فقد تفوقت الروح على الطبيعة .. كان زيوس، ملك الآلهة المتحكم في البرق والسماء ، لديه مستوى من السيطرة على جميع الآلهة الآخرين الاثني عشر الكبرى مثل: الأولمبيون، هيرا، بوسيدون، ديميتر، أثينا، آريز، أفروديت، أبولو، أرتميس، هيفايستوس، هيرميز، وديونيسوس ، وقد انتصر على قوى السماء و البحار والارض..
برغم ان الإلهة تتخذ صورة روحية إلا أن لديها طابع انساني وصورت الانسان ان له جوهر إلهي .. فهي لم تصل بعد إلى معنى الاله المطلق فقدرة الاله محدودة بالرغم من الطابع الروحي.. وسلبية هذه الديانة الميل للقوة والجنس والقتال بين الآلهة.. فقد تصرفت الآلهة مثل البشر وكان لديهم رذائل بشرية و كانوا يتواصلون مع البشر، وفي بعض الأحيان ينجبون الأطفال منهم..
الديانة الرومانية:
أثَّر وجود اليونانيون في شبه الجزيرة الإيطالية منذ أوائل الفترات التاريخية على الثقافة الرومانية، حيث قدموا بعض الممارسات الدينية التي أصبحت بعد ذلك نقاطًا جوهرية في عقيدة الرومان.. وبحث الرومان عن أساس مشترك بين آلهتهم وآلهة اليونانيين، فتبنوا الأساطير اليونانية وصور القديسين ومزجوها في الأدب اللاتيني والفن الروماني..
توصف بأنها دين نفعي، فالآلهة هي وسائل لتحقيق الرغبات الشخصية.. ويعتبر وسيلة سيطرة على الشعوب.. ويعتبر حكم الامبراطور هو حكم الهي.. وبسبب أخطاء القياصرة شهدت العديد من التمرد والصراعات السياسية.. ولم تخرج عن كونها صورة مكررة من الديانة الاغريقية لأن تحقيق المكاسب السياسية والعسكرية وقت الحكم الروماني كان اهم من الاهتمام بالديانات والعبادة..
في أثناء الحكم الروماني 509 قبل الميلاد– 27 قبل الميلاد ، عَمِلَ المسئولون المنتخَبون كعرافين وأحبار. وكان القساوسة يتزوجون وينشئون عائلات ويشاركون في الحياة السياسة مشاركة فاعلة. وكان يوليوس قيصر كبير هيئة الأحبار (Pontifex Maximus) وكان العرافون يقرؤون وصايا الآلهة ويراقبون ترك علامات على الحدود لعكس النظام الكوني، ومن ثم فكانوا يسمحون بالـتوسعية الرومانية كأمر من القدر الإلهي. وكانوا يرجعون الانتصار الروماني لتدينهم حيث إن الانتصار العام الذي تمتعوا به كان عرضًا للورع والاستعداد الذي يتأهبون به لخدمة المصلحة العامة بإهداء جزء من غنائم الحروب إلى الآلهة، خاصًة الإله يوبيتر الذي يجسد الحكم العادل.. لذا فقد كان الدين الروماني دينًا عمليًا .. واستند الدين إلى المعرفة والممارسة الصحيحة للصلوات والطقوس والتضحية (تقديم القرابين)، ولم يكن يستند إلى إيمانٍ أو عقيدة، وعلى الرغم من ذلك فإن الأدب اللاتيني حَفِظَ اهتمامهم بالطبيعة الإلهية وعلاقتها بشؤون الإنسان. وحتى أكثر مفكري الصفوة الرومان ريبةً وشكًا، مثل شيشرون، والذي كان عرافًا، كانوا ينظرون إلى الدين كمصدر يحفظ النظام الاجتماعي.أما بالنسبة لعامة الرومان، فقد كان الدين جزءًا من حياتهم اليومية. وكان لدى كل بيت مكان مقدس يؤدون فيه الصلاة ويقدمون فيه المشروبات للآلهة المحلية. وكانت الأضرحة في المناطق المجاورة والأماكن المقدسة كالينابيع والبساتين تملأ المدينة..
الديانة اليهودية:
هي اكثر من اقترب من ذاك الجبل الذي يقبع الإله الحقيقي فوقه .. فهي الديانة الأولى في التاريخ التي سميت دين الجلال أي أن “يهوه” هو الإله هو الله هو الكائن الكلي المطلق الموجود بذاته والمتحرر من الطبيعة والخالق من العدم ..وهو ذات إلهية غير محدودة .. وهو يسيطر على الطبيعة سيطرة كاملة.. ولا يوجد إله آخر سواه .. وقد اعطى امتيازاً للانسان وميزه عن باقي المخلوقات فقد جعله صورة الإله ومثاله..
يرجع اصلها وبداية نشأتها إلى يعقوب أو “إسرائيل” بن إسحاق بن إبراهيم، الذي عاش في فلسطين قبل أربعة آلاف عام، وكان له اثنا عشر ولداً يسمون بالأسباط، ويعبدون إلهاً في السماء هو “يهوه” أو “الله”.
عرفوه من جدهم الأكبر إبراهيم، وآمنوا بأن الله أعطاهم الأرض التي يعيشون عليها دون غيرهم، وكان أن تفرق نسلهم في الأرض، فخرج من بينهم “موسى” مؤسس الديانة الذي قال إن الله تحدث معه وأملاه عشر وصايا، تحث في مجملها على عبادة الله وحده دون أي أوثان أو أصنام، وإكرام الوالدين، وتقديس يوم السبت، وتحريم الكذب والقتل والزنا والسرقة وشهادة الزور واشتهاء ممتلكات الآخرين من بني إسرائيل.
وقد جاءت هذه الوصايا في الإصحاح 20 من سفر الخروج، ضمن الكتاب المقدس لليهود “التوراة”، متبوعة بثلاثة إصحاحات تفصل الشريعة اليهودية، وفيها عقوبات مشددة كقتل الزاني والساحر والعاق بوالديه، تشريعات اخرى هامة كالختان وتحريم بعض الأطعمة والذبائح..
ينتظر اليهود بحسب التوراة مجيء “المسيح المخلّص” لينصرهم على أعدائهم، وليسود السلام في العالم إلى أن ينتهي. وعلى الرغم من أن يسوع المسيح الذي ظهر في فلسطين كان من بني إسرائيل، وقدم نفسه على أنه “المخلص” واتبعه الكثيرون، فإن اليهود رفضوا الإيمان به، وهم لا يزالون ينتظرون المسيح المخلّص الحقيقي، ويكرسون أعمالهم لتهيئة الأرض لاستقباله.
تنحصر معظم طقوس العبادة اليهودية في: صلوات المزامير، طقس الختان ،تقديس السبت، تقديم الذبائح الحيوانية للتطهر..
اليهودية كانت اقرب ديانة فردية روحية قدست الإله الواحد الكلي المطلق ولكنها طالما نظرت إليه انه خفي فوق الجبل لا نستحق رؤيته ولا نستطيع .. إله جبار قوي يشتد غضبه إذا خالفنا وصاياه .. فلنحفظ وصاياه لنتجنب غضبه..
نعم .. وبرغم انهم كانوا الاقرب إلى الإله والوحدانية .. إلا انهم لم يتلامسوا مع الإله الحقيقي المحب الصالح الرائع الصفات .. لم ينظروه عن قرب .. وكان دائماً في نظرهم الإله الذي يميزهم عن باقي البشر والذي ينتظرونه ليحققوا به السيطرة على الكون.. فبرغم انه كان روح كلية مطلقة في نظرهم .. إلا انهم كانوا يرون فيه الانتفاع والهيمنة المادية وليست الروحية..
ترى من يرتفع بنا فوق الجبل لنتلامس مع هذا الإله ونتعمق ونتفرس في صفاته؟!! من يتجاسر .. من يستطيع؟!!
3- الدين المطلق – الديانة المسيحية:
يتلخص الإيمان المسيحي في أن الله، خالق الكون، عندما خلق الإنسان الأول “آدم” وزوجته حواء، أمرهما باجتناب شجرة بعينها كوصية إلهية ، لكنهما عصياه وأكلا منها، فتلوث نسلهما بهذه الخطيئة، فأرسل الله ابنه “يسوع” لتخليص البشرية من هذه الخطيئة، ومات على الصليب فداء لجميع بني آدم، تاركاً بعض الأوامر ليلتزم بها من يريدون اللحاق به في الملكوت “الجنة” بعد موتهم..
أبرزها الإيمان بالله الواحد المثلث الأقانيم “الآب والابن والروح القدس”، والإيمان بفداء المسيح للعالم، والإيمان بأن يسوع سيعود في آخر الزمان في المجيء الثاني ليدين العالم، فعل الخير وحب الآخرين ودعوتهم إلى الخلاص ، والإيمان أن الإنسان يتطهر من خطاياه ويتبرر أمام الله وينال الحياة الأبدية أو يدان في الجحيم الأبدي، بحسب ما جاء تفصيلاً في الإصحاح 25 من إنجيل متى..
لكن أتباع هذه الديانة انقسموا إلى ست طوائف، أبرزها الأرثوذكس والكاثوليك، الذين يتقيدون بما يسمونه “الأسرار السبعة” وجميعها طقوس مادية ولكن يؤمنون بأنها لها مدلول رمزي وقوة روحية خفية : تستخدم الماء والزيت والصلبان والصلوات، تقيمها دار العبادة “الكنيسة” للإنسان عند ولادته “المعمودية” ولدى زواجه ومرضه، وكذلك إذا قرر التوبة “الاعتراف” أو الشكر “القربان المقدس” أو التفرغ لخدمة الرب “الكهنوت”، فضلاً عن الحج اختيارياً إلى مكان ولادة ومقتل يسوع في فلسطين..
غير أن البروتستانت رفضوا سلطة الكنيسة الكاثوليكية على الناس، فلم يعترفوا إلا بطقسي المعمودية والشكر، وأنكروا شفاعة أي أحد سوى “يسوع المسيح”، ونفوا ضرورة تقليد الرسل، لكنهم يتفقون مع الأرثوذكس على أن الإنسان بعد الموت يدخل الملكوت أو الجحيم للأبد..
+ تعتبر المسيحية امتداد لليهودية فهي تؤمن بالتوراة ” العهد القديم” ولكنها آمنت بالمسيا المنتظر الذي رأت أنه يسوع المسيح الذي هو الإله الخفي القابع فوق الجبل والذي تنازل ونزل من سماء مجده ليصير فادياً ومخلصاً للبشرية من سلطان الخطية ومن حكم الموت ..
توقف تصنيف الأديان بوصولنا للمسيحية لأنه لا حاجة لنا للرجوع للوراء .. فالديانة المسيحية هي الديانة الوحيدة المطلقة التي توافرت فيها كل مباديء المفاهيم الدينية المطلقة لذلك الإله الكلي المطلق الغير محدود ذو الجوهر الروحي والذي خلق كل الكائنات والطبيعة وله سلطان على كل شيء وهو إله كل البشر وليس فئة بعينها .. وأيضاً كانت لديه حلول لمعضلة البشرية .. فهو الإله الذي لديه حلول وردود على مشاكل الشر والألم .. وهو الذي قدم ذاته لينقذ البشر من حكم الموت .. الديانة الوحيدة التي تخاطب الروح وتدعو بالاتحاد بإلهها .. التصاق روحي عجيب يقدس النفس ويسمو بها فوق كل ما هو مادي او محسوس .. نعم فهي تحمل العودة لما فقده الانسان قديماً .. العودة للصورة الأصلية..
نعم .. المسيحية هي الديانة الوحيدة التي تلامست مع هذا الإله الذي كان كائناً فوق الجبل فنزل بنفسه لأن البشرية لم تستطع الصعود ..
خاتمة
خضنا رحلة طويلة لنسبر اغوار البشرية .. قصة الانسانية المعذبة التي بلت نفسها بتيهان وتشتت على مدى التاريخ .. فمنذ أن انفصلت عن خالقها بإرادتها وخطيتها وهي تعاود البحث عنه .. ورويداً رويداً تفقد النفس البشرية الصورة الأصلية تماماً ولا تستطيع تذكرها .. ولكن طالما بحثت هذه النفس المعذبة عن مصدر راحتها وأصل وجودها ..
زاد اعداد البشر وكثرت القبائل والجماعات وتكونت الحضارات وقامت الحروب والصراعات وكل قبيلة اتخذت ديناً احست انه الاقرب لثقافتها وحياتها .. اختلفوا كثيراً في مفهوم الايمان ولكنهم للعجب أيضاً اتفقوا في مفاهيم عامة كبيرة كما لو كانوا من أصل واحد رغم بعد المسافات واختلاف الازمنة .. كاحتياجهم للإله اللامتناهي .. الايمان بما وراء الطبيعة .. الايمان بالخالق.. الايمان بالخير والشر .. الايمان بالحياة الاخرى .. الايمان بالثواب والعقاب.. حتى أنهم اشتركوا في نفس فكر طقوس الممارسات الايمانية كالصلاة ..تقديم الذبائح .. الأصوام.. وغيرها..
تأثرت المفاهيم الإيمانية بثقافات الشعوب والبيئة المحيطة وأيضاً بالظروف والأطماع السياسية والرغبة في السيطرة على الشعوب.. وتداخلت الاساطير لتضفي الصفة المقدسة والموثوقة والمبهرة لكل دين..
اختلف كل دين في درجة بعده عن المفهوم الايماني السليم المطلق للإله .. نعم بالبعد أو القرب من ذلك الجبل الذي يكمن فوقه الإله .. حتى اقتربت منه اليهودية ولكن لم تستطع الصعود .. وحينها نزل الإله من سماء مجده في المسيحية ليهب البشرية نعمة الإلتصاق به واستعادة ما قد فقده .. استعادة الصورة الأصلية .. بل وصعد به فوق الجبال ..
أخيراً ..
المسيحية هي الديانة الوحيدة التي تلامست مع هذا الإله الذي كان كائناً فوق الجبل .. فنزل بنفسه لأن البشرية لم تستطع الصعود ..
المراجع:
الإنجيل – ترجمة فان دايك
موسوعة تاريخ الأديان – د. فراس السواح
كتاب قصة الديانات – د.سليمان مظهر
كتاب مدخل إلى فلسفة الدين – د. محمد عثمان الخشت
كتاب أديان العالم – د. هوستن سميث
كتاب المسيحية المجردة – سي اس لويس
كتابات الأب/ باسيليوس الكبير
كتاب حياة الايمان – قداسة البابا شنودة الثالث
كتاب قضية الإيمان – الأب/ متى بديع
جميع حقوق النشر الإلكتروني والمطبوع لهذا البحث محفوظة لصفحة اثبت على إيمانك على فيسبوك، وأي اقتباس أو نقل أو تدوين بهدف الربح المادي أو المعنوي دون إذن الصفحة يعتبر تعد على حقوق الملكية الفكرية، ويسمح فقط بالنقل و التدوين لأهداف خدمية وروحية وتثقيفية ولكن مع ذكر اسم صفحة اثبت على إيمانك كمرجع و ناشر للبحث.